لكل السوريين

بعد انتهاء الموسم.. تراجع الإقبال على المؤن الشتوية

خفّضت معظم الأُسر في حماة كميات المونة إلى الحد الأدنى بسبب ارتفاع الأسعار والتكلفة الكبيرة التي فاقت قدرتها الشرائية، فيما اضطرت عائلات أخرى إلى الاستغناء بشكل كامل عن مؤونة الشتاء، مثل معظم المواد الغذائية الأخرى كالجبن والحليب والألبان والزيتون وغيرها.

مع انتهاء موسم مؤونة الشتاء “المونة” وتحديدا “المكدوس” أشهر أكلة في المطبخ السوري، تراجع إقبال السوريين في وسط البلاد على تموين المواد الغذائية هذا العام بشكل غير مسبوق، إذ لم تتجاوز الكميات المجهّزة ربع ما كانت العائلات السورية تحضّره في السنوات السابقة.

يبدو أن الأوضاع المعيشية المتردية التي تخيّم على حياة أهالي حماة جعلت نسبة كبيرة منهم يمتنعون عن تحضير “المونة” هذا العام أو التموين بكميات قليلة جدا، بعد أن تجاوزت تكلفة تصنيع كيلو “المكدوس” عدة مرات عما كان عليه في العام الماضي، على الرغم من أن البعض استبدل الحشوة بمواد أقل تكلفة، مثل استبدال الجوز بالفستق، واستخدام الزيت النباتي بدلا من زيت الزيتون، وتقليل كمية الثوم المستخدمة، لكن النتيجة لم تتغيّر من حيث التكاليف المرهقة، خاصة أنها تزامنت مع عودة المدارس وارتفاع غير مسبوق في سعر الصرف الذي انعكس بدوره على كافة المواد.

يعزو تجّار مشكلة ارتفاع التكاليف إلى أن الكميات الواردة إلى سوق الهال من الباذنجان والفليفلة خلال موسم “المكدوس” حتى الآن قليلة جدا، وهي بالكاد تشكّل 25 بالمئة من الكميات التي كانت ترد في الأعوام السابقة.

نتيجة تراجع الإنتاج بسبب الكلفة وغياب الدعم عن المازوت والأسمدة للمزارعين، حيث أن الطلب كان في ذروة الموسم أكبر من العرض في السوق، مما رفع الأسعار عما كانت عليه في البداية، إذ يبلغ سعر كيلوغرام الباذنجان اليوم 5000- 6000 ليرة سورية، والفليفلة 4000 – 5000 ليرة، والثوم 25 ألف ليرة، بينما تجاوز سعر تنكة الزيت مليون و200 ألف، ولتر الزيت النباتي 28 ألفا، والجوز 85 – 150 ألف ليرة.

بالتالي، ليس من الغريب أن يتحول “المكدوس” من كونه “مونة” أساسية للأسر إلى شهوة عابرة يمكن ألّا يفكر فيها المواطن على الإطلاق، بسبب الغلاء مقارنة بضعف القدرة الشرائية، فقد انخفضت نسبة شراء مكونات “المكدوس” وعموم مواد “المونة” عن العام الماضي.

في مثل هذه الأوقات كان سوق الهال يعج بربّات المنزل الذين يقومون بشراء 100 كيلو باذنجان على الأقل لتحضير “المكدوس” بينما اليوم لا تجد إلا القلة القليلة واللواتي لا يشترون أكثر من 4 كيلوغرامات فقط، والسبب هو ارتفاع أسعاره.

ويرى مسؤولين أن بقاء تلك الخطة الزراعية هي السائدة حاليا من دون أي دعم للفلاح، فهذا سيجعل المنتجين يقلعون عن الزراعة، وتاليا سترتفع أسعار جميع الخضار والفواكه ونعود لاستيراد البندورة والخيار كالسابق.

إضافة لارتفاع أسعار الغاز اللازم للسّلق. وأضاف قرنفلة، أن تقديرات تكلفة “المكدوسة” تشير إلى أنها تبلغ نحو5 آلاف ليرة سورية وهذا الرقم كبير جدا ويتجاوز طاقة كثير من الأسر.

من جانب آخر، وعلى إثر الأزمات المتلاحقة التي ضربت سوريا منذ سنوات، الأمر الذي نتج عنه أنماطا جديدة من الحياة المعيشية بسوريا، فعلى سبيل المثال، بات إعداد “المونة” وخاصة أكلة “المكدوس”، مصدر رزق لبعض العائلات، في حين أن استهلاكها من نصيب الفئة الغنية التي لا تقوم عادة بتحضر “المونة”، بل تشتري من النساء العاملات في تصنيعها.

في الفترات الحالية وتحديدا خلال شهر أيلول/سبتمبر من كل عام، يقوم السوريون بتجهيز “المونة”، إلا أن ارتفاع الأسعار بشكل كبير عن العام الماضي في الأسواق السورية، خاصة بعد رفع الحكومة أسعار المشتقات النفطية وتدهور الليرة السورية، الأمر الذي زاد من تكلفة تحضيرها، وبالتالي اضطرار العديد من العائلات السورية إما الاستغناء عنها أو اللجوء إلى طرق بديلة لتوفيرها، كالقروض والجمعيات والحوالات الخارجية.

وخلال العامين الماضيين، حلَّ موسم “المونة” ضيفا ثقيلا على العديد من العائلات، ويبدو أن الأمر سيتكرر ولكن بشكل أكبر هذا العام، نتيجة الارتفاعات القياسية في الأسعار التي باتت أكبر من القدرة الشرائية للكثيرين من مجاراتها، وهذا ما دفع البعض إلى إلغاء صناعة “المونة” نهائيا، أو تقليص مخصصاتهم منها وجعلها ضئيلة جدا، لتقتصر على تموين أهم المواد، مثل “المكدوس والجبنة”.