يقول المثل المشهور: “الزواج ليلة وتدبيره عام”، ويعد بمثابة القاعدة الأساسية التي يجب على المقبل على الزواج أن يفهمها؛ لكونها تشير إلى أن ما يحدث في ليلة واحدة يتطلب عملية تحضير وإعداد نفسي ومالي يكلّف مشقة ووقتاً كبيرين.
ورغم أن المثل السابق قيل قديماً، حيث كانت تكاليف الإقبال على الزواج مقارنة بما يعانيه الشباب اليوم سهلة ويسيرة، فإن الواقع الاجتماعي للسوريين اليوم أصعب؛ حيث فاقم من مشكلة العنوسة لمستويات عالية جداً، وباتت مشكلة خطيرة تعاني منها بنات سوريا، وفاقم أيضاً من مشكلة تأخر سن الزواج بالنسبة إلى الشباب.
فإلى جانب أزمة السكن التي تخنق الأسر السورية (يعتبر شرط امتلاك شقة مستقلة عن العائلة أحد الشروط التي تتصدّر مشاريع الزواج) يعاني الشباب من مشكلة غلاء المهور.
ورغم أن بعض المناطق تيسّر في هذه المسألة، وخاصة في الأرياف، إذ تعتبر المهور غالباً في متناول الشباب، فإن بعض المناطق الأخرى تشهد أرقاماً كبيرة فيها كثيراً؛ حيث يشترط على العريس دفع مبالغ قد تصل إلى 7 آلاف دولار أو يزيد، كمهر فقط، دون اعتبار تكاليف إقامة حفل الزواج، وشراء مستلزمات العروس من ذهب ولباس.
ويعتبر الارتفاع الفاحش لأسعار الذهب إحدى المشكلات الكبيرة، حيث تشترط بعض العائلات على المتقدمين للزواج ضرورة تقديم “طقم” كامل من الذهب، وهو ما يكلّف أصغر نوع منه نحو 3 آلاف دولار.
وفضلاً عن الشروط السابقة، تواجه المتقدمين للزواج مصاريف أخرى كبيرة تتعلق بمستلزمات إقامة حفل الزفاف، الذي يتطلب مبالغ طائلة، خاصة في ظل ظهور عادات دخيلة على المجتمع السوري.
وبالمجمل فإن أبسط الحالات تتطلّب رصد نحو 10 آلاف دولار، وهو المبلغ الذي يحتاج جمعه سنوات عديدة بالنسبة إلى شباب يعمل في حرفة معيّنة، ويزداد الحال سوءاً وسط تفشّي البطالة، حيث تشير بعض الأرقام إلى معاناة أكثر من 60% من الشباب، ممن تتراوح أعمارهم بين 19 و24 عاماً من البطالة.
الأرقام والتكاليف السابقة ساهمت بشكل كبير في تفاقم مشكلة العنوسة.
وعزا باحث في المجال الاجتماعي ارتفاع هذه الأرقام المخيفة إلى عزوف الشباب المتواصل عن الزواج؛ بسبب ظروفهم الاجتماعية المعقّدة.
وبالمقابل كشفت وزارة الصحة السورية، مؤخراً، عن تقرير جاء فيه أن الزواج لم يعد أولوية بالنسبة إلى الكثير من الشباب في عقودهم الثلاثة الأولى.
وفي دراسة تحليلية كشف عن محتواها محمد قصاب، وهو طبيب مختص في الصحة الجنسية، الذي أوضح أن المعدل العام لسن الزواج بالنسبة إلى المرأة في سوريا يقدر بــ “27 عاماً”، وهو أمر وصفه بــ “الكارثة الكبيرة”، وبالنسبة إلى الذكور كشف بأن معدل الزواج هو 33 عاماً، ما يعني -على حد تعبيره- أن “نصف حياة هؤلاء ذهبت هدراً”.
وعن التداعيات المحتملة لمشكلة العنوسة، يحذّر خبراء اجتماع من تداعياتها الخطيرة على الفرد وعلى المجتمع.
وكشف خبير في علم الاجتماع، أن “مشكلة العنوسة تتسبب بمشاكل نفسية معقّدة، وتؤدي في بعض الأحيان إلى الانحرافات، وتكون مصدراً لليأس”.
وأكد في حديث لـ “السوري ” تداعيات عدم الزواج تكون أكثر حدّة على المرأة من الرجل؛ لأن بعض الأسر تعتبر المرأة عبئاً لا يتم التخلص منه سوى بالزواج”.
ويشدد على أن “المصاعب التي تواجه الرجل أو المرأة على حدٍّ سواء أمر قد يفتح المجال لانتشار عادات دخيلة على المجتمع؛ على غرار اللجوء إلى الزواج السري عن طريق الزواج العرفي أو زواج المسيار”.
وهناك العديد من الأسباب لانتشار الزواج العرفي؛ أهمها المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، على غرار العنوسة وأزمة السكن، إلى جانب تخوّف الفتاة من شبح العنوسة، الأمر الذي يؤدي بها إلى القبول بهذا الشكل من الزواج، رغم أنه لا يضمن لها حقوقها المادية كاملة في حال انتهاء الزواج بالطلاق بين الطرفين.