ارتفعت مؤخراً نسبة الأراضي المزروعة بنبات العصفر في مدينة إدلب وريفها شمال غربي سوريا خلال الفترة الماضية والحالية، مقارنة بالأعوام السابقة، حيث تعد زراعة العصفر من الزراعات التي نقلها فلاحون من ريفي حماة الشمالي والغربي وريف إدلب الجنوبي إلى المنطقة، بعد نزوحهم واستقرارهم فيها.
المزارع اسماعيل رحال (55 عامًا)، مهجر من بلدة معرتحرمة بريف إدلب الجنوبي، قال في حديثه للسوري، إن زراعة العصفر كانت تنتشر سابقًا في مدينة معرة النعمان وريفها وريف إدلب الجنوبي، وهي عبارة عن جني الريش الذي يخرج من الوردة بعد نضجها، واستعماله كنوع من بهارات الطعام.
وأوضح المزارع أن استفادة المزارعين تأتي من الريش والبذور، إذ يُستخرج منها زيت العصفر، وقسم من البذور تُستخدم كأعلاف للطيور والحيوانات، ومنه ما يُصدّر إلى دول الجوار، حيث يباع الطن منه بنحو 600 دولار أمريكي.
وخلال عام 2022، باع الفلاحون كيلو العصفر بنحو 17 دولارًا أمريكيًا، إلا أن إقبال المزارعين على زراعته هذا العام من الممكن أن يكسر السوق، بحسب المزارع.
خالد مصطفى (50 عامًا) مزارع من بلدة كللي، إن فلاحي المنطقة كانوا في السابق يزرعون القمح والعدس والحمص وحبة البركة والكمون، مشيرًا إلى أن زراعة العصفر تعد من الزراعات الحديثة نوعًا ما في المنطقة، نتيجة نزوح مئات المزارعين.
وخلال العام الحالي، ازدادت مساحة الأراضي المزروعة بالعصفر، بحسب خالد، مرجعًا أسباب ذلك لكونها زراعة مربحة، ورغم أنها مكلفة وقطافها صعب، فإن نبات العصفر يقاوم جميع العوامل الجوية.
زرع خالد مصطفى هذا العام عشرة دونمات بنبات العصفر، مشيرًا إلى أن أبرز الصعوبات التي تواجه الفلاحين هي تأمين اليد العاملة، لأن قطافه يتم في وقت معيّن ويحتاج إلى خبرة، إذ يبدأ القطاف في أواخر شهر أيار، ويحتاج إلى 20 يومًا لتفتّح الزهر، وعلى عدة مراحل، ثم مرحلة “النشر” تحت أشعة الشمس حتى مرحلة اليبس.
وتعتبر زراعة العصفر مكلفة نوعًا ما على المزارعين، إذ تعادل كل أربعة كيلوغرامات من الريش كيلوغرامًا واحدًا فقط عند تجفيفه وتجهيزه للبيع، وفق المزارع إبراهيم رحال، مشيرًا إلى أن زراعة المحصول يجب أن تبدأ في شهر كانون الأول، وعلى مدار الأشهر الخمسة بين الزراعة والقطاف، يحتاج المحصول إلى إزالة الأعشاب الضارة التي قد تحيط به، وذلك لأكثر من مرة خلال هذه الفترة.
وتحتاج زراعة العصفر إلى شتلات وبذار وري وأسمدة من أنواع مختلفة، ما يزيد من تكلفة إنتاجه على المزارعين.
مدير المديرية العامة للزراعة في حكومة “الإنقاذ” العاملة بإدلب، تمام الحمود، قال في حديثه على احد مواقع التواصل، إن المساحات المزروعة بنبات العصفر هذا العام تصل إلى نحو 802 هكتار، مشيرًا إلى أن حجم الإنتاج المتوقع يبلغ نحو ألف طن من البذار، و120 طنًا من الريش.
وأشار الحمود إلى أن زراعة العصفر في إدلب لم تؤثر على المحاصيل الأخرى، إنما كانت بديلًا عن بعض الزراعات الطبية والعطرية، خاصة حبة البركة التي كانت أسعارها في عام 2022 متدنية عالميًا، كما تأثرت بالأمراض، وذلك لكونها حساسة لكثير من الأمراض الفطرية والآفات.
وأكد الحمود زيادة مساحات زراعته في المنطقة، نظرًا إلى أنه ذو جدوى اقتصادية للمزارع، كما أن احتياجاته المائية محدودة، وهو مقاوم للأمراض.
ومن المتوقع أن ينتج الهكتار الواحد من الأراضي المزروعة بالعصفر نحو 1000 إلى 1500 كيلوغرام من البذور، وتقريبًا 100 إلى 150 كيلوغرامًا من الزهر أو الريش، وفق الحمود.
عروتان في العام
المهندس الزراعي المقيم في إدلب غسان عبود، إن العصفر نبات شبه شوكي حولي، يتبع الفصيلة المركبة (Compositae)، وينمو في المناخ الدافئ، ويُستفاد من زراعته لتأمين الزيت الذي يعد من الزيوت القابلة للاستهلاك البشري، وتتراوح نسبة الزيت في بذوره بين 25 و40%، حسب الصنف وموعد الزراعة، وهو من الزيوت الصحية لوجود نسبة عالية من الزيوت غير المشبعة خاصة حمض “اللينوليك” و”الأوليك”.
ويمكن زراعة العصفر في مختلف الأراضي الخصبة والمتوسطة الخصوبة، ويُزرع بعلًا في المناطق التي يصل معدل هطولها المطري إلى 350 ملم أو يزيد، كما يُزرع ريًا إذ يحتاج إلى 3- 5 “ريات” حتى النضج.
وأوضح المهندس عبود أن العصفر في سوريا يُزرع بعروتين، الأولى شتوية تبدأ في منتصف شهر تشرين الثاني وحتى نهاية كانون الأول، والثانية ربيعية تبدأ من منتصف آذار وحتى نهاية نيسان، وفي هذه العروة يحتاج نبات العصفر إلى الري حسب الحاجة ومعدل الأمطار.
وعادة ما يُزرع النبات بمساحات محدودة في الأراضي الهامشية، أو كزراعة بينية بين أشجار الزيتون التي تكون مسافات الزراعة فيها كبيرة بين الأشجار، والأراضي المستصلحة حديثًا، وفق المهندس، معتبرًا أن المحصول دخل ضمن الدورة الزراعية في بعض الأماكن، وأسهم في تحسين خواص التربة، وزيادة عدد مربي النحل كون موسم الأزهار طويلًا ويسهم في غذاء النحل لفترة لا بأس بها.