لكل السوريين

أوجالان…والأوجالانية(1)

المجتمع الكردي تعرف على أوجالان في الربع الأخير من القرن العشرين، وتدريجياً سمع العالم بهذا الأسم وتعرف عليه وعلى أفكاره في العقد الأخير من القرن، ولازال العالم كله يحاول فهمه إلى يومنا الراهن، فمن هو وما هي أفكاره بخطوطها العريضة، فهناك تابعين وأنصار له مثلما هناك أعداؤه الذين يرتعدون من سماع اسمه، ويحاولون تحريف كل ما يتعلق به وبحزبه، وخاصة أفكاره ونظرياته التي باتت تجتاح الشرق الأوسط بشكل خاص.

اسمه عبدالله أوجالان ولد في اسرة كردية فقيرة 1949 في قرية آمارا “عمارا” التابعة لناحية خلفتي في ولاية رها “أورفا” كأي طفل كردي يعمل في حقل الكرم والفستق الذي تملكه الأسرة ، ولعدم وجود مدرسة في قريته يدرس في مدرسة القرية المجاورة يسير إليها سيراً لعدة كيلومترات. ولضيق الحال يكمل تعليمه في مدرسة مسلكية داخلية حكومية، ثم يتوجه إلى كلية العلوم السياسية في أنقرا حيث تبدأ حياته السياسية.

الجانب الملفت في شخصيته هو ذكاؤه الذي يعجب به كل مدرسوه ومعلموه في كل المدارس التي درس فيها، وإتقانه لكل ما يقوم به نشاط سواء على صعيد العمل في الحقول أو على صعيد الدراسة. أما الجانب الأهم في شخصيته فهو رفضه لكل ما هو قائم بحجة أنه “يمكن أن يكون هناك أفضل منه” سواء على صعيد العادات والتقاليد أو الأفكار والرؤى، ومحبته للإنسان، والوفاء لأصدقائه ورفاقه. رفض أن يقاطع رفيقه في القرية إنصياعاً لتقاليد العداء القبلي بين أسرتيهما، ولم يخنع لشرير القرية الذي يخافه كل أطفال القرية، بل فج رأسه انتقاماً، ولم يستطع قبول تزويج فتاة صغيرة كانت تلعب معه لكبير في العمر وهي ابنة ثلاث عشرة عاماً. عشق البراري والجبل ويتنزه فيها ويصطاد الثعابين والعصافير مع ثله من رفاقه ويتقاسم معهم جميعاً بالتساوي لحم عصفور إصطادوه أو ثمار برية التقطوها . تلك هي الصفات التي ترسخت في شخصيته تماماً.

بدأت حياته بالبحث في الموجود والتعرف عليه، وهو شغوف بالقراءة والإستنتاج إلى درجة كبيرة جداً. حيث تعامل مع التفكير والثقافة الإسلامية أولاً، بينما كانت التيارات السياسية اليسارية تتحكم في شبيبة وجامعات تركيا في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، وتأثر بقادتها كثيراً وتعمق في أدبياتها ومنطلقاتها، ومن خلالها تعرف على كيفية تناولها للقضية الكردية في تركيا، ووجد أن الشوفينية المجتمعية لدى اليسار في تركيا وإستعلاء القومية التركية بشكل عام يحول دون تناول القضية الكردية بشكل سليم، رغم أن ربع سكان تركيا من الكرد، وتوصل إلى قناعة أن خلاص تركيا يكمن في خلاص الشعب الكردي في شمال كردستان. وانضم إليه بضعة أشخاص آمنوا بنفس المبادئ وتعاهدوا على العمل السري جداً، لخبرتهم في كيفية تجنب الإستخبارات التركية وتعاملها مع مجموعات اليسار والقضاء عليها بشتى الوسائل والمكائد. ومع إنهيار تمرد البارزاني في جنوب كردستان، توجهت المجموعة إلى النشاط في كردستان الشمالية.

من الشائع في تركيا أن يكنى كل من اسمه عبدالله بـ”آبو” ولهذا اشتهرت هذه المجموعة بـ”الآبوجيين” نسبة إلى عبدالله أو كانوا يسمون بـ”الطلبة” كونهم طلاباً. واستطاعت هذه المجموعة كسب أفئدة الجماهير بصدقها وعلاقاتها الرفاقية ليس بين بعضهم البعض فقط، بل مع سائر الذين تعاملوا معهم، وبسعة إطلاعهم وأخلاقهم الراقية جداً مع كل من تعاملوا معهم لدرجة يمكننا القول أنهم كسبوا قلوب الجماهير قبل فتح وتنوير عقولهم. فاستطاعت المجموعة كسب جماهير كردستان الشمالية وأصبحت كالسيل الجارف، إلى أن قررت الحركة التحول إلى حزب بعد إستشهاد أحد رفاقهم عام1977 .

استطاعت المجموعة عقد مؤتمر تأسيسي للحزب في تشرين الثاني 1978 والإعلان عنه في عمليات استهدفت العملاء والمتعاونين مع الفاشية التركية أولاً، لقناعتهم بأن هؤلاء يشكلون عماد الفاشية التركية في كردستان، ومن دونهم لا يمكن للفاشية التركية إستغلال المجتمع الكردي أينما كان. مما أدى بالدولة التركية إلى فرض الأحكام العرفية وممارسة الإغتيالات وتقديم الدعم والمساندة لكل عملائها في المنطقة، وإرتكاب المجازر بحق المجتمع الكردي وبث الفتن حيثما استطاعت، وأشهرها مجزرة “ماراش” التي راح ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى وتهجير آلاف الأسر. وشعر أوجالان بأن العسكر الذين يمثلون الدولة العميقة في تركيا يتحركون بسرعة، فكان أسرع منهم وخرج هو مع عدة أعضاء من القيادة من تركيا متوجهاً إلى ساحة تواجد الفلسطينيين.

في 12 أيلول 1980 استولى العسكر على دفة الحكم في تركيا لأنهم شعروا أن القضية الكردية بدأت تخرج من المسار المرسوم، فحصلت عشرات آلاف الإعتقالات وامتلأت السجون بالمعتقلين، وخاصة سجن “آمد” دياربكر الذي امتلآ بالآبوجيين. ولكن أوجالان وبعض رفاقه كانوا في لبنان بين الفصائل الفلسطينية. (يتبع)