لكل السوريين

حقوقي سوري.. عودة سوريا إلى الجامعة العربية, انتصاراً لدمشق وخذلان للسوريين

حاوره/ مجد محمد

عقدت الجمعة ١٩ ايار الجاري القمة العربية بدورتها الثانية والثلاثون في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية بحضور قادة ووفود الدول العربية، القمة العربية التي شهدت احداثاً ومجريات للمرة الاولى من نوعها وكان ابرزها حضور رأس النظام السوري بشار الاسد ومشاركته فيها لأول مرة بعد تجميد عضوية سوريا منذ عام ٢٠١١، وكذالك حضور رئيس دولة غير عربية، الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي بدعوة سعودية لحضور قمة.

الجامعة العربية التي تشكل برأي المجتمع العربي قبل الاجنبي انه لا اساس لها ولا فائدة من وجودها طالما لا تملك من امرها شيئاً، فهل سنشهد تطوراً وتغييراً في مدى قوتها؟ وعن اسباب وجود رئيس اجنبي في القمة العربية لأول مرة، وكذالك عودة بشار الاسد بعد قطيعة اعوام كثيرة، فهل من جديد؟

وللتوسع عن هذا الموضوع، والاجابة عن التساؤلات عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع المحامي والمهتم بالشأن السياسي العربي الاستاذ مجيد البكر، ودار بينهم الحوار التالي:

*استاذ مجيد مرحباً بك بداية، قمة عربية جديدة في جدة، ما الذي تمثله في ضل الاحداث العربية والإقليمية والدولية اليوم؟

اهلا بك، القمة تمثل اشياء كثيرة، هذه القمة تصادف في مراحل اختلف فيها العالم، اولا دخلنا في مرحلة الاتفاق السعودي الايراني في بكين برعاية الصين، وكذاك دخلنا مرحلة بداية نفوذ صيني في المنطقة ينافس النفوذ الامريكي، ومرحلة صلح بين تركيا وجميع البلدان العربية التي كانت متخاصمة معها، قمة ايضا تطرقت فيما يتعلق بالحرب الروسية الاوكرانية فيما يتعلق بالحياد والنأي بالنفس من اتخاذ موقف سابقاً يحتسب مع معسكر على حساب معسكر آخر، واعتقد اليوم في هذه القمة من خلال استقبال الرئيس الاوكراني زيلينسكي في هذا الوقت، اراد العرب برعاية السعودية ان يكون للمنطقة كلمة، وهو اصلاً يجب ان يكون للعرب كلمة فيما يصار بالأحداث العالمية والدولية، وعلى الزعماء العرب جميعاً ان يدركوا ذلك كمجموعة بريكس ومجموعة شنغهاي كما الاتحاد الاوروبي والافريقي.

*جامعة الدول العربية عمرها ما يقارب الاكثر من ثلاثون عاماً، وعبر تاريخها لم تستطع ان تقدم اي حلاً فعلياً للمنطقة، إلى اي مدى تستطيع ان تتفاعل مع المتغيرات الدولية والاقليمية؟

بداية لا يجب ان نضع جميع الاعضاء في الجامعة بمستوى واحد، حيث ان هناك دول مؤثرة لها اعتبارات كالغنى والمساحة والثروات والعلاقات الدولية الواسعة كالسعودية ومصر ، وكذلك توجد دول مستنزفة كاليمن وسوريا وليبيا والسودان، فلا يمكن المقارنة بين هذا وذاك.

واعتقد ان هناك وضع جديد في العالم العربي وفي العالم اجمع، الآن الدول العربية ودول الخليج تحديداً كانت محايدة في الصراع بين روسيا واوكرانيا ولكن هذا الحياد ايضاً له ثمن، لا يمكن في هذا العصر ان تتخذ جامعة الدول العربية موقفاً محايداً في العدوان على دولة عضو في الامم المتحدة، فهذا الحياد لم يكن موقفا فعلياً، ولكن علاقات العالم العربي مع روسيا هي السبب خصوصا، ان روسيا دولة مصدرة للنفط فأنها تؤثر على الدول النفطية كالدول العربية، فالدول العربية ادانت روسيا شكلياً ولكن هل ستكون مؤثرة؟ غالبا لا، فلا ننسى ان هناك دول ممزقة ضمن الجامعة العربية كما ذكرت لك سابقاً والتي لن تكون مؤثرة حتى على نفسها ، فلا يمكن التعويل على الجامعة العربية ككل، ولكن يمكن التعويل على بعض اعضاؤها.

*عن موقف الحياد بين روسيا واوكرانيا، شهدنا دعوة الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلنسكي لحضور القمة العربية، موقف يحصل لأول مرة في تاريخ الجامعة، هل هذا سيكون موقف عدائي صريح ضد روسيا؟

لأول مرة في تاريخ القمم العربية دعوة رئيس دولة ليست عضو في الجامعة العربية كضيف، لأن كل الدعوات السابقة كانت توجه لممثلي او رؤساء منظمات دولية وإقليمية لا غير، وبالتأكيد لا لن يكون موقف عدائي صريح ضد روسيا، فالعرب بقيادة السعودية ارادوا ان يحققوا نوعاً من التوازن، فبعد الصلح مع الاسد الذي يثير السرور في موسكو وطهران، كان من الضروري ايضاً بعث السرور إلى واشنطن والعواصم الاوروبية، ومن هنا تأتي دعوة زيلينسكي، وايضاً هناك عامل آخر وراء هذه الدعوة لزيلينسكي هي محاولة السعودية التخلص من عقوبات اقتصادية أمريكية ضد السعودية بسبب تطبيع علاقاتها مع سوريا، خاصة بعد ما أصدرت أمريكا قانونا جديدا يدعم تلك العقوبات مؤخرا وإعطاء فعالية أكبر للقانون القديم الذي أطلق عليه قانون قيصر الذي صدر في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب حول المسألة.

كما اعتقد أن أمريكا أيضا تريد وساطة لإنهاء هذه الحرب الروسية-الأوكرانية التي أٌثرت على الجميع بما فيها أمريكا التي تراجع دورها العالمي بفعل الآثار الاقتصادية لهذه الحرب بسبب العولمة الاقتصادية، وكذلك رغبة السعودية في معرفة ردود فعل الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وإلى أي مدى ممكن مقاومة الإرادة السعودية القوية بإمكانياتها المالية وتحالفاتها وتأثيراتها على المستويين العربي والإسلامي، فإن حدثت مقاومة، وأثارت هذه الدعوة مقاومات، فهي فرصة للسعودية ولدول الخليج لتحقيق رغبة قديمة موجودة لدى هذه الدول التي تنظر إلى باقي دول الجامعة كدول فقيرة، وتحتقرها كما يحتقر الأغنياء الجدد الفقراء، فدول الخليج تنظر إلى شعوب الدول الأخرى الأعضاء في الجامعة العربية بأنها مجرد طامعة في ثرواتها لا غير، فإن كانت هناك مقاومة للإرادة السعودية والخليجية، فهي فرصة للخروج نهائيا عن هذه المنظمة الإقليمية مادام لا تسيطر عليها، وتجعلها مجرد أداة لخدمة مصالح دول الخليج، وعلى رأسها السعودية.

كما أنها يمكن أن تكون فرصتها لإطلاق رصاصة الرحمة عليها وإنهائها في إطار مشروع كبير وراءه أمريكا والكيان الصهيوني مبني على وضع أسس لنظام إقليمي شرق أوسطي وشمال أفريقي يضم حتى الكيان الصهيوني على حساب نظام إقليمي عربي، خاصة أن العالم العربي مقبل على حرب باردة جديدة بفعل بداية بوادر ثنائية قطبية نتجت عن الحرب الروسية- الأوكرانية لأن دول جامعة الدول العربية ستنقسم بين المعسكرين الغربي بقيادة أمريكا والمعسكر الروسي- الصيني كما وقع أثناء الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بقيادة أمريكا والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي

*حضور بشار الاسد كان الحدث الابرز، ما الدوافع او ما الفلسفة التي دفعت إلى دعوة بشار الاسد إلى هذه القمة؟

دعني اطرح السؤال بصيغة اخرى، لماذا طردت الجامعة العربية سوريا واستقالت عنها وبعد ذلك اصبح الوضع السوري هو مسألة روسية وايرانية وتركية وامريكية واسرائيلية، وانسحب كل العرب بشكل تدريجي واصبح النأي بالنفس هو الاساس، واصبح لسوريا موفدين روس وامريكيين واوروبيين والعرب خارج المسألة؟ ما صدر عن وزارة الخارجية السعودية عندما دعت وزير الخارجة السوري قالت: دعوناه لكي نناقش معه المسائل الانسانية عقب الزلزال ونناقش معه سبل التسوية السياسية، ثم بعد ذلك يأتي الامين العام للجامعة العربية ان هذه فرصة لسوريا لكي يساهم العرب في الحل السياسي طبعا ام يذكر القرار ٢٢٤٥ ولكن بمعنى آخر ان امام سوريا حالياً تحديات معينة وهذه التحديات عربية وان كانت تريد سوريا الاستفادة هناك مجموعة من الشروط، وحتى المنابر السورية ووسائل الاعلام التابعة للأسد  تقول ان هذا التعاون السوري هو الذي أدى لعودتها للقمة.

*لو اراد الاسد ان ينخلع من تحت عباءة النفوذ الايراني والروسي فلن يستطيع، لأنه بات رهينة لداعميه، وبالتالي هل اعادة الاسد إلى الجامعة العربية يأتي ضمن رؤية؟ ام هي فقط اعادة تأهيل لهذا النظام؟

الرؤية هي انه فشلت الخطط السابقة في افشال نظام الاسد لذلك الآن هناك وضع عالمي جديد، هناك مشاكل كثيرة في العالم ولم يعد الوضع السوري هو الابرز مثلما كان سابقاً، فالآن هناك احداث ابرز غطت عليه كمشاكل الصين وتايوان وروسيا واوكرانيا، فالنظام السوري صمد بمساندة حلفاؤه ولكن من تحمل اعباء الصمود هو الشعب السوري، فهناك ١٤ مليون موزعين ما بين لاجئ ونازح داخل وخارج سوريا، فالعالم العربي اخذ رؤية براغماتية، وانه مازال هذا النظام قد بقي فأنه يجب ان يتم التفاعل مع سوريا مجددا، فهناك شعب سوري وهناك دولة عربية اسمها سوريا وهذه الدولة يجب ان يتفاعل العرب معها، وبالمجمل نحن نأمل ان يخفف هذا التفاعل من غلو النظام وجرائمه بحق الشعب السوري، وان يكون هذا النظام اكثر انتماء للمنطقة العربية بدلا من الانحياز إلى ايران والخضوع لروسيا.

*بشار الاسد في كلمته بالقمة العربية تحدث عن نظرية الاحضان، والتنقل بين الاحضان، وكلنا يعلم ان نظام الاسد لن يستطيع الانعتاق من النفوذ الايراني، وبعد كلما ما قام به بحق الشعب السوري، بالنسبة للعرب كيف نظرتهم وهم يعيدوه للجامعة العربية؟ وعلى اي اسس؟

العلاقات الدولية والعلاقات بين الدول لا تخضع لكل هذه المعايير فالاهم هي المصالح والواقع بالنسبة للخرائط الدولية كيف كانت قبل ١٢ عام وكيف هي الآن، ومن ثم هناك شعور إن هذه الازمة لن تنتهي وهي في حالة تعفن دائم وهذا غير مفيد للمنطقة وللجوار، والحل الوحيد هو من خلال تسوية سياسية والتي لم تأت من قبل بسبب ايران وروسيا وحتى بالقرار ٢٢٤٥ وحتى بشروط الدول المانحة وقولهم اننا لن ندخل اي اموال إلى سوريا لإعادة الاعمار واعادة اللاجئين قبل تسوية من خلال القرار ٢٢٤٥ ولكن ايضاً هذا الموقف غير مفيد واقعياً، فغالباً الدول العربية بالنسبة لسوريا لن تنفذ القرار ٢٢٤٥ ولكن تبحث فيه وتجد له مستوى آخر، وكذلك مشكلة العرب في سوريا كانت موضوع ايران، ولكن عندما تذهب السعودية اتجاه المصالحة مع ايران يصبح الموضوع السوري موضوع فرعي وليس اصلي، واليوم ايضاً بالدخول الصيني قد يساهم في المنطقة كاملة في المصالحات بين السعودية وايران وكذاك المصالحات العربية السورية، لذلك العرب الآن في حالة تجريب، ففي القريب العاجل لن تكون هناك اي تسويات في سوريا بسبب تصدع النظام العالمي في ملفات اخرى، وهذا ما يريده النظام السوري.

*واخيراً اختتم معك، عودة الاسد إلى القمة العربية، إلى اي مدى ان ذلك هو اعلان لانتصار الاسد؟

في الوقت الذي كان من المنتظر سوقه إلى العدالة الدولية، وكان الأجدر من الاشقاء العرب ان يقودوه إلى المحاكم الدولية وفرض عقوبات عليه وعلى كبار شخصياته، فأن عودته إلى القمة العربية كانت مخذلة صراحة لجميع الشعب السوري والشعب الحر في العالم اجمع، وان كان بشار الاسد يضن انه انتصر فهو واهم، فهو عاد لأن العرب غيروا مواقفهم، وهو الآن اضعف من اي وقت مضى فسوريا اصبحت ضعيفة ومقسمة، وان بقاء بشار الاسد في السلطة لا يعني انه انتصر، ومستقبل الاسد اساسا في خطر بسبب ان روسيا لديها مشكلة بالحرب مع اوكرانيا والبحث عن السلاح ايضاً وكذلك ايران لديها ازمات لا تنطفئ وحصار دولي يضعف قدرتها على دعم النظام السوري، فمسألة النصر والزهو والافتخار هي مسألة اعلامية فقط لأن الواقع مختلف تماماً ومعروف لدى الجميع.