لكل السوريين

اغتيال العاروري تصعيد خطير.. قد يدفع المنطقة إلى حرب أوسع وأخطر ونتنياهو يبحث عن أي نصر للبقاء في السلطة

باستشهاد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري بضربة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت، أسدل الستار على عنصر هام من عناصر حماس الذي وصف بأنه “قائد أركان المقاومة في الضفة الغربية وغزة، ومهندس طوفان الأقصى”.

وفتحت هذه الجريمة احتمالات واسعة لما سيترتب عليها من ردود أفعال الفصائل الفلسطينية والقوى المؤيدة والمساندة لها.

فالاحتلال الإسرائيلي يتعمد تحطيم بنية المجتمع الغزي بصورة لم يسبق لها مثيل تحت وطأة خلافاته السياسية الداخلية، وسعي نتنياهو للبقاء بالسلطة وإبعاد شبح محاكمته وسجنه من جهة، ومن جهة أخرى عدم قدرة الاحتلال على استمرار الصراع لفترة طويلة، كون نظرية “التجييش الشعبي” تضغط على اقتصاده على المدى المنظور والطويل.

كما أن احتمالات الرد الواسعة من قبل حزب الله وتوسيع رقعة المواجهة غير محتملة في ظل إمكانيات الجبهة اللبنانية التي لا تحتمل تبعات حرب مفتوحة، وقد يقتصر رد الحزب على القيام بضربة لإسرائيل لا تغير معادلة الاشتباك القائمة على الجبهة اللبنانية.

كما أن تحركات الحوثيين في البحر الأحمر تشكّل عامل قلق دولي قد يشجع إسرائيل وداعميها على القيام بردود فعل عنيفة.

ويبقى استمرار الحرب على قطاع غزة وتصعيدها الاحتمال المرجح، مع عدم استبعاد الحديث عن تسوية ما، بعد هذا التصعيد الخطير الذي قد يغري الطرفين بفتح باب المفاوضات، وإن كان ذلك بعد وقت يطول أو يقصر حسب تطور الأحداث في المنطقة.

تصعيد خطير

يرى محللون سياسيون أن اغتيال العاروري يشكّل تصعيداً خطيراً وغير متوقع من إسرائيل، لأنها غامرت بتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها حزب الله حول اغتيال قادة فلسطينيين على الأراضي اللبنانية، ويترقبون العقاب الذي توعد به الحزب، ويرجحون أنه سيوجه ضربة قاسية لإسرائيل ردّاً على تهديدها المباشر لجهازه الأمني والسياسي داخل معقله الشعبي.

ومع ذلك لا يستبعدون أن يستوعب الحزب العملية لكي لا يسمح لإسرائيل بأخذه إلى حيث تريد.

ومع أن إسرائيل غير قادرة على فتح جبهة واسعة مع لبنان بلا إسناد أميركي عسكري مباشر في وقت أعلنت فيه القوات البحرية الأميركية أن حاملة الطائرات “فورد” ستعود إلى قاعدتها بالولايات المتحدة بعد تمركزها بالبحر المتوسط لحماية إسرائيل عقب عملية طوفان الأقصى،

ولكن هزائمها المستمرة في غزة، وعدم قدرتها على تحقيق الأهداف التي أعلنتها في حربها على القطاع، قد تدفعها لمغامرة واسعة في لبنان.

ويرى مراقبون أن إسرائيل تبحث عن نصر لم تتمكن من تحقيقه في قطاع غزة، قد يكون تمهيداً لبداية خروجها من حرب غير جاهزة لتوسيع نطاقها “إلا إذا كان خيارها انتحارياً بإشعال حرب واسعة مع لبنان، وهو ما لا تريده كافة الأطراف الدولية والإقليمية من حلفائها وخصومها.

فشل ومقامرة

أمام الهزيمة الاستراتيجية والأخلاقية التي تواجهها تل أبيب في حربها على غزة، وخسائر جيشها اليومية في الأرواح والمعدات، تقوضت إلى حد كبير سياسة إسرائيل التي قامت منذ البداية على ردع من حولها وإخافتهم، واهتزت ثقه جيش الاحتلال بنفسه كما لم يحدث طوال سنوات الصراع العربي الإسرائيلي.

واضطرت الدولة العبرية إلى سحب خمسة ألوية من غزة بذريعة تنشيط الاقتصاد، وارتفعت أصوات داخل إسرائيل تدعو إلى الاعتراف بالهزيمة وقبول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن وفق مبدأ “الكل مقابل الكل” الذي تنادي به حركة حماس.

وبدت نهاية نتنياهو قريبة حسب استطلاعات الرأي العام الأخيرة التي أكدت انخفاض شعبيته، وخروجه من السلطة ودخوله السجن، إذا ما أوقفت الحرب على غزة بهذه الصورة.

فجاءت عملية اغتيال العاروري للبحث عن أي نصر قد يساعده على ترميم شعبيته المنهارة.

وشكّلت مقامرة خطيرة أراد نتنياهو من خلالها أن يقنع جمهوره المحبط واليائس، بأنه ما زال أفضل من يحكم إسرائيل ويحفظ أمنها، دون أن يكترث بتداعيات مقامرته التي قد تدفع المنطقة كلها إلى حرب أوسع وأخطر.

انتصارات الاغتيالات

يتوقع خبراء متابعون للحرب على غزة أن عملية اغتيال العاروري قد تنقل هذه الحرب إلى مرحلة تعتمد فيها إسرائيل على تحقيق “انتصارات” عن طريق الاغتيالات.

وقد تكرر تل أبيب تنفيذ عمليات اغتيال ضد قادة حماس في لبنان، وفي الدول الأخرى التي يتواجدون فيها.

وسيقود هذا التوجه إلى مخاطر أن تقوم الفصائل الفلسطينية بعمليات اغتيال واسعة تستهدف إسرائيليين في أي مكان خارج الأراضي المحتلة، كرد فعل طبيعي على سلوك تل أبيب.

ولا يستبعد الخبراء أن أي محاولة اغتيال جديدة في لبنان قد تدفع حزب الله إلى معركة على أساس الدفاع عن نفسه أمام إسرائيل التي تجاوزت خطوطه الحمراء، واستهدفت مناطق تواجده.

ولا يستبعدون أيضاً أن توجّه إسرائيل ضربة إلى طهران لتقول للعالم إنها مازالت الدولة القوية، إلّا أنهم يؤكدون أنه حتى لو نجحت في ذلك، فلن تتمكن من رد الاعتبار لسمعتها التي تلاشت بصفتها الذراع الطويلة في المنطقة.