لكل السوريين

عدوان تركيا الجديد، ما بين إحياء داعش وتنفيذ أجندتها

حاوره/مجد محمد

أسقطت الأزمة السورية الأوراق عن عورة العديد من الأطراف المتصارعة والدائرة في المقتلة السورية، التي أثبتت إنه بين الألم والآمال والاستبداد والديمقراطية خصومة وعداوة وفاتورة باهظة أدخلت الشعب السوري في رحلة البحث والكفاح لتحقيق الحرية والعدالة.

ومن ثم دخلت في مسار التدمير الذاتي بعد دخول عدة أطراف إقليمية ودولية والتي كانت بمثابة عامل تعقيد لطموحات وأحلام السوريين، ليبدأ العذاب والقهر في ضل تصفية الحسابات الدولية المعقدة التي انعكست على الحلبة السورية، وبطبيعة الحال متعددة هي الاعتبارات التي تعقد حسابات الأطراف المتعددة، ولو اختزلنا بحوارنا هذا عن الموقف التركي من الأزمة السورية، بدءاً من تدخل أنقرة بالأزمة وكانت السبب الرئيسي في تفاقمها، وموقفها من المشاركة في التحالف الدولي الإقليمي الذي جرى تشكيله لمحاربة تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق، بل على العكس وقفت مع الإرهاب.

وتجسد ذلك بشكل واضح وجلي منذ اليوم الأول فهي من استقبلت ودعمت ودربت وزودت التنظيمات الإرهابية بالسلاح والأموال، واستخدمتهم كرأس حربة لتحقيق أهدافها وأجنداتها، واليوم وبعد أربعة سنوات على إعلان التحالف الدولي وشريكته على الأرض قوات سوريا الديمقراطية الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي في الباغوز، تعاود تركيا الكرة لإعادة إحياء تنظيم داعش الإرهابي من خلال نشر الفوضى واحتلال المناطق الآمنة في الشمال السوري، وحجج تركيا إن هذه المنطقة تشكل خطراً عليها وإنها تريد توطين اللاجئين السوريين فيها، فهذه كلها حجج مزيفة وبعيدة عن الحقيقة، فالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا لم تشكل يوماً خطراً على تركيا أو أي دولة أخرى ولم تعمد للهجوم على تركيا أو اجتياز الحدود.

وللحديث عن هذا الموضوع عقدت صحيفتنا لقاءاً مطولاً مع المحامي شيندار برهو العضو في نقابة المحامين في الحسكة، ودار الحوار التالي:

*أستاذ شيندار مرحباً بك بداية، هذا العدوان التركي الممنهج لتدمير البنى التحتية، ما هي مآلات ودلالات هذا العدوان في هذا الوقت الراهن؟

إن الدولة التركية منذ البداية حتى الآن هي لم توقف هجماتها على مناطق شمال وشرق سوريا وخاصة في السنوات الأخيرة، فهي تسعى دائماً لأخذ الضوء الأخضر من أمريكا أو روسيا من أجل القيام بغزو بري جديد على المنطقة وتدمير ما تم بناؤه، لذلك في الفترة الأخيرة وبحجة العملية الفدائية التي قامت في مدينة أنقرة تم اتخاذها حجة من قبل تركيا لتنفيذ غاياتها وأهدافها في منطقتنا، هذه الهجمات جاءت حقيقة لا نستطيع فصلها عن التفاهمات بين تركيا وإيران وروسيا بالدرجة الأساسية وتبادل الأدوار في ضرب الإدارة الذاتية، لذلك عندما بدأت الأحداث في مدينة دير الزور رأينا أن إيران والنظام السوري لهم يد واضحة فيها، ودخلت تركيا على الخط لتسمية فصائلها بقوات العشائر فخلال ثواني تم تغيير تسمية الدفاع الوطني والجيش الوطني وكذلك داعش إلى اسم جيش العشائر لضرب الإدارة الذاتية، وبعد فشل هذا المؤامرة اختلقت حادثة أنقرة كحجة لها لتهجم على منطقتنا وضرب الإدارة الذاتية.

*نتحدث عن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، اليوم هذا العدوان بشكل كبير ومنهجي يستهدف البنى التحتية للضغط على أبناء المنطقة، هل هناك ضوء أخضر مبطن؟ لماذا لا يتحرك أحد؟ وهل سيتوقف الأمر على المسيرات؟

تركيا دائماً ما تطالب باجتياح بري ولكن بعد الانتخابات التركية أحدثت بعض التغيرات، وجدنا عندما طلبت تركيا القيام بعملية برية جديدة يجب ألا ننسى ما قاله الرئيس الروسي لأرد وغان إنه أي هجمة جديدة قد تؤدي إلى تشكيل دولة كردية في المنطقة، فحقيقة هذا الكلام لم يأتي من فراغ لأنه كان باعتقادي بأن الرئيس الروسي يرى أنه عند حدوث مجازر كبيرة في المنطقة قد يؤدي إلى نفس ما حدث في شمال العراق وتشكيل دولة أو إقليم معين، لا يوجد ضوء أخضر لا أمريكي ولا روسي ولكن سمحوا له بموجب اتفاقية أضنة بالدخول لعمق ٥ كلم، ولكن في الفترة الأخيرة بعد أن اجتمعوا في أستانا اعتقد بوجود ضوء أخضر روسي للعبور حتى ٣٠كلم وخاصة في المسيرات وقصف الأهداف التي تجدها تركيا، لذلك بمسألة الاجتياح التركي ورغبة تركيا للقيام به فهي رغبة موجودة دائماً لكنها نتيجة الأزمة الاقتصادية وظروفها الداخلية، ووعودها الانتخابية بعد الانتخابات الرئاسية حول تحسين الاقتصاد وإعادة اللاجئين فتركيا هي الآن هي بأمس الحاجة لنصر ولو كان لنصر وهمي.

*رسائل هذا العدوان التركي متعددة حقيقة وحتى للداخل التركي، هناك من يؤكد بأن الهدف الأخير الغير معلن هو إعادة الحياة لتنظيم داعش الارهابي، ما رأيك؟

أر دوغان بعد الانتخابات يمضي في مخططه الذي اعتاد عليه في المراحل السابقة، فما يجري الآن على أراضي شمال سوريا هو جزء بسيط من مخطط تركي كبير بشكل عام، فعلاقة تركيا مع التنظيمات المتطرفة في الشرق الأوسط وحتى أوروبا ما هي إلا ورقة ضغط أو إحدى الأدوات التي اعتادت الخارجية التركية على توظيفها لأغراض المخططات الإقليمية في شمال إفريقيا، وسوريا، وحتى بعض المرات في أوروبا، فالذي أود قوله إن كل ذلك في إطار توظيف السياسة التركية لأوراق متعددة منها التنظيمات الإرهابية من داعش والنصرة وأحرار الشام وغيرها، وتسعى من خلالهم تركيا لتأكيد سيادتها على الأراضي السورية، فالسياق العام للعملية الحالية يؤكد أن اردوغان يستغل الموقف الدولي للمضي في مخططه المعلن، فداعش هي إحدى أدوات تركيا التي تحاول إعادتها الآن بكل قوتها وبجميع ما تملك في المنطقة من أجل مخططها الاحتلالي في سوريا وقضم المزيد من الأراضي السورية، فهذه هي الذهنية التركية التي تسعى دائما إلى الاحتلالات لتكبير رقعتها الجغرافية.

*بالحديث عن الذهنية التركية الاحتلالية، ألم يزعج هذا الاستهداف للمنطقة الحكومة السورية، ولماذا تقف هكذا مكتوفة الايدي؟

سيكون جوابي مقتضب وقصير جداً، الحكومة السورية الآن هي لا تملك من أمرها شيئاً ولا تستطيع فعل أي شيء حتى لو أرادت، وبما أن روسيا وإيران موافقتان ضمنياً على الاستهدافات التركية للمنطقة، فالحكومة السورية لا تستطيع إلا أن تمشي بأمر أسيادها.

*التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، كيف يرى وما هي حساباته في ضل استمرار العدوان التركي الذي استهدف بشكل واضح قرية بالقرب من مخيم الهول في محاولة منه منح قبلة الحياة لأسر وعوائل تنظيم داعش؟

تركيا هي حليف استراتيجي للولايات المتحدة وثاني دولة في حلف الناتو وأمريكا دائماً ما تستفيد من تركيا، لذلك عند بداية ثورات ما تسمى بالربيع العربي كان هناك مشروع تشكيل شرق أوسط جديد، وإعادة توازنات معينة في المنطقة، فتم تسليم الأمر لتركيا لضبط الدول العربية من خلال الإسلام المعتدل من قبل الولايات المتحدة، ولكن تركيا أدخلت مشروعها ضمن المشروع الأمريكي وإعادة أمجاد العثمانيين فحدثت الخلافات، تركيا الآن تمارس سياسة انتهازية وابتزاز من خلال التنسيق ما بين روسيا وأمريكا وتحقيق توازن، لأنها تعلم أهمية موقعها الاستراتيجي وأهميتها بالنسبة لأمريكا، حالياً عندما نجد القصف التركي الشامل على كافة مناطق شمال وشرق سوريا لا نرى هنا الموقف الأمريكي القوي أو موقف التحالف القوي اتجاه تركيا، وباعتقادي السبب يعود قبل أن تحدث العملية في أنقرة كان هناك اجتماع للبرلمان للتصويت على انضمام السويد لحلف الناتو، فحتى وجود السويد خارج الناتو سيبقى الموقف الأمريكي ضعيف لأنها تنتظر موافقة تركيا لانضمام السويد للحلف، وبعد انضمام السويد للحلف باعتقادي ستتغير المواقف الأمريكية وحتى الأوروبية باتجاه تركيا ولا أعتقد أنها ستستمر في حريتها المطلقة.

ختاماً، كونك دخلت في هذه المسألة (مسألة موافقة تركيا لانضمام السويد للناتو) هناك أقاويل تؤكد أن هذه النقطة على وجه الخصوص هي التي قيدت أمريكا، وإنه تم ارضاء تركيا بفكرة إنه في يوم من الأيام سيكون لديها ضوء أخضر للدخول إلى مناطق الإدارة الذاتية حتى دير الزور، إلى أي درجة هذا السيناريو قريب إلى الواقع؟

بالنسبة لفكرة الاجتياح التركي الشامل للمنطقة حتى الفرات لا أعتقد أن أمريكا أو روسيا ستوافق على هذا السيناريو، لأن احتلال المزيد من الأراضي السورية لا يخدم روسيا ولا حتى حلفائها في المنطقة ولا حتى الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها لا تريد توسع هذه الدول بقدر ما تريد تحجيمها بالنسبة لأجنداتها في المنطقة، المشروع الأمريكي الذي يسعى إلى إعادة القطبية الواحدة أي التحكم بالعالم من خلال أن تكون أمريكا هي القطب الأوحد في العالم لا يقبل أن تكون الدول الوسيطة مثل تركيا وغيرها أن تتحول إلى دول كبرى وتنافس الأمريكان والروس في السيطرة والنفوذ، لذلك لا تسمح بهذا المشروع العثماني من خلال قضم المزيد من الأراضي، ولكن الموقف الأمريكي حالياً اتجاه تركيا باعتقادي وخاصة بعد الانتخابات التركية ونجاح أردوغان بشكل ضعيف بدأ يتقرب من الناتو وأمريكا، وبذات الوقت له علاقة قوية مع روسيا وله شراكة لا يستطيع التخلي عنها لذلك هي تماطل في الموافقة على انضمام السويد مجبورة لأنها لا تريد انضمام السويد بتاتاً.