لكل السوريين

شهر ونصف على الانتخابات.. الانهيار المتواصل يعمّق جرح الاقتصاد التركي المتعثر

حاوره/ مجد محمد

أدت السياسات غير التقليدية التي دعا إليها أردوغان, بهدف تحقيق النمو إلى هبوط الليرة التركية بنسبة أكثر من ٨٠٪ بالنسبة إلى الخمسة سنوات الماضية, وتكريس مشكلة التضخم وفقدان ثقة الأتراك في عملتهم، فالليرة التركية تنخفض بلا هوادة لتكون رمزاً للازمة، مُشكّلة أزمة اقتصادية لها تداعيات خطيرة.

وضع خطير دفع أنقرة باتجاه البحث عن منفذ ومخرج للأزمة الاقتصادية المتفاقمة بشكل مخيف، والتي تعتبر أبرز تحدٍ واجهه أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية التي افرزته رئيساً لولاية جديدة، وبعد الانتخابات التي وعد بها الشعب التركي بحلول لم تبصر النور حتى الآن، وعادة ما ينجح أردوغان بطريقة أو بأخرى بالتغلب على الأزمات من خلال استخدام خطابات تضرب على وتر المشاعر التي يقدسها المجتمع، لكن أزمة العمولات الأجنبية والتمويل ليست حالة يمكن التلاعب بها أو التستر عليها من خلال خطابات الدين والوطن.

وللتوسع في هذا الموضوع عقدت صحيفتنا في مدينة الحسكة لقاءاً مطولاً مع الاستاذ مندوب الحسين الحاصل على درجة الماجستير في القانون المالي والمصرفي، ودار الحوار التالي:

*استاذ مندوب مرحباً بك بداية، الأزمات في الداخل التركي كثيرة، لكن أبرزها اليوم هي السقوط الحر لليرة التركية، ما تداعيات هذا الأمر محلياً؟

أهلا بك، برأيي ما يحدث في تركيا الآن هو حلقة من مسلسل ممتد لأكثر من عقد من الزمان، وخصوصاً منذ العام ٢٠١٧ منحنى الليرة التركية في تراجع حاد، فتركيا لم تتنفس الصعداء بعد الانتخابات السابقة التي فاز فيها أردوغان وصولاً للانتخابات التي حدثت مؤخراً والتي جرت في بيئة صعبة من حيث فقدان الثقة وعدم الشفافية وبالتالي أوجدت نظام حكم استبدادي ومنهار، وأيضاً انهيار الليرة نتيجة معطيات وهذه المعطيات لازالت موجودة ومرشحة إلى زيادة التفاقم رغم تغيير الخريطة الاقتصادية من وزراء الاقتصاد واستمرار الإشراف على الشؤون الاقتصادية من قبل نائب رئيس الجمهورية، ومعنى ذلك أنه في حال أن المعطيات لم تتغير فلن يتغير شيء وسوف يزيد التفاقم، تغيير البيروقراطية الاقتصادية أو تكنوقراط الاقتصاديين حصل لها أنه تم تغيير هيكلي دون المضمون فحزب العدالة والتنمية والأشخاص المحيطين لأردوغان في القصر الرئاسي بأنقرة يعلمون جيداً أن البنك المركزي يعمل في بيئة غير مستقرة ويصدرون عكس ذلك للشعب، وبناء على ذلك لم ولن يحدث تحسن اقتصادي بتركيا في الفترة المقبلة، وأيضا التضخم في تركيا غير مستقر بين زيادة ونقصان وهذا ما يؤثر على الأسعار بشكل عام والغلاء المتواجد في جميع أنحاء تركيا.

*هل يمكننا القول إن انهيار الليرة التركية هو أبرز القضايا في الداخل التركي؟ وإلى أي درجة بالفعل ستؤثر على سياسة تركيا في الفترة القادمة؟

عندما عين محمد شيمشك كان واضحاً أن هناك تغيير كبير في السياسة الاقتصادية، فلا شك أن السياسة الاقتصادية اليوم مع شيمشك هي مختلفة تماماً عن سابقه، فسياسة حزب العدالة والتنمية في تخفيض الفائدة كانت وبالاً على الاقتصاد التركي، ولا شك أيضاً أنه هناك أزمة اقتصادية عالمية تشعر بها كل الدول العربية والأجنبية فهناك تضخم عالمي وأزمة فعلية ولكن الأزمة التركية هي ليست فقط أزمة متأثرة بالأزمة العالمية, ولكن هناك مشكلة موجودة فعلياً في تركيا هي التعيينات التي قام بها أردوغان, ولا ننسى الفساد الكبير في الإدارة ولا ننسى توسع تركيا العسكري الخارجي والمصاريف التي تصرفها على ذلك، وحسب تصريحات مسؤولين اتراك فأن الليرة ستهبط أكثر وسيتم تبيان وضعها الحقيقي للجميع في محاولة منهم لزيادة الضرائب والفائدة على جميع المنتجات والاستثمارات في تركيا.

*يوجد عرف في الأمور المالية يقول: السياسة تؤثر بالاقتصاد والاقتصاد يؤثر بالسياسة، هل ما يحدث الآن في الداخل التركي وازمته المالية هو نتاج السياسات في الجانب الدبلوماسي والعسكري؟

طبعا كما نعلم أن البنك المركزي التركي منذ آذار ٢٠٢١ أصدر قرار بتخفيض الفائدة من ١٩٪ إلى ٨.٥٪، ومنذ ذاك الوقت عزل أردوغان حاكمين للمصرف المركزي, وهذا يعني مدى تدخل السياسة في الاقتصاد، فخلال العامين الماضيين حاول أردوغان البدء بسياسته التوسعية من أجل تحقيق النمو في الاقتصاد مع الارتفاع في التضخم، فخفض الفائدة مع زيادة التوسع في النمو، ولكن تبين في ما بعد أن أردوغان كان همه دعم المؤيدين له لكسب الانتخابات، والآن تبين أن سياسته خاطئة، والآن بعد فوزه بالانتخابات عاد ورفع نسبة الفائدة من ٨.٥٪ إلى ١٥٪ وهناك توقعات بأن يتم رفعها إلى ٢٥٪، أردوغان الآن مجبر بأن يعطي للاقتصاديين لعب دورهم التقليدي في كبح جماح التضخم وإلا سيكون الأثر كبير على الاقتصاد التركي وعلى الرئاسة التركية، أردوغان في هذه المرحلة لم تعد تهمه حياة الشعب وغلاء الأسعار وزيادة الفائدة.

*يبدو أن انهيار الليرة التركية يبدو عادياً في ضل الحديث عن الأزمة النقدية، فالأزمة النقدية اكبر، ما التداعيات الدولية لذلك؟

بعد فوز أردوغان بالانتخابات، نرى أن هناك فتور أوروبي وامريكي لذلك، فهم كانوا يتمنون فوز المعارضة، وهذا ما سينعكس على العلاقات التي تؤثر حكماً على النقد والوضع النقدي وسيؤثر على العلاقات الاقتصادية والعلاقات التجارية، ففي ضل هذه الأجواء الفاترة لا نتخيل زحف للمستثمرين الأجانب إلى تركيا، فالمستثمرين يجب أن يعملوا في بيئة مستقرة سياسياً، والانتخابات لم تؤدي إلى ذلك الاستقرار كما أعلنها أردوغان بنفسه، وهذه نقطة مفصلية، وأيضا تفعيل العلاقات التجارية وتطويرها وتزويدها من الصعب أن يجد مجالاً في تركيا في الفترة القادمة، وباختصار العلاقات التجارية التركية الأوروبية غير جيدة وهذا مؤثر على النقد التركي، وأيضا السياحة، فالسياح الآن في تركيا غالبيتهم من روسيا ولا يوجد من الغرب لأن السياحة أيضا مرتبطة بالأجواء السياسية، فهناك تأثير سلبي على نظرة الأوروبيين لتركيا وبعض السفارات النافذة كألمانيا وفرنسا تحذر رعاياها بتوخي الحذر وعدم الحديث في السياسة بتركيا, لأنه من الممكن أن تكون هناك اعتقالات وهذا أدى أيضا إلى عزوف السياح.

*أردوغان يقوي علاقاته مع الخليج، هل الدول الخليجية قادرة أن تسد فجوة الاستثمار في الداخل التركي؟

ننظر للوضع الاقتصادي التركي من خلال العلاقات التي تنسجها تركيا مع دول العالم وأيضا مع الدول العربية، فالدول الخليجية سواء أن كانت قطر او الإمارات أو السعودية ستساهم في دعم تركيا وبالتالي تعتبر مساعدة لها، ولكن السؤال يمكن في أن هل هذه المساعدة وهل هذه الاستثمارات في تركيا ستكفي؟ وانا برأيي لا تكفي، فعلى تركيا أن تقدم مغريات وحوافز للدول الخليجية لدعم استثماراتها وهذا ما لا اتوقعه من تركيا فهي منهكة اساساً فلا يمكنها تعديل قانون الاستثمار وان عدلته سيكون شكلي فقط.

*هل لدى أردوغان مرونة اقتصادية كبادرة حسن نية من أجل جلب الاستثمارات الخليجية؟

اعتقد ان ما يحصل عليه أردوغان من استثمارات خليجية هو مقابل قرارات سياسية يحصل عليها الخليج من تركيا، فتركيا قد تنسحب من بعض الأماكن في السياسة لدعم الدول الخليجية مقابل حصولها على المال أو الاستثمارات أو على ديون, ولكن رغم ذلك هذه الديون هي مستحقة على الحكومة التركية وتجعل هناك خلل في الاقتصاد, ولا سيما فائدة الديون التي سيتوجب على تركيا دفعها، ناهيك عن الخلل الأساسي المتواجد في الاقتصاد التركي, فالواردات فيه أكثر من الصادرات ولكن رغم كل ذلك هناك عجز في الميزانية لدى الحكومة التركية, وكما انه بالإضافة إلى ذلك العجز يوجد مشاكل في زيادة الإنفاق الحكومي قبل الانتخابات والذي ساهم في تدهور سعر الصرف والذي هو بحاجة إلى أكثر من سنتين لتعويض هذا الإنفاق فقط.

*كل هذه المحاولات من حزب العدالة والتنمية واستقطاب الخليج، هل هذا بالفعل كاف لنقل تركيا اقتصادياً إلى بر الأمان؟

قبل ذلك اتوقع ان ألمانيا ستساعد الاقتصاد التركي، لأن ألمانيا لا تريد هجرة تركية إلى ألمانيا وإلى أوروبا، فالدول الأوروبية لا تريد هجرة كثيفة إليها في ضل الظروف الحالية وازماتها وتركيا ستستخدم ذلك كورقة ضغط، وطالما هناك اقتصاد تركي متدهور هذا يعني أنه سيكون هناك هجرة تركية إلى أوروبا، فأتوقع إنه سيكون هناك مساعدات طفيفة من قبل أوروبا لتركيا ولكن ما هو حجمها بالضبط، وما هي الشروط التي يمكن أن يفرضها الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى فأن دول الخليج ستساعد أردوغان ولكن هذه المساعدة كما قلت لك تريد مقابل، فنقل تركيا اقتصادياً إلى بر الأمان يحتاج إلى تقديم تنازلات وأردوغان مجبور على ذلك، بعض التنازلات السياسية لبعض الدول سواء لأوروبا أو الدول العربية والخليجية خصوصاً، وسيكون هناك اخذ ورد كبير بين تركيا والخليج وسيظهر إعلامياً وسيعلم الجميع به، والنتيجة سنلقاها جميعا فيما يأتي من الايام.

*ختاما، تساؤلات كثيرة عن الوضع المحرج للاقتصاد التركي، في الملف السوري على وجه الخصوص، هل سيكون هناك دور عربي من بوابة الاستثمار للضغط على أردوغان لتغيير ممارساته في الساحة السورية ام ماذا؟

طبعاً أعتقد أن الدول العربية تلعب دوراً إيجابياً في إيجاد حل للأزمة السورية حتى من دون تركيا، وتحاول الدول العربية إخراج تركيا من اللعبة السياسية في سوريا مقابل إعطاؤها بعض التحويلات المالية وبعض القروض أو استثمارات في تركيا، ولغاية أن تعود سوريا إلى محيطها العربي، وتلعب الدول العربية مع الدول الأوروبية مع أمريكا حسب اتفاقية جنيف بسياسة خطوة بخطوة، أي أن تقوم سوريا بدور إيجابي في الملف السياسي مقابل أن تبدي الدول العربية بعض الإيجابية اتجاه سوريا من ناحية الاستثمار، وفي هذه الناحية كلنا عرفنا قبل عدة أيام إن جولة آستانة كانت العشرين والاخيرة في كازاخستان قبل شهر، وهذا يعني إن تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري قد جمّدوا الموضوع, وحالياً تلعب الدول العربية دوراً بالضغط على النظام من أجل البدء باتجاه حل سياسي، ولكن هل النظام سيستجيب لهذا الحل السياسي، أظن أن الأمر يحتاج لسنوات وتركيا لن تخرج من شمال غرب سوريا، وبالتالي الوضع معقد، وتركيا لا تخرج من الأزمات بسهولة وتحاول أن تبقى فيها للحصول على أكبر قدر ممكن من تقسيم الكعكة.