لكل السوريين

طقوس الأعراس بالساحل السوري.. شاهد على التماسك والانتماء الوطني

تقرير/ أـ ن

إن الجوانب الإنسانية التي يتضمنها العرس الريفي وطقوسه، وتناقلتها البشر مع تراثها شفهيا والذي تعرض الكثير منه للضياع والاجتهادات التي شوهت جماله.

لكن بقي هذا التراث يقدم لنا صورة عن حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية قديما والتي تجسد حالة التماسك والانتماء الوطني إضافة إلى التعاون والإحساس بالمسؤولية تجاه الآخر والكثير من المفردات والمصطلحات التي غابت في وقتنا الحاضر بسبب غياب المادة المتعلقة بها.

تشكل تقاليد إتمام الزواج وإقامة الأعراس حاضنا حقيقيا للكثير من العادات والتقاليد الأصيلة التي سادت الساحل السوري حتى أواسط القرن الماضي حيث كان العرس يمتد من خمسة إلى سبعة أيام يسطر على القرية خلالها جو من الفرح العفوي.

ويسمى أول أيام العرس بيوم الحنة أو الحناء وفي حال كان العريس والعروس من نفس القرية فقد كانت بعض الفتيات يتبرعن بالذهاب إلى بيت العروس لتحضير وتجهيز عجينة الحناء وطلاء يدي العروس في طقس احتفالي غنائي.

وكان يسبق العرس تحضير مكان الحفلة الذي يأخذ في الغالب من البيدر مكانا له وكانوا يسمونه المرسح ومن ضمن إجراءات تجهيز المسرح كان يقوم عدد من الشبان والفتيات من أهل وأقرباء العريس أو المتطوعين من الجوار بالذهاب إلى الجبل وجمع الحطب ونبات البلان.

والبلان هذا نبات شوكي سريع الاشتعال يستمر احتراقه متوهجا لفترة طويلة وبعدما يتم الانتهاء من جمع البلان كانوا يجتمعون في أعلى الجبل ويتم اختيار أجمل فتاة بطريقة الانتخاب والإجماع على جمالها وتسير الفتاة في أول الموكب حاملة البيرق عاليا والبيرق قطعة قماش بيضاء تعلق على عصا طويلة ويعود الجميع إلى القرية حاملين البلان ويضعونه بشكل دائري حول المسرح لإشعاله ليلة الزفاف.

وفي اليوم التالي وهو موعد جلب العروس إلى بيت العريس حيث تسمى هذه الليلة بطلعة العروس أو الردة وهنا تكون القرية مجتمعة عند منزل العريس لتنطلق إلى حيث العروس لإحضارها إلى مكان العرس وفي هذه الأثناء تكون النسوة قد جهزن الموائد العامرة بالأكلات الشعبية والفاكهة والحلويات التي كانت تقتصر على الرز بالحليب والسكاكر إضافة إلى ماء الزهر.

ويقوم بعض الشبان من أصدقاء العريس بإحضار الثياب الجديدة المصنوعة من الجوخ الأصلي على طبق من القش ثم يحضر الحلاق إلى منزل العريس ويبدأ بتزيينه وسط زفة غنائية فلكلورية ثم يزف العريس بموكب إلى الصمدة وهي المقعد العالي الذي يجلس عليه العريس والعروس ويبدأ الحفل أولا بتقديم السماط وهي موائد الطعام والفاكهة.

ويبدأ العرس الحقيقي، وفجأة يخرج من تحت البلاط ذاك القزم الذي يحمل الطبل الكبير، ليبدأ الهبد و اللبط والقفز، وترى معظم الأمهات تصرخ في أذن ابنتها الكبرى، قومي رقصي يا ماما، الجميع ويبدأ بالرقص، وكالعادة يختفي المطرب و يصبح من المستحيل سماعه أو حتى رؤيته ، وتبدأ الأمور بالتهدئة عند البدء بتوزيع الطعام، و هو عادة برغل و فروج، أو رز كبسة و فروج والتبولة والفتوش والسلطة واللبن والكبة ، وتبدأ الاحاديث فيها المصالحات والعتب والتعارف والطلبات من بعض، وعندما تقترب النقطة ويعلن عنها ، لا بد من مراقبتها وتصويرها و تسجيلها.

جرت العادة أن يدفع والد العريس المهر إلى والد العروس أما عشية العرس عندما يكون الناس يدبكون حول التشعيلة ويكون البيت خاليا أو في الصباح قبل خروج العروس من بيت أهلها أي أن الدفع يتم أثناء الاحتفال بالعرس كما أن العادة جرت بأن يدفع والد العريس لوالدة العروس ليرة ذهبية وهذا يسمى حصانة الأم أو رضاوة أي إرضاء لوالدتها.

بعدما تنتهي العروس من ارتداء ثيابها يدعي والدها ووالدتها وأخوتها وأخواتها وأعمامها وأخوالها أو من يرغب من أقاربها لتقديم النقود لها وهذا يقال له نقطة العروس أما والد العروس فيجب أن يدفع لابنته وينقطها بمبلغ يساوي مقدار المهر الذي قبضه وهو يتراوح ما بين ليرة وثلاث ليرات اذا كان خمسة عشر ليرة ذهبية أما والدتها فتنقطها بليرة ذهبية واحدة اذا كانوا أعطوها حصانة ليرتين أو ثلاث ليرات وأما الأخوة والأخوات اذا كانوا لا يزالون ضمن العائلة فأن نقوط الوالد تشملهم أما اذا كانوا قد قسموا وتزوجوا فكل واحد منهم ينقط عن نفسه.

وأما ما تبقى من المهر الذي يقبضه والد العروس من المهر فسوف يزوج به ابنه أي سوف يدفعه مهرا لعروس ابنه وأن العروس تكون راضية بأن يتزوج شقيقها بمهرها لأنها تحب أخاها أكثر من أي شخص آخر فهو الذي يشد ازرها في الملمات وترفع رأسها مفتخرة به وتتمناه أن يكون في الذروة من العز والكرام.

وهذه النقوط التي تقدم للعروس من أهلها وأقاربها وكذلك الحلي الذهبية التي تقدم لها من العريس ومن أهلها تعتبر ملكا خاصا لها فليس لزوجها أن يأخذ منها وأن يتصرف به أو يستقرضه منها دون رضاها ولذلك فان لها الحرية في التصرف بملكها فتودعه مع والدها أو مع والدتها عنوة وأما أن تضعه في صندوقها الخاص بها أو أن تشتري به أرضا أو ملكا ما.