لكل السوريين

السلم الأهلي ضمان لكل طوائف سوريا

إعداد/ انعام إبراهيم نيوف

علينا أن نتعلم العيش معا كإخوة، أو الفناء معا كأغبياء، ما يزال لدينا خيار اليوم، إما التعايش السلمي أو إفناء بعضنا بعضا بشكل عنيف (مارتن لوثركينغ)

السلم الأهلي هو رفض كل أشكالِ التقاتل كمجرّد الدّعوةِ إليه أوِ التّحريضِ أوِ تبريرِه، هوَ العملُ الدّائمُ على منعِ الحربِ الأهليّةِ في الوطنِ.

السّلمُ كلمةٌ واضحةُ المعنى، تعبّرُ عنْ ميلٍ فطريٍّ في أعماقِ كلِّ إنسانٍ وتحكي رغبةً جامحةً في أوساطِ كلِّ مجتمعٍ سويٍّ، وتشكّلُ غايةً وهدفًا نبيلًا لجميعِ الأممِ والشّعوبِ.

السّلمُ الأهليُّ وضعٌ يسودُ فيه الأمنُ والسّلامُ، يشعرُ فيه الفردُ بالأمانِ والطّمأنينةِ والسّكينةِ، فإنْ أرادَت أمّةٌ أنْ تحقّقَ لنفسِها تقدّمًا حضاريًّا مزدهرًا، فلا بدَّ منْ أنْ يتوافرَ فيْها الأمنُ والأمانُ والسّلمُ والسّلامُ، ووفقَ ما شهدَ بِهِ التّاريخُ وأكّدَته تجاربُ الأممِ والشّعوبِ، لا إبداعَ منْ دونِ استقرارٍ، ولا نهضةَ علميّةً منْ دونِ طمأنينةٍ تلفحُ العقولَ وتشحذُ العزائمَ وتعلي الهممَ وتطلقُ الحرّيّاتِ.

كثيرة هي المبادرات المحلية المتعلقة بموضوعات السلم الأهلي، مبادرات اجتماعية ، ومدنية واهلية وسياسية، جميعها تريد تحقيق الأمن المجتمعي ، في ظل استشعار الخطر الداهم على المجتمع السوري ، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ، لماذا تذهب المحافظات والمدن والقرى والمخيمات منفردة لإطلاق المبادرات وعقد المؤتمرات والأنشطة ذات الصلة بالسلم الأهلي ، أن أحد الأسباب من وجهة نظري المتواضعة أن ثقة المواطنين بالنظام السياسي المستقبلي، في تراجع دائم ، هذا إلى جانب أن المؤسسة الرسمية السورية تعمل منفردة ، دون التنسيق والتشاور والعمل المشترك مع المؤسسات الأهلية ذات الصلة بموضوع السلم الأهلي.

المرتكزات الأساسية للسلم الأهلي تتجلى في سيادة القانون واحترامه وعدم أخذ الحق في اليد ، وفي سلطة قضائية مستقلة ونزيهة وشفافة ورشيقة ، وفي مؤسسة تشريعية صاحبة اختصاص دستوري أصيل في الرقابة والمساءلة والمحاسبة وفي سن القوانين وتعديل القائم منها ، وفي احترام حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة ، وفي تعزيز قيم التسامح وقبول الآخر ، وتعزيز قيم المواطنة ، واحترام حقوق الأقليات ، والتعددية السياسية ، وفي احترام حرية الرأي والتعبير ، وفي تكافؤ الفرص ، والعدالة الاجتماعية ، وفي التصدي لخطاب الكراهية والعنف والتحريض ، وفي مكافحة الفساد ،  وفي دور فاعل لمؤسسة الأمن العام يتجلى في حماية المواطنين وممتلكاتهم وتوفير الأمن لهم ، وبتنفيذ القانون ، وبحماية المؤسسات الدستورية ، هذه هي أهم مرتكزات السلم الأهلي ، والتي يجب أن تشكل خارطة طريق لحكومة السورية الجديدة ولمؤسسات المجتمع المدني والاهلي ، من أجل حمايتها وتحقيقها ، لبناء مجتمع سوري متماسك ينبذ العنف والتطرف والجريمة.

تأسيسا على ما سبق لبناء سلما أهليا لمجتمعنا السوري، يجب العمل كشركاء لحماية السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي، ما يتطلب تشكيل وتفعيل مجلس السلم الأهلي، وبشراكة كاملة مع المجتمع المدني والمجتمع الاهلي، والقطاع الخاص، هذا المجلس ومن أجل أخذ دوره على المستوى الوطني يجب يكون جسما اعتباريا ذو استقلال مالي وإداري له خطة استراتيجية تنبثق عنها خطة تنفيذية ومجلسا استشاريا، إن تفعيل المجلس الأعلى للسلم الأهلي بحاجة إلى إرادة سياسية، وإلى تضافر كافة الجهود الرسمية والأهلية.

أن أحد أهم وظائف الدولة ، وأي دولة في العالم هي توفير الأمن للمواطنين والمقيمين ، ولكن ذلك لا يعفي المواطنين والمواطنات من المشاركة بشكل فاعل في تعزيز وحماية السلم الأهلي، استنادا إلى مواطنتهم الديمقراطية وولائهم لوطنهم ، وبالتالي هناك مسؤولية مباشرة للمواطنين والمواطنات ودور مهم في تعزيز ركائز السلم الأهلي وحمايته، وهناك دور مهم وحيوي لمؤسسات المجتمع المدني والشبكات والائتلافات ومنظمات حقوق الانسان ، وخاصة في عملهم الميداني، وقنوات الاتصال والتنسيق والعمل المشترك مع الحكومة بغية تعزيز السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي ، وذلك من خلال تقديم الاقتراحات العملية ، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات ، وتقديم التوصيات إلى صناع القرار ، إلى جانب إصدار الأبحاث والدراسات وأوراق المواقف والأوراق السياساتية، التي تقدم الرؤى والتوصيات العملية والعلمية، التي يمكن البناء عليها من قبل المؤسسة الرسمية عندما تقوم بإصدار خططتها الإستراتيجية والتنفيذية لاستتباب السلم الأهلي.

اليوم نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى زيادة فاعلية التنسيق والتشبيك والعمل المشترك بين المؤسسات الرسمية والأمنية من جهة ومؤسسات المجتمع المدني ، والتحالفات المدنية لتعزيز السلم الأهلي وسيادة القانون من أجل عملٍ مهني وفعّال لتعزيز السلم الأهلي في بلادنا ، ذلك يتطلب ابتداء عدم الإقصاء ، والقناعة بضرورة أن يكون هناك شراكة بين مختلف الأطراف ، وحضورا فاعلا لمؤسسات المجتمع المدني والاهلي في الأجسام الحكومية المعنية بالسلم الأهلي ، هذا إلى جانب بناء قدرات وتدريب أعضاء مجالس السلم الأهلي في مختلف المحافظات ، بما فيها القيام بمسح للاحتياجات لتلك المجالس، كمقدمة لتعزيز العلاقة بين الائتلاف المدني لتعزيز السلم الأهلي وسيادة القانون ، ومختلف بقاع الوطن، وصولا إلى وضع خارطة طريق واستراتيجية وطنية متكاملة بأهداف قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، لتعزيز السلم الأهلي، تشمل المؤسسات الرسمية والأمنية والثقافية والدينية والمدنية، في جهود متكاملة وأهداف واضحة قابلة للقياس وفق نظرة تكاملية.

ان السلم الأهلي الدائم رفض لكل أشكال التقاتل والعنف، أو مجرد الدعوة إليه أو التحريض عليه، أو تبريره، أو نشر ثقافة تعتبر التصادم حتميا بسبب جذورية التباين، وتحويل مفهوم الحق بالاختلاف إلى أيديولوجية الاختلاف والتنظير لها ونشرها. ويعني السلم الأهلي الدائم إيجاباً العمل والبناء على منع الحرب الأهلية في المجتمع.

هنالك علاقة صميميه بين تعزز المواطنة وتعزز السلم الأهلي، فكلما كانت الانقسامات العشائرية والقبلية والجهوية والفئوية والزبائنية وهي انقسامات ما قبل مواطنية سائدة كلما تراجع منسوب السلم الأهلي، وبالمقابل كلما تراجعت هذه الانقسامات لصالح الاندماج الاجتماعي على قاعدة المواطنية التعددية المتنوعة، ولكنه يتضمن الانتقال من التصريف السلبي للنزاعات من خلال مسارب عنفية كما هو الحال في مجتمعات ما قبل المواطنة، إلى التصريف السلمي لها، مما يحول النزاعات والحالة هذه من حالات تنتج دمارا أو تراجعا، إلى حالات يتم توظيفها بشكل إيجابي من أجل تطوير المجتمع، وذلك من خلال الاستفادة من كل ما هو إيجابي من كل وجهة نظر وتركيب هذه الإيجابيات معا مما يعظم الفائدة، وذلك بديل لإقصاء وتهميش وقمع وجهة نظر لصالح الأخرى.