لكل السوريين

عادات بقيت وأخرى اختفت بسبب الأزمات.. كيف تستقبل النساء عيد الفطر

تغيب عن عيد الفطر لهذا العام عادات وطقوس اعتاد السوريون ممارستها في أعيادهم بفعل الحرب والظروف الاقتصادية، فيما حافظوا على جزء منها كونها تمتلك بعدا إنسانياً كبيراً في ذاكرتهم.

تقول رابية “٧٥” عاماً عن عادات وطقوس عيد الفطر التي اعتادت ممارستها وعائلتها في أيام العيد، وتعتبر أن عادات أيام زمان كانت أكثر أصالة. وحلوى العيد كانت الجزء المفضل لديها وأهالي الحي فالطقوس التي ارتبطت به حيث يجتمع النسوة حول التنور لصناعة فطائر العيد. من المحمرة والزلابية.

تلك المناسبات كانت فرصة لتقوية أواصر الجيرة والمودة، كما كان للفقراء والسائلين حصة من هذه المأكولات حسب الخالة رابية. فتقول: «كنا ندفع زكاة أموالنا من هالأكلات لكل حدا يدق الباب. فيما تغيب اليوم هذه العادات عن قريتها بسبب الأوضاع الاقتصادية وعدم مقدرة أهالي الضيعة على تحمل تكاليف صناعتها. ما عاد للعيد نفس النكهة»، تقول السبعينية.

خالدية العلي 44 عاما تحولات عادات وتقاليد قريته “الشبطلية” بريف اللاذقية الشمالي. وحسب الرجل فإنّ ما حافظت عليه المنطقة لا يتجاوز 5٪ من العادات والتقاليد التي بقي مابقي منها وغاب ما غاب.

تقول: «قبل سنوات الحرب كان الناس يهنئون رجال القرية من علماء دين ومخاتير ثم الأهل والأقارب بعد صلاة عيد الفطر مباشرة. أما اليوم فالتكنولوجيا لم تبقِ على شيء من تلك التقاليد الجميلة فتبادل المعايدات أصبح عبر وسائل التواصل. لا تقتصر طقوس العيد على الاجتماع في البيوت بل كانت تعقد حلقات الدبكة في الساحات وتنصب أراجيح الأطفال وتذبح الأضاحي».

يردف بالقول «عادات زمان كانت تزين المنطقة، ومهمة الحضارة أن تقتصر على تسهيل الحياة اليومية لا تغيير الفولكلور».

عيد حلب ليس بالإمكان كما كان

وتأسف عليا من حلب، عن امتناعها للذهاب إلى المقبرة في صباح عيد الفطر. فزيارة المقبرة للترحم على الأموات من العادات التي كان الحلبيون يواظبون عليها في عيدي الفطر والأضحى. لكن الأوضاع الاقتصادية حالت دون ذلك للعيد الحالي، وتقول عليا أن السبب الرئيسي لعدم قدرته هذا العام لزيارة المقابر عدم توفر وسيلة نقل تقله للمقبرة بمنطقة النقارين على أطراف المدينة، «فالوصول للمنطقة يكلف أعباء إضافية لا قدرة لنا على تحملها».

وتضيف أنه «قبل سنوات بقينا متمسكين بالحفاظ على تقاليدنا المتوارثة خلال أيام العيد حيث نذهب في اليوم الأول لصلاة العيد. وبعدها إلى المقابر ومن ثم يتبادل الرجال بين بعضهم ما يسمى “عيدية الرجال” قبل أن يعودوا إلى منازلهم ويتوجهوا ظهراً. إلى تبادل الزيارات بين الأهل والأقارب والمعارف. «لكن ليس بالإمكان كما كان» يقول الشاب.

تغيب أطعمة العيد هي الأخرى عن موائد غالبية الحلبين، الأطعمة التي تبهج العين والمعدة سوية بشكلها الجميل ورائحتها الفواحة. فتحضير (السماقية – أرمان – شيش برك – سفرجلية – كبب) يحتاج لميزانية باهظة تصل إلى 300 ألف ليرة كحد أدنى. ولا قدرة لكل العائلات على تحملها.

تقول “غفران” من حلب وفي عقدها الثالث من العمر. أن عادة اجتماع أفراد العائلة على الطعام وتبادل الزيارات وإعداد الولائم بين بعضهم ستغيب هذا العيد ولن تجتمع مع أفراد أسرتها. وتلفت أن السفر شتت العائلة وغيب العادة المفضلة لديها في العيد، وتضيف «لا معنى لأي سفرة دون اجتماع العائلة حولها. ولا قدرة على تحمل تكاليف تحضيرها في الوقت الحالي حتى لو اجتمعنا مرة أخرى».

عيد دمشق بلا تعزيلة

بحي المهاجرين الدمشقي، ضمن منزل (أم عبدو )، ولسنوات عديدة اعتادت ابنتها أم هيثم (65) عاماً وإخواتها الاجتماع في وقفة العيد لتعزيل منزل العائلة. وهي من العادات المتوارثة لدى الدمشقيين خلال الأعياد والمناسبات.

التعزيلة التي لامفر منها مهما كان المنزل نظيفاً ومرتباً فهي واجبة ومستحقة لإكتمال طقوس العيد. تقول”أم هيثم: «كنا نقضي يوم الوقفة عند بيت أهلي أنا وكل أخواتي وأولادهم ونبدأ بتحضيرات استقبال العيد. صرنا نجتمع عالموبايلات أكتر لأن كل واحدة فينا باتت في مكان بعيد عن الأخرى. وحتى التعزيل كل مين يشتغله بالمكان المتواجد فيه ونتواصل مع بعض أثناء التعزيل فيديو. حتى نحس أننا مع بعض ونستذكر طقوس العيد وبهجته حتى لو كل شخص ببلد».

عيد ريف دمشق أون لاين وقهوة جاهزة

لم تعد رائحة تحميص حبات البن تخترق نافذة جيران بيت سامية العلي 53 عام، ببلدة حفير الفوقا في القلمون الغربي من ريف دمشق. لتعلن كما الماضي بدء طقوس عيد الفطر، فأصابع الحرب والزمان غيرت ما غيرته بعادات العيد لديهم.

فابن البلدة التي تبعد ٣٥ كم عن دمشق، يفتقد كما حال بلدته لعادة تحضير القهوة المرة من التحميص إلى الطحن والغلي قبل العيد بيوم. عند أغلب بيوت الضيعة ليستبدلها بالقهوة المسبقة التحضير أو الجاهزة في الأسواق.

وتضيف سامية: «الحرب غيرت عادات وطورت أخرى، في السابق اهتم الناس بفرش طاولات كبيرة بأفخر أنواع الضيافة تجلب عادة من السوق. بالإضافة إلى معمول البيت التي تصنع سيدات البيوت ولكن اليوم الظروف الاقتصادية جعلت منها تقتصر على المعمول فقط».

أما زيارة المقبرة فتغير ما بعدها من زيارات متبادلة بين أهالي البلدة وصارت بحسب البحري تقتصر على الأقارب فقط. ويستغنى عن بعض الزيارات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

يشبه حال بلدة حفير الفوقا، مدينة الرحيبة رغم البعد الجغرافي بينهما، شرقا وغربا فالرحيبة تقع على بعد 50 كم شمال شرق دمشق العاصمة في منطقة القلمون الشرقي.

يحز في نفس سناء الحسن 35 عام، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صلة الرحم في الأعياد. مما سببّ اندثاراً للمعايدات بين الأهالي بدون صلة قربة، وغيّب الاكتظاظ من الشوارع بأهالي المدينة الذين كانوا يتبادلون الزيارات فيما بينهم بعد زيارة المقابر صباح أول يوم للعيد.

وتضيف، الوضع الاقتصادي مسؤولية طيّ أغلب العادات القديمة لان كل أسرة أصبح لها حسابات خاصة على حد قولها.
ويروي ابن مدينة الرحيبة عن عادات الضيافة فيها بين الماضي والحاضر التي تقلصت الضيافة من الطبخ للضيف إلى تقديم السكاكر.

وتقول: «لعيد الفطر نكهة خاصة سابقاً على صعيد الاهتمام بالطعام، فكل بيت كان يقدم ما يصنعه من أصناف الطعام من كبة ومحاشي. وأشكال متنوعة للضيف بالإضافة لخبز العيد والأقراص المدهونة بالسمن العربي وأيضا بعض أنواع الحلويات المحلية التراثية. المصنوعة من البرغل والدبس التي تدعى حلاوة الجرش إلى جانب القهوة المرة والسكاكر والمعمول وأقراص العيد أما اليوم الأوضاع الاقتصادية فرضت تغيرا بهذه العادات وغياب الكهرباء».

عيد حمص بلا شاكرية

في حي الخالدية شمالي حمص، تتسلل ترنيمة الأهالي عشية ليلة العيد “يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا”.بهذه الأغنية يستفتح الحماصنة عيدهم حتى قبل قول كل عام وأنتم بخير وتبادل التهاني.

وتتحدث ابتسام 22 عاماً عن الطقوس التي يمارسونها في العيد، فمن الاستيقاظ باكرا وتجمع رجال الحي لأداء تكبيرات وصلوات العيد. إلى بدء طهي “الشاكرية” في طقس يرجع عمره إلى أكثر من خمسين عاما.

وتشرح ابتسام أن خصوصية هذه الأكلة تكمن في أنها ترمز للسلام والمحبة، مع اجتماع كل أفراد العائلة من صغيرها لكبيرها حول السفرة. ويؤكد الشاب أن العيد بلا شاكرية ليس عيدا بالنسبة لهم.

بعد الانتهاء من الفطور تتوجه العائلات لزيارة المقابر حاملين الورود والآس، لمشاركة الراحلين لحظات العيد.

لم تكن أيام العيد الثلاث كافية بحسب” قصي”، لزيارة كل أفراد العائلة «فعائلتنا الكبيرة تتكون من عشرين عائلة، ويجب تبادل الزيارات من قبل الجميع». ويرى ابن حي الخالدية أن هذه الزيارات تسهم في إعادة أواصر العلاقات في حال وجود خلاف ما بين أفراد العائلة، فيكون العيد سببا في إعادة وصل ما تقطع.

بنبرة تملؤها الحسرة، وتتحدث ابتسام عن حالهم اليوم، فالعائلة الكبيرة غادر معظم أفرادها، وتقلصت كمية حلو العيد مع تقلص عدد الأفراد. «أنا بقلها لأمي ما تعملي وتكتري مين رح يزورنا!». وتبدل الاجتماع الكبير لأفراد العائلة خلال العيد إلى مكالمة فيديو لأن الحرب لا تعرف الحب ومعنى أن تجتمع العائلة في يوم العيد.

عيد ديرالزور بلا فاكهة العيد” الكليجة”

لا تنبعث رائحة ” الكليجة الديرية” من منزل السيدة الأربعينية هدى حمدان، بمنطقة الجبيلة في ديرالزور. الحلوى التي تنفرد المدينة الشرقية في إعدادها ويقدمها الديريون في الأعياد والمناسبات.

الكليجة هي واحدة من الطقوس المرافقة لعيدي الفطر والأضحى في الدير، حيث تجتمع النسوة في منزل الأم ويتقاسمن المهام. بين تحضير المكونات وإعداد العجينة والحشوة وشوي الكليجة وصولاً إلى تصنيفها بين كليجة محشية بالتمر وكليجة سادة. ثم تقديمها للضيوف المهنئين بالعيد، وتتنافس الديريات على رائحة الكليجة الأزكى التي ستنبعث من منزلها والأبهى طعماً.

تفتقد السيدة هدى لطقس تحضير الكليجة لعيد الفطر الحالي، حيث بات إعداد الكليجة أمراً مكلفاً ومرهقاً للعائلات الديرية متوسطة الدخل.

تقول السيدة :« أن الكليجة بالنسبة للديرين هي فاكهة العيد لكن إعدادها أو شراءها جاهزة مكلف مادياً. وستغيب الكليجة عن منزلها للمرة الأولى منذ أكثر من عشرين سنة على زواجها».

وتلفت السيدة أنها حافظت وعائلتها على زيارة بيت الجد في اليوم الأول من العيد، فالزيارة من الأساسيات التي تبدأ بها العائلات يوم العيد الأول. لتتبادل العائلات التهاني والعيديات التي أيضاً ستغيب بسبب الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها السوريين.