لكل السوريين

تجارة التجميل الرابحة الخاسرة لفتيات اللاذقية

اللاذقية/ سلاف العلي

توجد صلة واضحة بين الانتشار الكثيف للأنترنت في السنوات العشر الأخيرة، وبين التوجه الكبير نحو التجميل، فالمقاييس التي تتلقاها الفتيات يوميا عن قيمتهن وارتباطها بأشكالهن قد تجعلهن غير واثقات بأنفسهن، ويحاولن طوال الوقت الوصول إلى الحالة الجمالية المنتشرة التي تكرس بوصفها صورة نمطية مرغوبة عبر المشاهير ونجوم السوشيال ميديا، ورغم ظهور العديد من المشاكل في العمليات التجميلية والتي تؤدي إلى تشوهات لا يمكن إصلاحها.

تقول السيدة ريما المثقفة: “في سن الأربعين يقدم إلينا مرآة، فننظر إلى أنفسنا، ويدهشنا التناقض بين تعريفنا لذاتنا وشكلنا، نعيش اليوم المرايا تحيط بنا من كل جانب حتى إن كاميرات هواتفنا المحمولة تحولت إلى مرايا نتابع أشكالنا فيها طوال الوقت، وكلما ازداد انتشار المرايا من حولنا، ازداد تركيزنا على الخارج: كيف نبدو، وما مظهرنا في كل لحظة، نحن نعرف أنفسنا من هذه الصورة التي تمثلنا في المرآة حتى إن البعض لا مشكلة لديه في أن يحول صورته لتصبح مطابقة لصور كثر من حوله دون أن يترك ميزة يختص بها عن غيره، فتختفي الصفات النفسية، وسمات الشخصية، والقيم الذاتية، وننسى دواخلنا إلى حد الإهمال”.

الفتاة مروى وهي طالبة جامعية تضيف: “مع كل إعلان جديد عن ماركة معينة، أو طرق تجميلية جديدة، نتسابق لتجربة ذلك، عالقين بين الصورة التي لا نتقبلها لأنفسنا، وصورة أخرى متخيلة نواجه بها خوفنا من الزمن وفعله، والجمال وصوره النمطية، بالمقابل، تزدهر أسواق التجميل والموضة، وتتحول من ثانويات إلى أولويات تستهلك وقتا وجهداً ومبالغ ضخمة. حتى عندنا، ورغم الانهيار الاقتصادي الذي نشهده، لم نستطع النجاة من فيروس التجميل وسيطرته على عقول النساء، فالمراكز تزداد، والإقبال مستمر مهما كانت الأجور، وتختلف المراكز التجميلية وأسعارها وفق المنطقة، ففي أحياء اللاذقية الراقية يرتاد المراكز زبائن لا يهمهم كم سيدفعون مقابل الجلسات التجميلية بقدر أهمية مواكبة آخر صيحات التجميل والموضة المنتشرة، وفي المناطق الشعبية يختلف الأمر، فالمواد المستخدمة أرخص، وأنواع العمليات التجميلية مختلفة، هنا يلعب الاقتصاد والحالة المادية دورا رئيسيا، ورغم ذلك تبقى هذه المراكز تلقى رواجا في مختلف المناطق”.

تدخلت الصبية لينا وتعمل في شركة اتصالات باللاذقية وقالت: تعتمد مراكز المناطق الراقية على المواد الأميركية أو الأوروبية، وفي المناطق الشعبية تستخدم غالبا مواد صينية أو كورية أو وطنية الصنع. تختلف النتائج وجودة ما تقدمه هذه المراكز وأجورها بحسب المنطقة، لكن حتى تلك الأقل تكلفة، تظل باهظة مقارنة بالدخل وقيمة الليرة، هناك صلة واضحة بين الانتشار الكثيف للأنترنت في السنوات العشر الأخيرة، وبين التوجه الكبير نحو التجميل.

أما الفتاة ميشلين فقد أخبرتنا: “إنها تقصد شهرياً أحد هذه المراكز للاعتناء بأظفارها، فقدراتها المادية لا تسمح بأكثر من ذلك، وتكلفها الجلسة الواحدة 75 ألف ليرة سورية، وكلما شعرت بضغط نفسي أو حاجة إلى التغيير، أقصد أحد المراكز التجميلية، صار الأمر عادة لي، حتى إن كان وضعي المادي سيئا، فذلك يجعلني أشعر بتحسن”.

الفتاة نورمان قالت: “لا شيء يمنعني من أن أكون جميلة فكل شيء أصبح ممكنا، أنا دائماً ما أدعو صديقاتي لتجميل أنفسهن وألا يتوقفن عن الاعتناء بجمالهن، هذا مهم لي لأنني أرى أن حياتنا أصبحت تعتمد على ذلك”.

السيدة رابعة وهي كوافيرا وتعمل بالتجميل ولديها مركز كبير في أحد الأحياء الفرهة وتقول: “تنقسم الخدمات التجميلية إلى عدة أقسام، أبرزها الجراحات التجميلية، مثل تجميل الأنف أو تكبير الصدر والأرداف، وهذه تنحصر في المستشفيات أو العيادات التجميلية، أما الأقسام الأخرى، فهي المعالجات عن طريق الحقن (البوتوكس والفيلر) لإزالة التجاعيد، وأخرى تتمثل في حقن المواد المالئة، والعلاج بأجهزة الليزر، وتكسير الشحوم، تعنى المراكز التجميلية بعمليات الليزر، والسولاريوم، والعناية بالشعر والأظفار بشكل أساسي، لكنها تتجاوز ذلك إلى عمليات الحقن، لكن يوجد عيادات تجميلية مرخصة يعمل فيها أطباء تجميل مختصون، ويتطلب الدخول إليها تكلفة أعلى من غيرها”.

لكن هنالك مراكز كثيرة، يعمل فيها أشخاص غير مختصين، وحصلوا على شهادات من ورش تدريبية لا مدة واحدتها تتجاوز ثلاثة أشهر لتعليم أساليب التجميل والحقن وغيرها، مع العلم ان وزارة الصحة قد أصدرت قرارا بداية العام الحالي يضبط مزاولة هذه المهنة عبر تحديد الأطباء الذين تحق لهم ممارستها، أطباء وطبيبات الجلدية والجراحة التجميلية والأذن، وان كل من يمارس المهنة من غير هذه الاختصاصات، ومن دون ترخيص، تترتب عليه عقوبات، من بينها إغلاق المكان بالشمع الأحمر، رغم ان الترخيص لا يكون إلا من الوزارة، رغم ذلك، يستمر كثر في ممارسة هذه المهنة في المراكز من غير المختصين، خاصة الذين يقومون بالعمليات التجميلية في صالونات التجميل وتصفيف الشعر، وتنتشر هذه الظاهرة إلى حد أن أصحاب الصالونات يقومون بحقن البوتوكس والفيلر وغيرها، وتختلف المواد والأدوات المستخدمة، وتخضع السيدات لجلسات ليزرية أو حقن دون نتائج واضحة، والسبب المواد والأجهزة المستخدمة ومدى صلاحيتها، وهناك حالات لفتيات يتعرضن للحرق بسبب أجهزة الليزر أو عدم كفاءة استخدامها.

الفتاة رندا وتعمل في أحد المراكز أوضحت لنا : “عن الإقبال ومقدار الربح، إن الربح في المركز متوسط غالباً بسبب ارتفاع حجم الضرائب، والشيء الوحيد الذي لا يتوقف في هذه المراكز هو جلسات الليزر، وأغلب الربح يعتمد عليها”، فمثلا لتنظيف البشرة وهيدرافيشال تكون القيمة من 70 الى100 ألف ليرة، أما حقن الميزوثيرابي فالجلسة الواحدة تكلفتها ما بين 100الى150 ألف ليرة ، وهذه عملية حقن للوجه بإبر دقيقة لإزالة البقع الداكنة والتخلص من التجاعيد، والمواد فيتامينات ومركبات طبيعية تغذي الجلد وتحفز إفراز الكولاجين، وترتفع أسعارها مع كل انهيار لليرة، مع العلم لا يتحدث العاملون في هذه المراكز عن حقن البوتوكس والفيلر وينفون قيامهم بها، رغم أن الكثير من الزبائن يتحدث عن تلقيه حقنا من هذا النوع في صالونات تجميل ومراكز غير مرخصة، هي تجارة مربحة رائجة ومقبولة.