لكل السوريين

أردوغان يتجه نحو الغرب بسبب أزمة تركيا الاقتصادية المتفاقمة

حاوره/مجد محمد

عام ٢٠٢٤ دخل على تركيا وأدخل معه عناوين كثيرة وخطيرة في ضل تحديات كبيرة على كافة الأصعدة، بدءاً بالسياسة وصولاً إلى الاقتصاد، حالة ووضع أقل ما يمكن وصفه بأن تركيا على حافة الهاوية تركة ثقيلة من التحديات الاقتصادية على صعيد التضخم الفاحش والتدهور البالغ في سعر الليرة التركية أمام الدولار، إلى جانب مناخ استثماري مشحون بعدم الثقة في سياسات الحزب الحاكم وفريقه الاقتصادي، لكن أكثر ما يخشاه البعض في العام الجديد أن تفقد تركيا مستقبلها في إشارة إلى هجرة الأدمغة، وخلال العام ٢٠٢٣ انخفضت الليرة التركية إلى مستوى قياسي بلغ ٢٩,٤ مقابل الدولار الواحد لتصل خسائر العملة إلى ٣٦٪ بعد أن واصلت انخفاضها البطيء والمضطرب في الأشهر الأخيرة من العام بوتيرة ملحوظة.

وضع حافة الهاوية هذا بكل تأكيد كان نتيجة طبيعية للسياسة الخارجية، والتي لا يمكن اعتبار خطوات السياسية الخارجية لرئيس النظام التركي خارج هذا السياق، حيث يحاول أردوغان بالوقوف إلى حافة الهاوية الاقتصادية أن يفعل المستحيل وأن يتغلب على قوانين الطبيعة، بالطبع يحاول أردوغان إطلاق الوعود بقبول انضمام السويد إلى النيتو ويجدد صداقته مع واشنطن ويدعم بشكل غير متوقع مطالب موسكو بشأن صفقة الحبوب، إلا أن الوضع يشبه من يبيع آخر أثاث بيته قبل الإفلاس الوشيك، وبشكل بانورامي بقراءة الوضع التركي نستنتج تراجع خطر تطورات السوق المعاكسة والتي احتلت المرتبة الأولى لعام ٢٠٢٣، وهذا الوضع يبرهن على أن لدى تركيا مشكلات أخرى تفوق المشكلات الاقتصادية، وعلى رغم الزلزال الذي ضرب عدد من الولايات التركية في السادس من شباط/فبراير ٢٠٢٣ إلا أن الأخطار الاقتصادية تجاوزت أخطار الصراعات الإقليمية وأخطار الزلازل.

وفي هذا الشأن وبهذا الخصوص، عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع المجاز في الاقتصاد الأستاذ هاشم الأزرق، ودار الحوار التالي:

*أستاذ هاشم مرحباً بك بداية، تركة ٢٠٢٣ على تركيا تركة ثقيلة، إلى أي درجة بالفعل الآن الداخل التركي في امتحان صعب؟

نعم، الإرث بالنسبة لعام ٢٠٢٣ كان كبير فهناك الزلزال المدمر الذي كلف الخزينة التركية مليارات الدولارات لإعادة الوضع إلى ما كان عليه ولتلافي الأخطاء الماضية بالنسبة للبنى وغير ذلك، وهناك أيضاً المشاكل التي حصلت أعقاب كورونا والتي سببت انهيار للاقتصاد العالمي وليس الاقتصاد التركي فقط، وهناك تضعضع كبير حدث بالنسبة للمجالات السياسية في تركيا بالنسبة للخلافات الدائمة في المحيط، والتي استفاد منها النظام التركي كحرب أوكرانيا ومسألة الحبوب وما إلى ذلك، الحكومة التركية تحاول منذ أواخر السنة الماضية إلى تحسين علاقتها مع عدة دول آمله في الاستثمار في أراضي تركيا في محاولة منها لإدخال النقود الأجنبية إلى تركيا وتداولها.

*التركة ثقيلة جداً، ما هو أصعب ملف في ظل الحديث عن التركة؟

أعتقد إن الوضع في تركيا وضع معقد من جميع النواحي وليس فقط من النواحي الاقتصادية والسياسية وإنما من النواحي الاجتماعية أيضاً، فالوضع الاجتماعي للترك داخل تركيا مأزوم جداً وهناك تصاعد في العنصرية داخل المجتمع التركي ضد من هم غير أتراك، وهذا يؤثر كثيراً على السنة الجديدة التي دخلتها تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي يحاول تغذية هذه النزعة لأن وجود هذا الحزب في السلطة لا يكون إلا بتغذية هذه النزعة، والوضع الاقتصادي ميؤوس منه فالتضخم في تركيا فعلياً وصل إلى ٦٥٪ وهناك عدد دول قليلة في العالم وصلت لهذه النسبة من التضخم، وناهيك عن الصراعات السياسية الداخلية فالصراعات تزداد حدة في هذه الفترة فتصاعد حدة الحزب الجمهوري سيؤدي إلى انهيارات في حزب العدالة والتنمية، ناهيك عن تراجع علاقات الحزب الحاكم على الصعيد الدولي فحتى أصدقاءه في الفترة الأخيرة باتوا يؤيدونه بشكل أقل كالسعودية والإمارات، لذلك حتى الوضع الخارجي ليس لصالحه، فالآن أردوغان يحاول أن يخرج عن الوضع الذي هو به بأي وسيلة لذلك هو الآن يتوجه غرباً بعد أن كان يتوجه شرقاً في الأعوام الماضية وذلك لكي يكسب الدعم الأمريكي والغربي.

*السياسة التركية الآن مرنة وسلسة، ونابعة من فكرة الغاية تبرر الوسيلة، ما رأيك بهذا؟

السياسة الخارجية مرتبطة بالسياسة الداخلية في تركيا، وخاصة في حرب إسرائيل وغزة فأنها كشفت تركيا وقامت بتعرية حزبها الحاكم، فهناك العشرات من السفن التركية المحملة بالمساعدات ذهبت إلى الموانئ الإسرائيلية من الحديد والإسمنت وحتى المواد الغذائية، النظام التركي الآن خارجياً لن أقول بأنه معزول لأن هذا الكلام غير صحيح نسبياً، ولكنه ذو علاقات مترددة مع كل دول العالم، أوروبا تشكك بالحكومة التركية والولايات المتحدة الأمريكية كذلك الأمر والدول العربية الآن أصبحت أقوى من قبل فالسعودية التي هرعت ووضعت ٥ مليار دولار لدعم الحكومة التركية كي لا تسقط الآن لا تهتم حتى بالاستثمارات داخل تركيا، فالآن تركيا هي من تحاول التودد للدول العربية والغربية أملاً للحصول على مكاسب ومنافع اقتصادية.

*تركيا تبني سيولة اقتصادها على سحب العملة من السوق؟

نعم للمحاولة في تأخير إفلاسها، قامت تركيا في مطلع العام ٢٠٢٤ بسحب حوالي ٣٥٠ مليار ليرة (١٢,٤ مليار دولار) من السيولة من الأسواق مع تغيير جديد في الاحتياطيات المطلوبة لودائع الليرة المحمية من تقلبات سعر الصرف وغيرها من حسابات الودائع، ورفع المركزي التركي الاحتياطيات المطلوبة لودائع الليرة المحمية من تقلبات سعر الصرف ب٥ نقاط مئوية، ومنذ يونيو/حزيران الماضي، ومع تنفيذ خطوات الاحتياطيات المطلوبة، سحب البنك المركزي أكثر من تريليون ليرة من السيولة من السوق.

*في ظل رفع سعر الفائدة وتراجع الليرة، ما الذي ينتظر الاقتصاد التركي عام ٢٠٢٤؟

إن المرحلة الحالية تعتبر مرحلة دفع ثمن الربيع الاقتصادي الكاذب، فقبل الانتخابات توقعت مسارين في حال فاز أردوغان، الأول مواصلة العمل بالسياسيات الاقتصادية العبثية تحت مسمى تصفير أو تقليل الفائدة، وبعد عام أو عام ونصف العام بالكثير ينتهي هذا الربيع الكاذب وندخل في صدمة وانهيار اقتصادي كبير،  قد ينتج منه ١٤ مليون عاطل عن العمل، أو يتراجع الحزب الحاكم عن سياسات الاقتصاد العبثي، ويعود للاقتصاد الحقيقي، وهو ما يحدث الآن، وفي هذه الحال سنكون أمام سياسة تقشف.

*ختاماً، ما هي التحديات التي تواجه الاقتصاد التركي في ٢٠٢٤؟

التحدي الأبرز حالياً هو التضخم، خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وفي ظل دين خارجي قصير الأجل يصل لـ ١٢٦,٩ مليار دولار، بالإضافة لتحديات عديدة تواجه الاقتصاد التركي من البطالة التي تجاوزت نسبتها ٢٥٪، إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب التضخم الذي تجاوز بحسب تقارير رسمية ٦٥٪،  فضلاً عن انخفاض قيمة الليرة.