لكل السوريين

شكل لباس المرأة… يثير الجدل في سوريا

دمشق/ مرجانة إسماعيل

منشورات في شوارع دمشق، بعضها يروج لـ “حجاب المرأة المسلمة” والآخر لـ “لباس المرأة الحرة”. تظهر في الأول امرأة مغطاة بالكامل لا يظهر منها أي شيء ويحدد معايير “الحجاب الشرعي”، أما الثاني يظهر امرأة بـ “تي شيرت” أبيض يحمل علم الثورة السورية مفاده بأن ترتدي المرأة “ما تريد”.

المنشوران يعكسان حالة المخاض التي يعيشها المجتمع السوري، إذ أن الحراك على المستوى السياسي ينعكس بالنهاية على الحالة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلاد، لهذا نجد من يلصق منشورات مضادة في الشارع ذاته.

ويرتبط ذلك بوصول هيئة تحرير الشام إلى مفاصل السلطة في دمشق والطابع الإسلامي لهذا الحكم، وهذا ينعكس بحدوث هزات ثقافية في المجتمع السوري، بالإضافة إلى وجود اختلافات أيضاً داخل الفصائل المسلحة، فمنها من هو معتدل ومنها من هو متشدد.

بينما يحاول المقاتلون الملثمون فرض ما يسمونه “الحجاب الشرعي”، تنتفض النساء ضدهم. انتشار الملصقات المضادة على الجدران يمثل وجهاً جديداً للمقاومة – نساء يتحدين الترهيب ويطالبن بحقهن في حرية اللباس.

وتتميز سوريا بوجود “فسيفساء” متنوعة من الفئات والطوائف والمجموعات الفرعية، وقد تجد اختلافات على مستوى المدينة، أو القرية، وفي بعض الأحيان على مستوى البيت الواحد، فتجد من تضع الحجاب بطريقة معتدلة وتكون شقيقتها لا ترتديه.

في مشهد غير معتاد في شوارع دمشق، انطلقت مجموعات من الأشخاص في جولات دعوية تحمل رسائل تدعو للإسلام والحجاب، في عدد من أحياء مدينة دمشق.

وحتى اللاتي يرتدين الحجاب في سوريا، تجد اختلافاً بين ما ترتديه المرأة في دمشق عما ترتديه النساء في حلب أو حماة أو درعا، ولكل مدينة خصوصيتها وموروثها الثقافي والاجتماعي.

لكن الاختلاف قد يكون “حالة صحية” إذا ما بقي في نطاق التعددية والتعبير عن حرية الرأي والمعتقد من دون عنف، إذ أن الفئة المتشددة من الإسلاميين كانت تخاف الخروج للعلن والحديث عن معتقداتها بحرية في ظل نظام بشار الأسد، ولكنها الآن تمارس دوراً في التعبير عن شروطها ورؤيتها لنظام الحكم.

وفي عام 2010 قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، حظرت السلطات ارتداء النقاب في الجامعات، معتبرين أنه “يتعارض مع القيم والتقاليد الجامعية”.

وفي ذلك العام كشفت الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الانسان أن حوالي 1200 معلمة كن يرتدين النقاب تم إبعادهن عن القطاع التربوي، رغم أن قانون العمل الأساسي لا ينص على مادة تمنع المنقبات من العمل.

تظهر التصريحات الصادرة من هيئة تحرير الشام الحاكمة في سوريا مهادنة لمختلف السوريين، غير أن حديث لقائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني حول إمكانية رئاسته البلاد، وتصريح مسؤول آخر حول مهام لا يصلح للمرأة القيام بها، كشفت عن هواجس كانت تخبئها نشوة الفرحة بسقوط نظام الأسد.

وبعد اندلاع الحرب، عادت السلطات عن قراراها ورفعت الحظر عن ارتدائه في الجامعات والمدارس.

وخلال سنوات الحرب، وفي أعقاب سيطرة فصائل مسلحة متشددة على بعض المدن تم إرغام النساء على ارتداء الحجاب تحت طائلة التهديد بتعرضهن للأذى.

وفي 2019 عادت السلطات السورية للتعميم على حظر ارتداء الحجاب في الجامعات بذريعة منع انتحال الشخصية.

وتحدث منشور على منصة “إكس” عن “حملة مضادة لإعلانات حجاب المرأة في سوريا، النساء في سوريا أحرار، من المستحيل أن يقبلوا بالعبودية”.

وفي بضعة مدن سورية هناك من يرتدي الحجاب الإسلامي والنقاب بطريقة قد ينظر إليها البعض على أنها متشددة، وهذا ينبع من حريتهم في ممارسة معتقداتهم الدينية والاجتماعية، وفي المقابل لا يجب فرض أي من هذه المعتقدات أو فرضها على سوريا بالكامل.

ويعتقد أن أحد المنشورات التي يتم تداولها هو الأفضل لسوريا، بأن لا يكون مفروضا على أحد، وأن يشعر المرأة بالراحة، ويعبر عن شخصيتها، ويناسبها.

ويحمل المنشور صورة لثلاث نساء: واحدة بحجاب معتدل، والثانية بنقاب يغطي الوجه، والثالثة من دون أي حجاب أو نقاب

وأيدت منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي هذا المنشور على اعتباره هو “لباس المرأة الحرة”.

ويقول البعض في سوريا “لا نريد أن نصبح مثل أفغانستان، حيث تجبر النساء على ارتداء النقاب، والبعض يقول نريد أن نصبح مثل تركيا، حيث يمكن للنساء الآن ارتداء ما يشأن”.

ويرى أن النموذج الأفضل في البلاد، هو ما يتفق عليه السوريون بحرية الرأي والمعتقد، بما يشمل ذلك اللباس، وهذا من الأمور التي يجب أن يتضمنها أي دستور للدولة.

المخاض الذي تعيشه سوريا ما بعد بشار الأسد، مسألة ارتداء الحجاب من عدمه، ربما ليست الأولوية التي يتطلع إليه الشعب الذي تعرض للقتل وأبشع صور التعذيب، لكنه بالنهاية قد يكون أمرا هاما يعكس التعددية والحرية التي يريدها السوريون.