لكل السوريين

سياسي سوري.. أي انهيار لقسد يعني تسليم شمال وشرق سوريا للفصائل الإرهابية المدعومة تركياً

حاوره/ مجد محمد

أكد سعيد سعدو؛ أن الإدارة الذاتية هي جزء لا يتجزأ من سوريا واي خطوة اقتصادية او عسكرية لإضعافها، تعتبر خطوة لتسليم شمال وشرق سوريا للفصائل الإرهابية، ومشروع الإدارة الذاتية مشروع سوري وطني لا يتعارض مع المقررات الدولية؛ لا سيما القرار ٢٢٥٤.

شهدت منطقة الشرق الاوسط في الآونة الأخيرة تحولاً كبيراً في العلاقات التي لها تداعيات وتأثيراً مباشراً على الصراعات الإقليمية، وتفرض المتغيرات على كافة الحكومات والقوى الموجودة في المنطقة، فشاهدنا زخماً في حركة المصالحات، والتطبيع بين القوى والحكومات المتصارعة والمتنافسة، وأبرزها عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وما رافق ذلك من إعادة الكثير من الدول العربية النظر في علاقاتها مع دمشق، والتي أدت إلى إعادتها إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى التوجه التركي لتطبيع العلاقات مع كل من دمشق ومصر، والدول الخليجية وإسرائيل.

وبما ان الإدارة الذاتية جزء من سوريا، والتي تعتبر بلداً عربياً، فهل هذه التغيرات الأخيرة من مصالحات وتطبيع، سيكون لها تأثير على الكرد والادارة الذاتية في المنطقة، وهذه ما دار بين صحيفتنا “السوري” والمحلل والباحث السياسي الاستاذ سعيد سعدو:

*استاذ سعيد مرحباً بك بداية، بعد كل هذه المتغيرات التي ذكرتها، وكذلك الاجتماعات الثلاثية والرباعية كان موقف تركيا وملفها الاساسي على طاولة الحوار هو محاربة مناطق الادارة الذاتية، ما رأيك بذلك؟

اهلا بك، للجواب عن هذا السؤال دعني اعود بك إلى الماضي، ففي الماضي حصلت ايضا خلافات واتفاقات  بخصوص الكرد ومناطق الشمال السوري التي تعتبر حاليا منطقة الادارة الذاتية، وفي موقف مشابه عام ١٩٩٨ تمت اتفاقية أضنة، حين تصاعد التوتر بين سوريا وتركيا في فترة حكم الرئيس السابق حافظ الأسد، عقب أزمة أدت إلى حشد تركيا جنودها على الحدود السورية، بهدف تنفيذ عمل عسكري، إلا أن وساطة شاركت فيها جامعة الدول العربية ومصر وإيران، حالت دون ذلك، وحينها أيضاً لعب الرئيس المصري حسني مبارك دور الوساطة بين أنقرة ودمشق، وأفضت إلى إبرام اتفاقية أضنة، والتي كانت ولا زالت تستخدمها تركيا لضرب الكرد ومناطق الادارة الذاتية في سوريا، من الواضح أن وساطات الدول العربية حينها في إنهاء الصراعات ما بين كل من تركيا مع سوريا كانت على حساب الكرد وحساب ابناء الشمال السوري، ولكن الماضي لا يمكن تكراره الآن لأن التوقيت مختلف والوضع مختلف والابعاد مختلفة والسيطرة على ارض الواقع ايضا السوري.

*لماذا لا يمكن تكرار السيناريو الماضي، مثل ما حدث في اتفاقية اضنة؟

جواب هذا السؤال واسع جدا، وعميق ايضا ولكن دعني الخصه لك برؤوس اقلام، لا يمكن تكرار الماضي لأسباب وأهداف العودة العربية إلى سوريا، وكذلك والوضع الكردي ومشروع الادارة الذاتية في الوقت الراهن، والموقف الأمريكي والغربي مما يجري في سوريا الآن.

*إذا دعنا نتعمق، ونبحث في اسباب واهداف الدول العربية في العودة على سوريا، وتأثيره على منطقتنا خصوصاً..

إن كانت الدول العربية لجأت سابقاً إلى تقديم الكرد كـ “كبش فداء” للمصالحات مع تركيا، لحماية النظام الحاكم في سوريا، فإن الوضع الراهن أكثر تعقيداً، ولم تعد الورقة الكردية وحدها كافية لذلك، وبالتالي فإن عودة الدول العربية بهذا الزخم إلى دمشق، وخاصة بعد المصالحة السعودية الإيرانية، مردّه إلى خشيتها من فقدانها لسوريا كجزء من الوطن العربي، لأنه لم يتبق من سوريا أي رابط مع الدول العربية، سوى اسم “الجمهورية العربية السورية” الشكلية.

ولكن عملياً فإن سوريا مقتطعة جغرافياً وسياسياً عن الوطن العربي منذ أكثر من عقد على يد إيران وتركيا، والمفارقة، أن القسم الوحيد المتبقي من سوريا خارج عن سيطرة النظامين الإيراني والتركي هذه المرة هي مناطق الإدارة الذاتية، والتي يتشارك فيها الكرد مع العرب وباقي المكونات إدارتها، وبما أن الدول العربية تدرك حقيقة أن كل من تركيا وإيران لديهما أطماع احتلالية مستدامة في هذا البلد العربي وليست مجرد أطماع لمد النفوذ، كما في الحالة الروسية والأميركية.

لذا كان ملاحظاً أن الدول العربية، وخلال لقاءاتهم مع ممثلي الحكومة السوري أو الجانب التركي والإيراني لا يهاجمون في بياناتهم وتصريحاتهم الإدارة الذاتية أو الكرد، بل وحتى حين حديثهم عن ضرورة محاربة “الإرهاب” في سوريا فإنهم يتركون هذه الكلمة فضفاضة دون تحديد من هم “الإرهابيون”، الذين يجب محاربتهم، ولكن المعطيات تشير بأنهم لا يقصدون بها بكل الأحوال قوات سوريا الديمقراطية، لأنه لم تصف أي من الدول العربية، لا قبل موجة المصالحات ولا بعدها، “قسد” بأنها “إرهابية”، فيما يصفون العديد من الجماعات والفصائل والميليشيات المدعومة من تركيا وإيران بأنها “إرهابية”، والمواقف العربية هذه تحسب لصالح الإدارة الذاتية، حتى وإن لم تفتح الدول العربية علاقات مباشرة معها، ولا شك، أن إعادة تعويم الأسد، سيعني سحب الدول العربية الشرعية من “الائتلاف السوري المعارض” الذي يقوده الإخوان، وهذا أيضاً سيعتبر ورقة، تحسب لصالح الإدارة الذاتية، التي ستبرز كقوة سورية معارضة وطنية، يمكن إشراكها في الحل السوري، فيما يمكن للموقف المصري، الذي يصر على الانسحاب التركي من سوريا، أن يكون له تداعيات إيجابية على الإدارة الذاتية أيضا.

*مشروع الادارة الذاتية في الوقت الراهن، ما مقومات نجاحه كي لا يتكرر سيناريو اضنه؟

الظرف في المنطقة اليوم مختلفة، والأوضاع السياسية والعسكرية، والخطاب السياسي للإدارة الذاتية في سوريا بات مختلفاً، وأكثر قوة ونضجاً من كافة النواحي، مقارنة بما قبل عقد من الآن، فعسكرياً، العرب والكرد والسريان وباقي المكونات والطوائف شكلوا “قوات سوريا الديمقراطية”، والتي أصبحت شريكة لقوى التحالف الدولي بقيادة أميركا، وهذه القوات أثبتت قدرتها في حروب مكافحة الإرهاب، وحماية شعوب المنطقة، ومثلت نموذجاً لقدرة الكرد والعرب للتكاتف في وجه المخاطر والتهديدات التي تواجههم.

وبالتالي، ورغم أن الدول العربية والخليجية لا تتعامل بشكل مباشر مع “قسد”، إلا أنها تدرك حقيقة أن هذه القوات باتت النموذج المشرق الوحيد في سوريا، المختلف عن “الجيش السوري” ذو الطابع الطائفي والذي يهمين عليه إيران وميليشياتها، ويختلف عن فصائل المعارضة وباقي الجماعات الجهادية ذات الطابع الديني المتطرف، والتي يهمين عليهم تركيا والإخوان المسلمين، وكلاهما يعتبران تهديدا للأمن القومي العربي، وبالتالي، فإنه ليس من مصلحة الدول العربية هذه المرة المشاركة في أي اتفاقيات جديدة مع تركيا للقضاء على “قسد”، التي يمثل أبناء العشائر العربية الغالبية فيها، لأن أي انهيار لقسد سيعني تسليم ما تبقى من سوريا للميليشيات الإيرانية أو الفصائل والجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا، وهذا ما لا ترغب به الدول العربية.

*ذكرت لي عسكرياً، هل توجد ايضا اسباب سياسية جديرة وكبيرة؟

بالتأكيد، من الناحية السياسية، أثبتت الادارة الذاتية في سوريا صوابيه رؤيتها، وذلك عبر تبنيها “الخط الثالث” من الصراع والأزمة الدائرة في سوريا، فلا هي وقفت مع النظام ضد الثورة السورية، ولا أصرت على مطلب إسقاط النظام، وفي نفس الوقت لم يرتهنوا لتركيا مثلما فعلت المعارضة السورية، التي تجد نفسها اليوم في موقف حرج بعد عودة تركيا للتطبيع مع النظام.

ومن جهة أخرى التأكيد على أن الإدارة الذاتية هو مشروع سوري وطني وبأنه لا يتعارض مع المقررات الدولية، وذلك عبر إطلاق الإدارة الذاتية – بتاريخ ١٨نيسان ٢٠٢٣، وبالتزامن مع زخم الانفتاح العربي على دمشق (مبادرة) للوصول إلى حل سياسي سلمي للأزمة التي تعيشها البلاد، وتشمل جميع الأطراف، ولا تتعارض مع المقررات الدولية، لا سيما القرار ٢٢٥٤، وتعتبر بنود هذه المبادرة في هذا التوقيت خطوة ذكية من قبل الإدارة الذاتية، أحرجت النظام السوري وتركيا، حيث تضمنت المبادرة تسعة بنود، أبرزها الاعتراف بوحدة الأراضي السورية، واعتماد نموذج اللامركزية في الحكم، وتوزيع عادل للثروات بين كل المناطق السورية، والاستعداد لاستقبال اللاجئين السوريين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ومكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وكل ذلك من خلال حوار سوري- سوري بدعم عربي ودولي، يقضي إلى تحقيق الاستقرار في البلاد واستعادتها عافيتها، وكذلك حديثها عن الاستعداد لاستقبال اللاجئين السوريين، وسط تحول قضية اللاجئين في تركيا ولبنان إلى معضلة يصعب حلها، وتهديد البلدين بطرد اللاجئين، دفعت الكثير من القوى السورية والعربية والدولية، لإعادة النظر في حقيقة هذه الإدارة، ورؤيتها على أنها يمكن أن تمثل الحل للكثير من مشاكل السوريين، ومن أبرزها قضية اللاجئين، وهذه بطبيعة الحال ستحسب كورقة سياسية قوية للإدارة الذاتية أمام الدول العربية والمجتمع الدولي، وما يكسب هذه المبادرة الأهمية، هو تبنيها أيضاً للقرار الأممي ٢٢٥٤، والتي جاءت متوافقة مع مواقف الدول العربية من الأزمة السورية، وفي المحصلة، حتى عودة دمشق لجامعة الدول العربية لن يكون لها أي تأثير على واقع الإدارة الذاتية، باعتبار أن عودة دمشق للجامعة العربية لا تعني التوافق العربي على استدامة حكم النظام على سوريا، بل ستكون إعادتها إلى مقعدها خطوة للأخذ بيد سوريا نحو الحل السياسي.

*الوجود الامريكي في المنطقة، وموقفها مما يحصل في سوريا، هو ثالث الاسباب التي ذكرتها لعدم تكرار سيناريو اضنة، كيف ذلك؟

لا شك أن للحضور الأمريكي المباشر هذه المرة على الأرض السورية، وشراكته ضمن التحالف الدولي مع قوات سوريا الديمقراطية، له دور كبير في دفع الدول العربية لإعادة حساباتها في اتخاذهم أي قرار يخص مناطق الإدارة الذاتية، فاتخاذهم أي اتفاق مع تركيا وإيران ودمشق فيما يخص مناطق الإدارة الذاتية يجب أن يمر بالموافقة الأمريكية، لأنه بدون تلك الموافقة، كل الاتفاقيات لن يكون لها أي تأثير مع استمرار الوجود الأمريكي، وما يشير بأن هذا الانفتاح العربي على دمشق يحظى بشكل ضمني بموافقة أمريكية، هو أنه في وقت اعتبرت الولايات المتحدة أن النظام السوري لا يستحق العودة إلى الجامعة العربية، إلا أنها أشارت إلى أنها لم تمارس ضغوطاً على حلفائها، لمنعهم من التطبيع معه، فيما قال المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا “جويل ريبرون” إن مسؤولين كباراً في الإدارة الأميركية الحالية أعطوا دولا عربية ضمناً الضوء الأخضر للتطبيع مع النظام، مشيراً إلى أن إدارة بايدن فضلت التطبيع مع النظام على أن ترعى روسيا صفقة بين دمشق وأنقرة.

* الحوار معك ممتع جداً، ومطمأن لمستقبل المنطقة، المجال مفتوح لك، كلمة اخيرة تحب ان تقولها..

شكرا لك، من الملاحظ أن الانفتاح العربي على دمشق يهدف إلى حل سياسي، والانتقال إلى الانتخابات، وفق دستور جديد، يحدد فترة ولاية الرئيس وصلاحياته، وإجرائها تحت مظلة دولية أو عربية أو مشتركة، وسيعني محدودية دور النظام في مستقبل البلاد، ويبدو أن النظام يعتقد بأن أي تقدم نحو الحل السياسي وفق المرجعية الدولية، ولو بنصف خطوة، سيقربه نحو نهايته وزواله دون شك.

وبالتالي فإن مبدأ خطوة مقابل خطوة عربياً، سيصطدم بالكثير من العراقيل المحلية للحل السوري، هذا عدا عن عشرات العقبات القانونية والسياسية على المستوى الدولي والعربي، في مقدمتها ثلاث إدانات بحق النظام باستخدام السلاح الكيماوي والمطالبة بمحاسبة النظام بعد الحل السياسي، وإن ما يميز مبادرة الإدارة الذاتية، ويجعلها قابلة للتطبيق، هو عدم وضعها شروط مسبقة لأي خطوات نحو الحل، فالحل بموجب المبادرة هو ما يتفق عليه السوريون عبر الحوار، إن هذا الموقف للإدارة الذاتية هو أهم ما جاء في نص المبادرة، ويبين عدم صحة ما ينسب لها من وجود خطوط حمراء لديها لن تسمح بتجاوزها، ومن هنا يجب على مجلس سوريا الديمقراطية الأخذ بيد هذه المبادرة والتحرك بها، ووضعها على طاولة القوى الدولية والعربية، وتوضيح وشرح كافة بنودها، ليدركوا أن هذه المبادرة يدور في إطار القرار الأممي ٢٢٥٤، وبالتالي إزاحة كافة التصورات المغلوطة والشكوك والمخاوف، التي تنتاب بعض القوى الدولية والحكومات العربية حيال ما يصدر عن الإدارة الذاتية من مواقف.