لكل السوريين

الظروف المعيشية القاسية تًجبر حمصيات على العمل لوقت متأخر من الليل

مع التحديات اليومية التي تواجه العائلات في تأمين لقمة العيش لأبنائهم، تعمل الكثير من السوريات في بيع الخبز والخضروات والفواكه في شوارع حمص حتى ساعات متأخرة، رغم ما يواجهنه من مخاطر بما يتعلق بالسلامة وما يتعرضن له من مضايقات وإساءات لفظية.

تخيم الأزمة الاقتصادية على يوميات السوريين والسوريات في المحافظات السورية، محاولين أن يتجاوزوا صعوبات العيش في واحدة من أكثر بقع العالم بؤساً.

ويعيش أكثر من 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، ويعاني أكثر من 12.4 مليون سوري منهم من إجمالي عدد السكان داخل البلاد المقدر بنحو 16 مليون نسمة، من انعدام الأمن الغذائي، وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”.

وتحتاج العائلة في سوريا وسطياً من 3 إلى 5 ملايين ليرة سورية شهرياً بالحد الأدنى لتأمين الحاجيات الأساسية من طعام وشراب ودواء ونقل من دون إيجار وفواتير وحاجيات ثانوية.

تقول أم شريف إنها بدأت العمل في بيع الخبز لمدة أربع ساعات ليلاً منذ 8 أشهر بحثاً عن حاجتها للمال وتأمين الرزق لأطفالها.

وتضيف أن الخبز بالليل غير متوفر بشكل كبير لأن معظم الأفران تكون قد أقفلت أبوابها، فيأتي إلينا الزبائن رغم أن أسعارنا أغلى من الأفران، وهو هامش الربح الذي نحصل عليه.

وهي مضطرة حالياً لإعالة أبنائها بأي طريقة كانت، موضحة أن الربح اليومي ما بين 15 ألف إلى 30 ألف ليرة بأحسن الأحوال إلى جانب تأمين الخبزات مجاناً للبيت.

وأكدت أن المبلغ لا يكفي العائلة المكونة من 3 أبناء وأمهم، ولولا أن ابنها علاء (15 عاماً) يعمل بقهوة أيضاً لكان الوضع كارثياً.

وأشارت إلى أن العمل حتى الساعة الواحدة ليلاً، متعب وغير آمن خصوصاً في الشتاء، لقلة المارين بالمنطقة التي أعمل فيها، وصعوبة العودة إلى البيت.

حيث أن الرزق الحلال بحاجة للتضحية بتعب الجسم ونظرات الناس، خصوصاً أولئك الذين يسيئون الأدب ويتحرشون بنا كنساء، رغم أننا نبيع الخبز لإطعام أبنائنا.

كما تعمل شيرين على جمع الخبز من الأفران الحكومية وتنشفه ثم تضعه في الأكياس وتنتظر من بعد العاشرة ليلاً حتى يمر الزبائن ويشترون الخبز، الربطة بـ 2500 ليرة مع إخبار الزبائن أن فيها 7 أرغفة فقط وليس 8.

وأضافت أن وجود ابني معي يشعرني ببعض الأمان، ويقلل من المضايقات التي تحصل من بعض المارة وأصحاب السيارات خصوصاً الذين ينظرون إلينا بشكل غير مريح.

وأشارت إلى أن شرطة المحافظة أحياناً تمنعنا من الوقوف وأكثر من مرة حاولوا كتابة مخالفات، ما اضطرني لدفع معظم الربح لهم حتى أستمر في عملي.

ولفتت إلى أن 500 ألف ليرة في الشهر لا تكفي شيئاً، خصوصاً إن كان لديك أبناء في المدارس والجامعات ويحتاجون لمصروف يومي وأجرة طرقات.

ولا يقتصر العمل في حمص على السيدات والأمهات، إنما يشمل فتيات بعمر الطفولة لا يتجاوزن الـ 15 عاماً، يعملن في النهار والليل ويبيعن العلكة والبسكويت والخبز والماء والمحارم وأي شيء آخر، إلى جانب مئات الفتيات المتسولات في أسواق وشوارع حمص.

وإلى جانب العمل في بيع الخبز على الطرقات، تلجأ نساء في حمص إلى “جمع البلاستيك” من الشوارع والأماكن العامة وحاويات القمامة لإعالة أسرهن.

وتعمل خديجة إلى جانب ابنها (8 أعوام) وابنتها (11 عاما) في جمع مخلّفات البلاستيك من حاويات القمامة والطرقات والحدائق في حمص منذ سنتين.

وتقول إن هذا العمل وحده قادر على إعالتها وأطفالها، فجمع البلاستيك يضمن لها دخلا يوميا مقبولا مقارنةً بغيره من الأعمال التي لا تكفي لاستئجار “كومة حجارة نسكن فيها”، حسب تعبيرها.

وتتقاضى خديجة 7 آلاف ليرة مقابل كل 10 كيلوغرامات من البلاستيك تتمكن وأولادها من جمعها، وتجمع أسرتها ما بين 20 و30 كيلوغراما يوميا.

وتضيف “لقد مقتنا حياتنا من رائحة الأوساخ التي لا تفارق أنوفنا طوال اليوم، ولكن إما هذا العمل أو أن نموت جوعا”.

وأكثر ما يثير الحسرة في نفسها هو تخلّف طفليها عن الدراسة للسنة الثالثة على التوالي، ففي حين تجيد الفتاة (11 عاما) القراءة والكتابة بعض الشيء، فإن أخاها (8 أعوام) أميّ بالكامل.

وتضطر أمّهات في حمص إلى السماح لأبنائهن وبناتهن بالخروج من المدرسة (التسرّب) للعمل وإعالة أنفسهم تحت وطأة الظروف المعيشية الخانقة، وانعدام الدعم وغياب المعيل.

ونتيجة الظروف المعيشية القاسية، ارتفع عدد الفقراء والمحتاجين والمتسولين، وسط ارتفاع الأسعار بشكل هستيري شبه يومي، وانخفاض قيمة الليرة إلى أدنى مستوياتها.

ولم تستطع الحكومة حتى الآن أن تحل أي مشكلة من المشكلات التي يعاني منها الناس، حيث ما زال متوسط راتب الموظف لا يتجاوز الـ 100 ألف ليرة سورية، لا تكفيه ليوم أو يومين بأحسن الأحوال.