لكل السوريين

تعدد الزوجات.. الحرب تفرض كلمتها

“كل ما أطلبه هو العدل، لا شيء سوى العدل في المعاملة والاهتمام”، هذا ما قالته السيدة السورية “أم محمد” لدى حديثها عن زواج زوجها بأخرى قبل فترة.

“أم محمد” هي واحدة من “الكثير من السيدات السوريات اللاتي تزوج عليهن أزواجهن بأخرى في ظل ظروف الحرب التي تشهدها البلاد منذ العام 2011″، وهو ما تؤكده تصريحات مصدر قضائي مسؤول من واقع سجلّات المحكمة الدلية في حمص، حيث ارتفعت حالات الزواج لرجال تزوجوا من امرأة ثانية”، ويرتبط ذلك وبحسب المصدر بـ “ظروف الحرب” في تقديره.

المصدر القضائي المسؤول ساق إحصائية من واقع سجلات المحكمة العدلية في حمص، تكشف عن أن نسبة 40% من الزيجات التي تم تسجيلها خلال العشرة سنوات الماضية هي لرجال تزوجوا من امرأة ثانية.

وعن أسباب ربط زيادة نسبة “الزواج الثاني” بالأزمة التي تعيشها سوريا، قال إن الأمر مرتبط بزيادة نسبة تأخر سن الزواج (ما يطلق عليه العنوسة) التي بلغت 65%، علاوة على أن كثيراً من الأسر فقدت عائلها ومعظم الرجال فيها. لكن المصدر القضائي أبدى تعجبه في الوقت ذاته لزيادة نسب الزواج الثاني في ظل ارتفاع كلفة الزواج عموماً، وذكر أن إحصاءات رسمية حددت حاجة الأسرة السورية شهريًّا تفوق 300 ألف ليرة لتلبية احتياجاتها المعيشية.

لم تُخف “أم محمد” البالغة من العمر 36 عاماً من مدينة حمص (وسط سوريا) في حديثها وإن بدت متحفظة بعض الشيء، حجم المعاناة التي تعيشها بعد زواج زوجها بأخرى، وتقول: “حقيقة هو لا يقوم بواجبه كاملاً تجاه العائلتين معاً.. هو مقصر في حق أبنائه مشتتاً بين عمله وزواجه الثاني حتى وصلنا في بعض الأحيان لمرحلة الطلاق”.

العدل

وتتابع السيدة أم محمد، وهي أم ثلاث بنات وصبيين، إن زوجها تحجج بأنها “لا تقوم بواجباتها فتزوج عليها”. وقالت إنها ليست ضد الشرع الذي أحل للرجل الزواج من أربع، ولكنها تطلب عدلاً حقيقي، فالشرع أمر بالعدل.

والغريب أن “ما نراه من زيجات ثانية بين أوساط السوريين لذوي الدخل المحدود أو المعدمين فهو ناشئ عن الزواج العرفي بعيدًا عن الضوابط المذكورة، حتى أن أحد المقيمين في مركز للإيواء، تزوج من امرأتين في المركز نفسه”.

مسألة تراجع عدد الذكور والتي نتج عنها في الوقت ذاته زيادة نسبة تأخر سن الزواج (العنوسة) في صفوف الفتيات، أسهم في زيادة معدلات زواج الرجل السوري من أخرى.

ظروف استثنائية

وبحسب أكاديميين أن الأوضاع والظروف في سنوات الحرب والنزوح والتنقل والهجرة أدت إلى اضطراب العلاقات الاجتماعية وتفكك البنى الأسرية، وأصبح الأهالي يشجعون أبنائهم على الهجرة لحمايتهم من أخطار الحرب كما ازدادت حالات الطلاق وتعدد الزوجات وزواج القاصرات وكثير من الظواهر الاجتماعية الأخرى.

وهنالك الكثير من الأسر بدون ذكور، وتراجع معدلات الزواج إضافة إلى ارتفاع نسبة الأرامل؛ فهناك أرملة بين كل ست نساء، مع كل ما يعنيه ذلك من أوضاع صعبة للأرامل، بعضهن يتعرضن للتحرش الجنسي والإهانة وكل أشكال الابتزاز، إضافة إلى العزلة والقلق والاكتئاب”. تلك الأسباب كانت بعضها كفيلة بزيادة نسب تعدد الزوجات في سوريا خلال السنوات الماضية.

دوافع مختلفة

ولا شك أن هناك دوافع أخرى عديدة ومتباينة لدى السوريين سواء داخل أو خارج سوريا، فحال السوريين كغيرهم من الشعوب التي تعرضت للنكبات والصدمات التي نالت من بنيتها ومنظومتها الفكرية والاجتماعية والأخلاقية.

هناك دور مغيب للدولة يتمثل في ضرورة توفير إمكانات الزواج للشباب وتيسير السكن لهم وتحسين ظروف المعيشة والإفراج عن المعتقلين وعودة اللاجئين لحياة آمنة.

والزواج الثاني يعتبره البعض مخرجاً اجتماعياً للأزمة التي يعانون منها، ويرون أن هناك دوراً مغيباً للدولة يتمثل في ضرورة توفير إمكانات الزواج للشباب وتيسير السكن لهم وتحسين ظروف المعيشة والإفراج عن المعتقلين وعودة اللاجئين لحياة آمنة، وتعديل بعض القوانين المتصلة بذلك للمساهمة في تخفيض المشكلة وتداعياتها، إضافة إلى ضرورة تسريح عشرات الآلاف من الشباب ممن هم في الخدمة العسكرية طيلة ثماني سنوات (إلزامية أو احتياطية)”.

ويتحمّل المجتمع المدني دوراً كبيراً في توعية المجتمع بكل فئاته بسلبيات الزواج الثاني، بل أهمية الزواج الأول عند الشباب قبل الحديث عن الزواج الثاني الذي ربما إن توفرت عوامل نجاحه يكون مقبولا ولا شك أنه ضمن حالات خاصة فقط، على حد قوله.

أسباب أخرى

البعض يرى الزواج الثاني بشكل عام أن له عدة أسباب، من بينها من وجهة نظر الزوج أن المرأة ليست قادرة على تحمل مسؤولية الأطفال ومسؤولية المنزل، وربما لا تعرف كيفية التعامل مع أطفالها، وذلك على رغم أنه في المقابل ومن جهة الأب من الممكن أن يكون مستهتراً وعاطلاً عن العمل وغير قادر على تحمل مسؤولية عائلته، وهذا كله يولد مشاكل عديدة.

على الرغم أن الزواج الثاني محلل شرعاً ولكن المجتمع يرفضه.. ومن بين أسبابه أيضاً بحث الرجل عن أسلوب حياة جديد غير المعتاد عليه مع زوجته، أو أن هناك أموراً غير قادر على أن يتأقلم مع زوجته فيها.

ومن جهة أخرى من الممكن أن تكون الزوجة تعاني من مرض ما، وبالتالي لن تستطيع القيام بأعمال منزلية أو بمتطلبات الزوج، هنا سيسعى الزوج إلى أن يتزوج زوجة ثانية، وهناك أسباب أخرى كالفارق الثقافي والدراسي له دور مهم في ذلك.