لكل السوريين

العلاقات التركية الأمريكية.. بين مد وجزر والقضية السورية على رأسها

حاوره/ مجد محمد

تستغل أنقرة مجمل الظروف الدولية وتحديداً التناقضات بين موسكو وواشنطن لتمرير خطتها الاحتلالية، وضرب مكتسبات ثورة شمال وشرق سوريا وصيغة الإدارة الذاتية كنموذج حل للأزمة السورية، وتربط ذلك بذريعة أمنها القومي وتسوق لذلك إنه إنجازات، فسابقاً عندما سعت أمريكا لجذب تركيا إلى حلف شمال الأطلسي كانت الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي في أوجها، فمتاخمة تركيا للحدود السوفيتية آنذاك ووجودها على مضيقين بحريين هما الأهم في المنطقة، شكل حافزاً كبيراً لواشنطن للمضي قدماً بهذا الاتجاه، وسرعان ما تحولت العلاقة بين البلدين إلى علاقة استراتيجية ونادراً ما كان الخلاف يظهر للعلن بين الحليفين، إلا أن هذه العلاقة بدأت بالتأزم مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى حكم تركيا مطلع الألفية الجديدة، فعدم مشاركة تركيا في حرب العراق في عام ٢٠٠٣ كان الخطوة الأولى للخلاف بين واشنطن وأنقرة التي بدأت تتخذ مواقف مخالفة لسياسة واشنطن في المنطقة مع تنامي أوهام أردوغان بأحياء إرث الدولة العثمانية، الشرخ في العلاقة بدأ في التوسع مع بداية ما يعرف بالربيع العربي ولعب النظام التركي على وتر الخلافات بين أبناء المجتمع الواحد ليظهر نفسه كالمخلص.

وكان ذلك جلياً للعيان في الحرب السورية التي أدعى فيها النظام التركي بأنه يسعى إلى إيجاد حل سلمي لها، لكن بعيداً عن القرارات الأممية وبمشاركة روسية وإيرانية، التعاون الروسي التركي الإيراني إلى جانب شراء النظام التركي صواريخ s400 الروسية ومحاباة موسكو في حربها مع كييف، على عكس إجماع النيتو والمجتمع الدولي وكذلك تعند تركيا في ربط انضمام السويد لحلف الناتو، كل هذا عمق الخلافات بين أنقرة وواشنطن التي بدأ رجال القرار فيها يتحدثون عن تحول تركيا من حليف استراتيجي في المنطقة إلى معرقل لتنفيذ خطط الإدارة الامريكية فيها، فخلال الهجمات التي نفذها الاحتلال التركي على شمال وشرق سوريا أسقطت أمريكا طائرة تركية مسيرة في ريف الحسكة لتنتقل أنقرة فيما بعد من حالة التهديد والوعيد إلى حالة تفنيد المعلومات التي تداولتها وسائل إعلام تركية مفادها أن طائرة أمريكية انطلقت من قاعدة إنجرليك التركية وأسقطت الطائرة المسيرة.

وللحديث في هذا الشأن، وعن العلاقات الأمريكية التركية، عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع الحقوقي ريزكار عرفة والحائز على درجة الماجستير في العلاقات الدبلوماسية، ودار الحوار التالي:

أستاذ ريزكار مرحباً بك بداية، بالحديث عن العلاقات الأمريكية التركية تجد بحراً من الخلافات، ولكن لو خصصنا الخلاف في الملف السوري على وجه الخصوص، ما هو الملف السوري في ميزان العلاقات الأمريكية التركية، وأين يقع؟

العلاقات الأمريكية التركية هي قديمة في الزمن تتوتر في أحيان وتتراجع وتتقدم في أحيان أخرى، ولكن الوضع اليوم بالنسبة لهذه السنة هناك نوع من الفتور والتأزمات، ولكن ما نشهده في هذا الأسبوع تحديداً ينعكس على العلاقات مع تركيا ومع دول الجوار جميعها بغض النظر عما كانت عليه العلاقات سابقاً، اليوم نرى بأن الأمريكان يعتبرون داعش هي حركة إرهابية بامتياز وبنفس الوقت حماس هي حركة إرهابية وحزب الله أيضاً على لائحة الإرهاب، يعني أنه جميع المكونات الموجودة في سوريا نفس الشيء، أي إنه لا فرق بين داعش وحماس وحزب الله بغض النظر من يقاتل من، وسبب القتال، نرى الآن الحشد العسكري والأساطيل الغربية تتوجه نحو البحر المتوسط لمساندة الإسرائيليين في غزة وبذات الوقت ننتظر حل لما سيحصل في المنطقة في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، وسوريا هي من ضمن هذه المسودة وهذه الورقة، لأنه لاحظنا إنه أمريكا تتمنى من تركيا أو أردوغان أن لا يستغل الوضع المتأزم بين إسرائيل وحماس وأن لا يقوم بأي أعمال عسكرية ضد الخط الأحمر المرسوم له على الحدود الشمالية لسوريا، فالوضع في الشرق الأوسط جميعه غير معروف في الفترة المقبلة بعد حرب إسرائيل، فهل سيبقى بشار الأسد أو هل سيرحل وهل ستستمر إيران بأمداد معسكرات حزب الله أم ستتوقف، جميع ذلك سيتوضح فيما بعد حرب إسرائيل وغزة التي ستؤثر حكماً على المنطقة، فالسياسة الأمريكية سابقاً هي ضبابية في سوريا ودائماً ما تقول هدفها محاربة داعش لا أكثر، ولكن إذا توجهت إلى منطقة البو كمال بالتالي الفصائل التابعة لإيران أيضاً ستتوجه نحو القواعد الأمريكية، أما تركيا بهذا الوضع هل ستقف جانباً أم هل ستشارك مع من، برأيي ستقف جانباً ولا تتدخل، فحسم الوضع في إسرائيل سيتم من خلاله أيضاً تغيير في سوريا وخصوصاً تأثير التغيير سيكون قوياً على حكومة ونظام الأسد.

*في ضل ما تحدثت عنه، هل الخطوات الأمريكية بالفعل التي تم اتخاذها، تصنف ضمن خانة الردع لتركيا أم هي فقط حددت أبعاد العدوان المتكرر من قبل تركيا على الإدارة الذاتية ومناطق شمال وشرق سوريا؟

حتى هذه اللحظة أعتقد بأن ذكر الولايات المتحدة لموقفها بالنسبة للهجمات التركية هو متخبط، بأن هذه الهجمات ستؤدي إلى إيقاف أو إجبار قوات سوريا الديمقراطية لحشد قواتها في مواجهة تركيا وليس مواجهة داعش، الولايات المتحدة الأمريكية حتى هذه اللحظة ليس لديها أي نية في مواجهة تركيا أو حتى الضغط على تركيا لإيقاف هجماتها،  لذلك برأيي تركيا الآن تحضر للمرحلة الثانية كما كرر أردوغان ذلك في الأيام الماضية بأنه يحضر للمرحلة الثانية من هذه الهجمات وخلال المرحلة الثانية سنرى ماذا ستفعل الولايات المتحدة، طبعاً لا ننسى بأن إسقاط أمريكا لطائرة تركيا هو حدث كبير لكن هناك تحدي تركي لأمريكا، فالأتراك بأرسالهم الطائرة المسيرة لقرب القاعدة الأمريكية كانوا يختبرون صبر أمريكا إن كانت ستسقطها أم لا، لكن لا ننسى إنه بعد إسقاط الطائرة كانت هناك عشرات الطائرات تجوب الأجواء السورية وتستهدف البنية التحتية لشمال وشرق سوريا وأمريكا بقيت ساكتة، فموضوع الطائرة أعتقد غالباً إنه ليس بتلك الأهمية، وأمريكا حتى اليوم لم تصرح بأي كلمة رسمية عن شخص أردوغان أو سلوكه العدائي في المنطقة، فمنذ وصول أردوغان إلى السلطة عام ٢٠٠٢ حتى الآن فهو لم يتوانى ولا لحظة في خلط الأوراق ومخططات أمريكا في الشرق الأوسط، ويعمل مع شركائه من التنظيمات الإرهابية إلى استفزاز أمريكا، فهناك أيضاً أمر يجب ذكره، أنه أي مكان في العالم يوجد به قاعدة أمريكية فأنه يوجد بجانبها قاعدة تركية والآن تحاول تركيا بوجود قواعد أمريكية في المنطقة أن تقيم قواعد لها أيضاً فهذا الأمر يستحيل أن يكون مصادفة.

*إلى أي درجة اليوم التوتر وصل إلى ذروته في العلاقات الأمريكية التركية، وعلى وجه الخصوص في سوريا والعدوان المتكرر للاحتلال التركي على مناطق شمال وشرق سوريا؟

العلاقات فيما بينهم في منطقة شمال سوريا خصوصاً تتصف بالغموض، أمريكا مواقفها تكون واضحة حيناً وغير واضحة حيناً آخر في ضل ولاية الرئيس جو بايدن وتتسم نوعاً ما بصفة العصا والجزرة، مواقف متذبذبة من البيت الأبيض، وتركيا أيضا ليس لها سياسة واضحة وذلك نتيجة إنه في الثلاثة سنوات الماضية أخفقت تركيا في المنطقة وسياستها تأخذ منحنى الهبوط واخفاقاتها في تزايد، فعلى سبيل المثال أمريكا بموضوع انضمام السويد للنيتو غضت الطرف عن سلوكيات تركيا في الشمال السوري، فنستنتج أن أمريكا أساساً هي لا تريد تحديد مواقفها بوضوح ودقة وكذلك تركيا، ففي المرحلة القادمة في شمال سوريا خصوصاً لا أرى أي تغير جذري والعلاقات بين تركيا وأمريكا في المنطقة ستبقى على حالها ولن يصل الخلاف بينهم إلى ذروته، فمسألة توغل تركي بري واحتلال جديد هو مستبعد لأن تركيا غير مستعدة أساساً داخلياً، وأيضاً توغلها عدم الموافقة عليه من قبل أمريكا وحتى روسيا.

*الولايات المتحدة بتمديدها حالة الطوارئ في سوريا، هل لديها القدرة على إنهاء مسألة الاحتلال التركي وتهديداته المستمرة أم ماذا؟

تمديد حالة الطوارئ هي قضية قانونية ضمن الولايات المتحدة الأمريكية والكونغرس الأمريكي لاستمرار صرف الأموال للمعسكر الأمريكي الموجود في سوريا، فهذه هي الطريقة اللوجستية والقانونية له، الولايات المتحدة هي بحاجة لحلفاء أينما كان في الشرق الأوسط بعد أحداث غزة وإسرائيل، قوات سوريا الديمقراطية ستكون علاقتهم أمتن وأقوى الآن مع أمريكا، لأن أمريكا أصبحت بحاجتهم وليس العكس، وحتى تستطيع الوقوف في وجه التمدد الإيراني هي بحاجة لحلفاء في عموم سوريا، وقوات قسد يعتبرون من أفضل الحلفاء في السنين التي خلت، وبهذا الشيء تركيا التي تعتبر قوات سوريا الديمقراطية قوات إرهابية هي ستنزعج من تمتين هذه العلاقات وربما يخافون بدون شك، فأمريكا هي الآن باتت مجبرة للتخلي عن السياسة الغامضة بعد أحداث غزة، ربما ستسمح لتركيا ببعض الخروقات لكن لن تكون خروقات كبيرة كما في السابق ومسألة توغل بري ستكون مستبعدة تماماً.

*أخيراً، في ذات السياق، كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها..

ما إن فاز أردوغان في الانتخابات الأخيرة، غير قواعد اللعبة في علاقات أنقرة الخارجية، وبات يعتمد بشدة على لغة المصالح، ويتطلع أن تلعب بلاده دوراً أكبر في المستوى العالمي، ولتركيا مصالحها الخاصة بعضها مشترك مع أمريكا وبعضها غير مشترك لكن لواشنطن علاقات مستقرة مع العديد من الشركاء الذين لا تتمتع معهم بتوافق كامل، حالياً هاذين القوتين ليسوا أعداء ولا حلفاء ولكنهم الاثنين لا يريدون أن يدخلوا في صراع طويل الأمد، غالباً أمريكا ستغير سياستها في الشرق الأوسط بعد حرب إسرائيل وغزة وستكون أكثر وضوحاً من ذي قبل وستكون بحاجة أكبر إلى الحلفاء في المنطقة.