لكل السوريين

العقد المقبل للشرق الأوسط.. تحديات ومنعطفات

حاوره/ مجد محمد

طرأت تغيرات كبيرة في النظام الدولي وفي أهمية المناطق بعدما تغيرت طريقة التفاعل في العلاقات الدولية وخاصة أن الدول الإقليمية مسألة مهمة في النظام الدولي، والأفكار والاستراتيجيات تتغلغل في النظام الدولي على المستوى الإقليمي فما هي تحديات العقد المقبل أمام الشرق الأوسط.

وفي هذا الموضوع وبهذا الخصوص عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الأستاذ في العلوم السياسية ابراهيم المصطفى ودار الحوار التالي:

*أستاذ ابراهيم مرحباً بك بداية، الشرق الأوسط يواجه تحديات في العقد المقبل ماذا عن تحديات العقد المنصرم؟

أهلاً بك، كما قبل مئة عام كانت منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الأكثر تجاذباً للقوى الاستعمارية العظمى منذ اتفاقية سايكس بيكو، حيث تم تغييب روسيا القيصرية، والآن كذلك الأمر تم جعل روسيا منشغلة في حرب أوكرانيا التي كانت فخاً لبوتين الذي وقع في الفخ وليس بإمكانه الخروج منه في وقت قريب، فما حصل قبل مئة عام ليس كما اليوم تماماً لأن أمور كثيرة تغيرت فالشعوب التي كانت تناضل من أجل الاستقلال باتت اليوم تناضل من أجل الحريات والديمقراطية وتغييرات سياسية، والمتغيرات الدولية لم تغير قائمة الدول الصانعة للقرار سوى إضافة الولايات المتحدة الأمريكية إلى رأس القائمة مع دول أوروبا والصين وهؤلاء غالباً ما يبحثون عن مصالحهم، فالمتغيرات التي تحصل اليوم في منطقة الشرق الأوسط هي التي تحدد ما سيكون عليه الحال في المئة عام القادمة، الشهب الآن يقود الثورات عبر مبادئ ثورية محددة ليس كما في السابق الذي كانت الثورة تأتمر بأمر  شيوخ ورجال الدين، أما الآن عبر مفكرين يقودون ثورات شعوب الشرق الأوسط نحو الحرية والكرامة والمساواة وعدم نبذ الآخرين، وهذا باختصار وكأفكار عامة دون التدخل والتشعب بكل فكرة على حدى.

*الحرب في غزة أبرز ملامح التغيرات في الشرق الأوسط، ما رأيك؟

على مدى الأشهر القليلة الماضية، كان الاتجاه السائد في معظم العام والذي يشكل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يكرس تحولاً أوسع نحو التهدئة والتقارب وتطبيع العلاقات، واليوم عاد الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني مشتعلاً من جديد، أن كيفية إنهاء الحرب في غزة وما سيأتي بعد ذلك سيكون لها تأثير عميق على معالم المنطقة في العقد القادم، وإن الحرب إذا انتهت بتجدد الاحتلال الإسرائيلي لغزة وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، فإن الزخم نحو المزيد من التطبيع مع إسرائيل سوف يتباطأ وسيتشدد الرأي العام العربي ضدها، وفي الوقت نفسه، سوف تواجه الولايات المتحدة رياحاً معاكسة في علاقاتها الإقليمية، وسوف تستفيد إيران ووكلاؤها، فضلاً عن الجماعات السنية المتطرفة، من هذا الاستقطاب وستكتسب المزيد من الأتباع والنفوذ، ومن ناحية أخرى، إذا أعقبت الحرب جهود سلام قوية، بقيادة الولايات المتحدة ولكن بضم لاعبين عالميين وإقليميين رئيسيين، فقد تتحول المنطقة في اتجاه أكثر إيجابية، فتترك المتطرفين والمفسدين على الهامش.

*حكومات الدول في الشرق الأوسط بعيدة كل البعد عن الشفافية، هل هذا سيستمر إلى العقد المقبل؟

للأسف لا ملامح واضحة عن استمراريتها أم لا ولكن غالبا ستستمر، فأن بعد المواطنين عن أنظار حكوماتهم يشكل العقبة الكبرى أمام الشفافية والمساءلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حكومات المنطقة تركز على تحقيق التنمية المنصفة التي تعزز رفاه المواطنين، ولن يتحسن هذا الوضع إلا عندما تعالج المجتمعات العربية مشكلة غياب أصوات مواطنيها ورؤيتهم وتمكينهم من التصديق على أداء الحكومات ومساءلتها، ونحن بحاجة إلى آليات تجعل أصوات المواطنين مسموعة، وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من الحكومات لا تقوم بالكشف عن وثائق ومعلومات أساسية، مثل تقارير الميزانية ومراجعة الحسابات، ولم تسن بعد تشريعات فعالة بشأن حق الوصول إلى المعلومات، وسيشكل إفساح المجال للمجتمع المدني لمساءلة الحكومات بعداً أساسياً للمضي قدماً في تنفيذ برنامج الشفافية.

*ما هي أبرز التحديات التي ستواجه الشرق الأوسط في العقد المقبل؟

ستواجه دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات اقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة في خلال العقد القادم، وتمثل هذه التحديات اتجاهات طويلة الأمد يمكن توقعها ولكن لا يمكن تجنبها بسهولة، وبالتالي يمكن لهذه الدول الاستعداد لها فحسب، ومن أبرز التحديات هي التحديات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية وتشمل هذه التحديات الضغوطات المالية الناتجة عن الاتجاهات الهبوطية طويلة المدى في أسعار الطاقة العالمية، والضغوطات التنافسية التي تسببها تطورات الرقمنة، وزيادة ندرة المياه والنزوح من الأرياف إلى المدن بسبب تغير المناخ، بالإضافة إلى الضغوطات الناتجة عن زيادة العرض في اليد العاملة بسبب الاتجاهات الديموغرافية، في الوقت ذاته، تعاني دول المنطقة نقاط عجز في الحوكمة تحول دون تصديها للتحديات التي تواجهها بفعّالية، وتشمل هذه النقاط المؤسسات الضعيفة، والعلاقات المتوترة بين الدولة والمواطن، والأنظمة الاقتصادية الإقصائية، بالإضافة إلى العلاقات الهشة بين الدول.

*ذكرت لي أن العلاقة هشة بين الدول في الشرق الأوسط على النطاق الإقليمي، هل هذا تحد كبير سنواجهُ في العقد المقبل؟

يتسبب الضعف المؤسّساتي بتدهور العلاقات بين الدول في أنحاء المنطقة، وتعتبر معظم التحديات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط إقليمية بطبيعتها وتتطلب تعاضداً إقليمياً، أو على الأقل تعاونا، عوضاً عن ذلك أدت الخصومات الإقليمية إلى عرقلة التقدم في المنطقة فقد استنزفت الصراعات الداخلية في اليمن وسوريا وغزة مؤخراً الموارد وعكست النجاحات المكتسبة بصعوبة في نتائج التنمية البشرية، فعوضاً عن العمل لحل هذه الصراعات، فاقم الانخراط الإقليمي الأزمات وأطالها علاوة على ذلك، أدت الخصومات الإقليمية إلى استنزاف مالي، محولةً الموارد المالية الشحيحة بعيداً عن الأولويات الإنمائية، مع القليل من المنافع الواضحة، ففي العام ٢٠٢٠، أنفقت دول الخليج مجتمعة ١٠٠ مليار دولار أمريكي على موازناتها الدفاعية لكن التدخلات العسكرية في اليمن وليبيا جاءت بنتيجة عكسية، شأنها شأن المناورات الإقليمية ضد بلدان مجاورة، وسجل المنطقة في حل الصراعات الداخلية والنزاعات الإقليمية رديء للغاية، فلم يكن للمؤسسات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي أي نفوذ في التخفيف من النزاعات أو حلها.

وتزداد مناطق الاضطراب مع امتداد الصراعات بالوكالة لتطال لبنان والسودان والصومال ومنطقة الساحل الأفريقي، وفي وقت تواجه فيه المنطقة برمّتها تحديات عالمية خطرة، على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تجد طرقاً لحل النزاعات والعمل معاً بفعالية أكبر، ويضاف إلى هذا الوضع عنصر الإلحاحية القصوى، فالمنافسة بين القوى العالمية والإقليمية في تزايد، فالولايات المتحدة والصين على خلاف، وتعيد روسيا تأكيد دورها كقوة عالمية، لذا قد تصبح دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنقسمة بسهولة بيادق أو ضرراً تبعياً في الصراع العالمي لكسب القوّة.

*اخيراً، في ذات الموضوع، كلمة أخيرة تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك…

في خضم هذه التغيرات تعيش المنطقة العربية حالة من الهشاشة وانهيار الدولة، مما يجعل تحالف دولها مع الدول المحيطة من أجل تحقيق الاستقرار قدرا أكثر منه خيارا، فلا خيارات مثلا أمام سوريا والعراق وكذلك أمام باقي دول المنطقة سوى التعاون مع إيران أو مع تركيا أو مع كليهما من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية عبر الخروج من دائرة الهشاشة إلى دائرة الاستقرار، كما أن الخروج من دوائر التبعية للسياسة الغربية إلى دوائر الاستقلال الإقليمي في صناعة القرار السياسي على المدى البعيد يتطلب بناء منظومة إقليمية متفاهمة ومتعاونة في ما بينها.