لكل السوريين

سوق حي الجلوم مسقط رأس الأدباء والمثقفين وأعرق أسواق حلب

حلب/ خالد الحسين

في رحلة قصيرة في صفحات التاريخ حيث تجد العراقة والأصالة تنبع من الجدران والأزقة و ابتسامات الناس البسطاء ووجوههم البشوشة من سوق حي الجلوم كان لصحيفة السوري جولة سريعة للتعرف على هذا السوق.

يقع سوق حي الجلّوم ما بين باب قنسرين وباب انطاكيه غرباً، وشمالاً العقبة، وشرقاً أسواق المدينة القديمة وهو من أقدم أحياء مدينة حلب ويتكون من الجلّوم الكبرى  والجلّوم الصغرى و يحوي على عدّة سبلان وحمّامات وخانات ومساجد.

أبرز مواليد هذا الحي أحمد بن مسعود والد المفكر عبد الرحمن الكواكبي و “العلّامة خير الدين الأسدي ” وشيخ الفنانين ” صبري مدلل ” ولتسمية الجلّوم عدة أقوال منها يقال بأنها محرّفة من ” جاء اللوم ” لأنه كان لقباً لوجيه من الحي كان له نفوذ يخوّله أن يوجه اللوم على حكام السلطة فدعي باسمه أو أنها محرّفه من ” جلا القوم ” أي أن سكان الحي جلوا عن موطنهم الأصلي أو أنها محرّفه عن ”سلوم” أو أنها آتية من ” جلّ القوم ” أي أن سكانها كانوا من علّية القوم وأكابرهم والكل يرجّح تلك المقولة.

و من عائلات هذا الحي العريق قديماً” آل رسلان، آل أسد، أل جودة، آل جزار، آل طباخ، آل كواكبي، آل جلبي، آل ركبي، آل مؤذن، آل حناوي، آل مهروسة، آل طرقجي، آل صباغ.

يبدأ هذا السوق من مجمع الشيباني، وينتهي عند جامع الشعيبيّة بداية باب انطاكيا، على مسار خط مستقيم واحد ينحرف قليلا نحو اليمين عند نهايته، تحت مسمى ”جلّوم الكبرى” وهو سوق مستحدث منذ عام ١٩٦٠ م تقريباً، حيث تحولت بعض البيوت العربية القديمة، كما البعض من أجزاء الخانات إلى محلات تجارية و يتألف هذا السوق من حوالي /٣٠٠/ محلاً تجارياً موزعاً على كلا الطرفين و معظم المهن المتواجدة ضمن هذا السوق هي للألبسة النسائية والرجالية والولادية الوطنية ، كما يحوي على الألبسة الداخلية و يتفرّع هذا السوق إلى تفرعات عدّة جهة اليمين وجهة اليسار، نبدأ من جهة اليسار حيث يوجد مجمع “الشيباني” الرائع، ويضم كنيسة ومدرسة ودير، يعود تاريخه للقرن الثاني عشر ميلادي.

كنيسة الشيباني:

هدمت عام ١٩٣٤ م  وبني عوضاً عنها كنيسة “اللاتين” التي تقع في منطقة العزيزية وبقي مكان الكنيسة فارغاً، تستعمل حالياً كموقف للسيارات.

مدرسة الشيباني:

تعد أولى مدارس حلب الإسلامية، ومازالت قائمة حتى يومنا هذا بكل تفاصيل جمالها وروعة رواقها الداخلي، الذي يحوي بداخله على دير للآباء الفرنسيسكان المؤسسين لهذا المجمع العظيم الذي يعد من أهم المراكز دينياً وثقافياً وتاريخياً.

ويعود تاريخ بنائه لعام /١١٢٤/ م، تستخدم حالياً كمركز لإدارة نشاط مؤسسة “الآغا خان” في حلب والمنطقة الشمالية، كما تقام فيه العديد من الفعاليات الثقافية والفنية على مدار العام تعرض عقار الشيباني خلال الحرب في مدينة حلب عام /٢٠١٢/م للضرر، إلا أنه مازال قائماً حتى يومنا هذا، كما تضرر لاحقاً بفعل الزلزال الذي ضرب مدينة حلب بتاريخ ٦ / ٢ / ٢٠٢٣ م.

يلي هذا المجمّع العظيم مدفن “موتياب” هو الأمير أحمد مطاف باشا، الذي بنى وقفاً له ولزوجته ليدفنا فيه بعد موتهما، وأوصى أن يؤخذ من أمواله الممنوحة منه مسبقاً لكل من يقرأ لهما كل يوم ختمة من القرآن الكريم و يليه (خان الطاف)

تعود ملكيته إلى الأمير أحمد مطاف باشا، الذي يعتقد أنه قد اشتراه أو أكمل بناءه ووقفه وكتب على باب الخان جهة اليمين بنقش حجري، “مبارك باب لرب العباد” وندخل هذا الخان عبر باب كبير ذو مصراعين، يحتوي هذا المدخل على /١٠/ محال جهة اليمين، ودرج يُصعد من خلاله إلى الغرف العلوية للخان، كما ويحوي على /٦/ محال جهة اليسار، وعلى قبو واحد، ثم ندخل بعدها إلى الرواق وهو مربع الشكل، يحوي على /١٠/ غرف أرضية ودرج يتصدّر المكان جهة اليسار يؤدي إلى الغرف العلوية جهة الشمال، وفي خمسينيات القرن الماضي تحوّل هذا الخان من فندق ونزل إلى ورشات للخياطة ومعمل للسكولير، ثم تحول في التسعينيات إلى محلات تجارية وورشات صغيرة لتصنيع الألبسة الوطنية الجاهزة.

تضرر هذا الخان عام /٢٠١٢/ م بسبب الحرب وبقي على وضعه الحالي حتى يومنا هذا، و يجاور خان الطاف مسجد يدعى “مسجد سيدنا حمزة”، أمر بعمارته الملك العادل أبو بكر محمد بن أيوب عام /٥٥١/ هجري ،/١١٥٦/ م، أيام العهد الأيوبي تم توسعته عام /١٩٩٧/ م.

ثم ( خان الجلبي ) أو بيت الجلبي يقع  بالمحضر / ٦٣٥ / على واحد، سمّي بالجلبي نسبة لقاطنيه من بيت الجلبي، ويقع داخل هذا السوق الذي يسمى بالجلّوم الكبرى بني عام /١٩٢٩/ م و يُدخل إليه عبر باب كبير ذو مصراعين ويحوي المدخل على ثلاثة غرف، ويأخذنا المدخل إلى رواق كبير يحوي على /١٢/ غرفة أرضية و/٣/ غرف علوية، واسطبل بعمق /٨/ درجات، وهو الأقرب إلى المدخل جهة اليسار، و يتصدر هذا الخان إيوان كبير تزينه قنطرة كبيرة يتناوب على حافتها لوني الأبيض والأسود.

يحتوي هذا الإيوان على غرفتين كبيرتين، كما يحوي على بئرين للمياه تم ردمهما لاحقاً، وحاصل لمياه الأمطار عدّل استخدامه فيما بعد، كما يحوي على درجين يؤديان إلى سطح هذا الخان.

وبالقرب من هذا الإيوان الجميل وعلى حائطه جهة الشمال يوجد حمّام لها قبة عالية، كان يستخدم تلك الحمّام سابقاً أصحاب هذا البيت، كما ويوجد باب جانبي بالقرب من تلك الحمّام يؤدي إلى زقاق المسبح.

تحوّل هذا الخان مع الزمن إلى ورشات ومحلات لبيع الألبسة الوطنية تقريباً عام /١٩٧٠/ م، وبقي كذلك حتى يومنا هذا.

تضرر هذا الخان بسبب الحرب، وأعيد ترميم الإيوان والحمّام من جديد، يليه مسجد آل طه الجلبي الذي بني في العهد العثماني  عام /١١٥١/ هجري، /١٧٣٨/ ثم تم إعادة بناءه وترميمه عام /١٤٤٣/ هجري، /٢٠٢١/م.

يحاذي هذا المسجد تفرّع يؤدي إلى جامع الأصفر أو عبّارة البوشي، يليه تفرّع ” زقاق فنصه” الواقع ضمن المنطقة رقم واحد حي الجلّوم /٣/ .يليه مسجد السيد:

الذي أنشأ عام /٧٠٥/  هجري ، /١٣٠٥/ م في العهد الأيوبي وكتب على لوحة أخرى بقربه العهد المملوكي، يليه مفرق يؤدي إلى فرن “شيحة” ونكون قد وصلنا بذلك إلى مخفر الجلّوم، الذي يجاوره مفرق يؤدي إلى الجلّوم الصغرى أو ما يسمى خراق الجلّوم ومنه إلى منطقة الكلاسة ويليه مسجد التينة.

وهو مسجد قديم  تضرر بفعل الحرب وأعيد ترميمه عام /٢٠٢٠/ م، وثم مسجد الماياتي الذي بني في أواخر العهد العثماني، وقد تضرر بفعل الزلزال الذي ضرب مدينة حلب بتاريخ  ٦/ ٢ / ٢٠٢٣ وعلى جهة اليمين المقابلة لهذا المسجد توجد حجرة قديمة سوداء اللون بطول ذراع وعرض نصف ذراع تدعى حجرة البرقة، أمامها منزل قديم كتب على جداره العلوي آيات قرآنية، كان بعض الناس يزور تلك الحجرة  للشفاء من البرقة أو الكسور العظمية، بالجلوس عليها وقراءة الآيات القرآنية من الحائط الذي أمامها، لاعتقادهم بأنها تشفي لأن فيها سرّ شفاء من أسرار الأولياء الصالحين وقد أزيلت بعد الزلزال لتوسعة الطريق و تقل المحال التجارية بعدها إلى أن نصل إلى مفرق جامع الشعيبيّة بباب انطاكية.

وبهذا نكون قد انتهينا من المرور بجهة الشمال من هذا السوق.

ونعود ونكمل حديثنا عن سوق الجلّوم جهة اليمين و يبدأ من تفرّع آخر سوق “اليبرق” المشرف على الساحة المطلّة على مجمع “الشيباني”، حيث يبدأ أصحاب المحال التجارية بعرض بضائعهم على الطريق خارج محالهم، لنصل بعدها إلى

“خان الدير”:

الذي يقع أمام خان “الطاف” ومدفن “موتياب” و سميّ بالدير لأن كان يسكنه الآباء الفرنسيسكان، وينتقلون منه إلى كنيسة الشيباني من الجهة المقابلة له عن طريق سباط أي ممر أو دهليز دون النزول إلى الشارع وقد أزيل هذا السباط فيما بعد هدم الكنيسة أي يعد الدير مكان بيت رهبان ومدرّسي مدرسة وكنيسة الشيباني وبمرور السنين تحوّل هذا الخان إلى مكان لصباغة وطبع الأقمشة، وغسيل الصوف وفي عام /١٩٦٥/ م تقريباً تحول هذا الخان إلى ورشات ومحلات لبيع الألبسة الوطنية، وبقي كذلك حتى يومنا هذا و يحوي هذا الخان على /٨/ غرف أرضية و /٦/ غرف علوية كبيرة، منهم واحدة كانت تؤدي إلى كنيسة الشيباني عبر سباط كما أشرت إليه سابقاً و لم يتضرر خان الدّير بالحرب ولا بالزلزال و اقتصرت الأضرار على أشياء بسيط جداً ولله الحمد، وبقي محافظاً على عراقته حتى يومنا هذا و يلي هذا الخان تفرُّع يؤدي إلى جادّة “حمّام عتاب” التي تؤدي إلى سوق السّقطية، وعند أول تفرُّع لجهة اليسار منها يوجد خان يدعى “خان غنّام”.

“خان خشبة” :

وهو خان صغير الحجم بالمقارنة مع باقي الخانات القديمة، سميّ بخان “الخشبة” لأن قاطنيه كانوا من عائلة “خشبه”، وكانوا يعملون بكي الملابس، وقد سكنه قبل ذلك عائلة “صولا” الإيطالية وعُرف آنذاك بخان “صولا”، ثم تحوّل مع مرور الزمن إلى مستودعات ومحال تجارية عام /١٩٨٥/ م، وبقي كذلك حتى يومنا هذا و يحوي هذا الخان على /١٠/ غرف أرضية صغيرة ، و /٤/ غرف علوية، وقبو وبئرين عميقين للمياه أُزيلا فيما بعد و تضرر هذا الخان كثيراً بفعل الحرب والزلزال ومازال على وضعه الحالي حتى الآن، إلا أن البعض من أصحاب محلات هذا الخان قد رمموا محالهم آملين ترميمه كاملاً و يلي هذا الخان مفرق يؤدي إلى جامع “البهرمية” وبيمارستان “النوري”، ثم يليه مفرق “دار النشا” وهو عبارة عن معمل لتصنيع مادة النشاء التي تدخل في طبخ بعض الأطعمة والمأكولات الحلبية القديمة كالمهلّبية، والسحلب، ثم مدرسة الفجر العربي، وهي عبارة عن دار سكنية قديمة تحولت إلى مدرسة و يليها ساحة وتفرّع فرن “النقّار” وفيه جامع قديم يدعى جامع “المقدّمية”، ومدرسة اعدادية “معن ابن زايده” و يليه تفرّع آخر مقابل المخفر تماماً يدعى “شيخ نعسان” يؤدي إلى خان “الشيط”.

“خان الشيط”:

يقع خان الشيط أو ما يعرف باسم خان فلّاحة” مقابل المخفر تماماً في حي الجلّوم، داخل زقاق طويل، يحتوي هذا الخان على /١٠/ غرف أرضية، و/٣/ غرف علوية.

تغيّرت طبيعة هذا الخان مع الزمن وأصبح يستخدم كمعمل صغير للنسيج “سكولير” عام /١٩٩٠/ م، ثم تحوّل إلى مستودعات للأقمشة والألبسة الوطنية، وبقي كذلك حتى يومنا هذا و تضرر هذا الخان بفعل الحرب والزلزال، لكن أضراره بسيطة مقارنة مع باقي الخانات و نعود لنكمل طريقنا المستقيم من هذا السوق العريق جهة اليمين بعد المخفر، يأتينا تفرّع لزقاق “البيض او البزازية”، ثم زقاق “مخلوطة” الذي يقع أمامه مسجد “التينة”.

ويتضاءل عدد المحال التجارية لنصل إلى جامع “الشعيبيّة” بباب انطاكية ونكون بذلك قد أحصينا تقريباً أسماء المساجد والخانات من كلا الطرفين ومررنا بعطر أنفاس تاريخ عريق مازال يبوح لنا بقصص حكايا الأجداد.