لكل السوريين

هجمات تركية سافرة على الشمال السوري.. احتلال جديد وإطالة أمد الأزمة السورية

حاوره/مجد محمد

جولة جديدة من التصعيد العسكري الوحشي بدأها الاحتلال التركي مع مطلع الأسبوع الماضي على مناطق الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، مستهدفاً البنية التحتية الحيوية من حقول نفط وغاز ومنشآت كهرباء ومؤسسات خدمية بل وحتى صالات أفراح في مخطط جديد قديم لكسر إرادة شعب قاوم أعتى تنظيم إرهابي في العصر الحديث، تنظيم داعش، وحلمه العيش بسلام وكرامة.

اعتداءات بدأت باستخدام الطيران الحربي والمسير في كل من عين العرب كوباني والقامشلي والقحطانية والمالكية وعامودا، لتكون النتيجة اشتعال النيران في حقول للنفط والغاز ومؤسسات خدمية ومرافق عامة وانقطاع التيار الكهربائي عن معظم المناطق، خسائر يبدو إنها لم تشفي غليل الاحتلال ليستأنف هجماته في اليوم التالي على مدينة القامشلي المأهولة بالسكان بعدة غارات جوية شنتها طائرات مسيرة لم تفارق أجواء المدينة، لتطال الضربات محطة القطارات والشركات والمنشآت ومؤسسة للطباعة، وهذا ما تسبب بوقوع عدة ضحايا مدنيين من قتلى وجرحى، إلا أن الأخطر هو استهداف موقع بالقرب من سجن علايا الذي يوجد فيه محتجزون من عناصر تنظيم داعش الإرهابي وهو ما يثير تساؤلات عن هدف تركيا من استهداف تلك المنطقة، استنفار كبير للمشافي ونداءات للتبرع بالدم سرعان ما لباها أبناء شمال وشرق سوريا في أبسط أشكال المساعدة لأبناء البلد في صورة عن التكاتف والتلاحم بين العرب والكرد والسريان، وباقي مكونات منطقة تجهد منذ أعوام على تشكيل نموذج ديمقراطي فريد يسعى إليه السوريين لبناء سوريا المستقبل.

وعن هذا الموضوع وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ طارق عبو عضو حركة التحرر الديمقراطي، ودار الحوار التالي:

*أستاذ طارق مرحباً بك بداية، ما هي تداعيات وأبعاد هذا العدوان المكثف على وجه الخصوص باستهداف البنى التحتية وكل ما يتعلق بالمنشآت الخدمية والطبية؟

أهلاً بك، الاستهداف يأتي ضمن سياسة عامة تهدف إلى النيل من الإدارة الذاتية وتحطيمها وتدمير هذه التجربة وتركيا تعلن هذا صراحة، ومسؤولي تركيا يصرحون بشكل دوري أنهم سيستهدفون المنطقة وكل البنى التحتية فيها وما فوق وتحت الأرض وتدميرها، وهم فعلاً هجموا ودمروا بشكل كبير وعادوا الكرة مرة أخرى، وهذه المرة لم نرى أي حجة واهية من قبلهم وهم لم يعلنوها بشكل رسمي إنه ما السبب والدافع الذي حذي بهم لاستهداف البنى التحتية والمنشآت والمرافق والمدنيين بالدرجة الأولى، والظاهر أن الهدف العميق والأساسي هو تحطيم هذه المنطقة وإشاعة الفوضى فيها وخلق واقع أشبه بالجحيم ودفع الناس إلى الهجرة، فالآن ما يحدث يعتبر إبادة تستهدف بالدرجة الأولى المدنيين السوريين الموجودين في المنطقة، وخاصة الأطفال والمرضى وكبار السن هم أكثر المتضررين فهذه تعتبر حرب إبادة معلنة.

*الاحتلال التركي كما عهدناه دائماً يستغل كافة الظروف المحيطة، هل تركيا استغلت التوقيت الآن وانشغال الأوساط الدولية؟

الموقف الإقليمي والدولي جميعه مرتبك وهذه لحظة مناسبة لتركيا لتوجه ضربات، إن ما تفعله تركيا في مناطق شمال وشرق سوريا هو تقليد لإسرائيل بما تفعله في قطاع غزة في مسألة إبادة للبنية التحتية وإبادة لكل حجر وبشر، والموقف الإقليمي إلى حد كبير جداً يساعد تركيا على هذه العملية فالعالم كله منشغل بما يحدث في قطاع غزة وآليات وارهاصات هذا الموضوع، وكذلك الحديث المتواتر عما يحدث في البحر الأحمر والممرات البحرية من دخول الحوثيين على الخط وبداية تعطيل للممرات البحرية فالمشهد العام ملائم لتركيا لتقوم بهذه العملية العسكرية.

*تركيا تقوم بخلق واقع وخلط الأوراق باستهداف كل شيء متعلق بالبنى التحتية والمؤسسات الطبية، ماذا عن موقف الدول المتدخلة في الشأن السوري، وما دلالات هذا التوقيت والتصعيد؟

كما قلت لك سابقاً تركيا الآن تستغل ما يحدث في المنطقة والعالم أيضاً لارتكابها المزيد من الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، وعلى الصعيد الإقليمي لا شك أن تركيا داخلة في بازارات ومقايضات مع القوى الإقليمية والدولية، لأنه منذ زمن بعيد نسمع إنه يوجد مناطق خفض تصعيد وتفاهمات وما إلى ذلك وكل ذلك أعاق الحل السلمي للأزمة في سوريا، القوى الإقليمية التي تدخلت بشكل أو بأخر كل ذلك ساهم ألا يحدث أي انفراجه أو حل للأزمة السورية، وفيما يخص التدخل التركي فهو احتلال واضح واجتزاء مناطق من سوريا في ثلاث عمليات عسكرية كبيرة تدخلت بها بنفسها مع أدواتها بما يسمى بالجيش الوطني، والآن المناطق التي احتلتها تمارس فيها واقعاً احتلالياً بحت من تتريك وتغيير ديموغرافي وربط إداري بالمناطق التركية وهو ما يعني بأن هذه المناطق ستؤول إلى تركيا في المستقبل، هناك صمت من روسيا ومن الولايات المتحدة الأمريكية ومن التحالف الدولي وهذا ما جعل تركيا تصول وتجول وكذلك الاتحاد الأوروبي حتى الآن لم يصدر أي بيان ضد ذلك، وذلك بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لتركيا للقيام بحملتها.

*تركيا تحاول إعادة أمجاد الدولة العثمانية مشكلة بذلك خطراً على جميع الدول العربية، وخصوصاً جاراتها سوريا والعراق، ما هي خيارات الحكومات العربية في ضل هذا التهديد؟

دعني آخذك إلى موضوع بنطاق أوسع وهذا النطاق مرتبط بواقع عربي مؤلم للغاية، واقع يعيش تيه سياسي وقضاياه تتحكم فيه قوى دولية، أنظر الآن إلى تعامل الواقع العربي في موضوع قطاع غزة فهو مؤلم للغاية، وما تراه على شاشات التلفاز يبكي الحجر أكثر من البشر ورغم ذلك ترى هذا الصمت العربي المريب ويندرج إلى حد كبير إلى الكثير من علامات الاستفهام، وأرى إن المنطقة العربية هي رجل العالم المريض لأنه لا توجد قضية في العالم العربي يتحكم بها العرب بشكل منفرد وإنما كل القضايا الموجودة في العالم العربي تتحكم بها قوى إقليمية ودولية، وبالنسبة للقضية السورية فهي تتحكم بها روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية ويوجد بينهم تباين مواقف، ولكن هناك اتفاق على آليات التعامل داخل الساحة السورية وهناك مناطق نفوذ موجودة داخل سوريا لكل الدول، ولا أستبعد أن تعطي هذا الدول الضوء الأخضر لتركيا للقيام بعملية عسكرية جديدة وخصوصاً إن تركيا في الفترة الأخيرة عادت تنادي بمنطقة آمنة على حدودها، والولايات المتحدة الأمريكية بموقفها الصامت فهي أقرب إلى الموافقة على ذلك وهذا برأيي ليس حباً بتركيا، ولكن تريد أن تسحب تركيا من يد الروس ومن يد إيران لكي تصبح في الخانة الأمريكية وهذا على حساب مصالح الدول الصغرى، وانا أتصور إن هذه الضربات التي تنفذها تركيا الآن هي تتم بموافقة غير معلنة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لكي تكسبها في مواقف أخرى.

*ختاماً، ما المتوقع أن تقوم به الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في ضل هذا العدوان الكبير ذو الطابع الإجرامي بكل ما تحمله الكلمة من معنى؟

الاحتلال التركي يمتلك طائرات حربية متطورة ومسيرات متقدمة وجيش الاحتلال هو ثاني أقوى جيش في حلف شمال الاطلسي (النيتو)، ولديه تقنيات متطورة تستهدف البنى التحتية وحتى إنها لا تستهدف النقاط العسكرية التي لها بدورها تدابير أخرى، وفعلياً لا أرى أن الإدارة الذاتية قادرة على مواجهة جميع ما ذكرته لك، يمكنها فقط رفع الصوت بالشكوى وتوثيق كافة الانتهاكات وتصويرها والشكوى لدى الجهات المعنية والمنظمات الدولية والتكتلات الدولية الكبرى والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وكذلك الآن الحكومة في دمشق مطالبة برفع شكوى ضد هذه الغارات التركية والانتهاكات، فالتحرك على الجانب السياسي والدبلوماسي والإعلامي مهم جداً، وأما قوات سوريا الديمقراطية لا خيار لها سوى المقاومة كما عهدناها بتسطير أروع الملاحم والبطولات حتى لو لم تكن تمتلك القدرات العسكرية الكبيرة والتقنيات الحديثة.