لكل السوريين

اللحوم الحمراء.. حكرٌ على الأغنياء وبعيدة المنال على ذوي الدخل المحدود

حلب/ خالد الحسين

أزمة اقتصادية خانقة يعاني منها السوريين بعد دخول النصف الثاني من العام ٢٠٢٣ حيث ارتفعت أسعار أغلب المواد التموينية والأساسية وبالتوازي معها ارتفعت أسعار اللحوم في سوريا من جديد، ليصل سعر الكيلو الواحد من لحم الخاروف إلى 180 ألف ليرة في دمشق، أي نحو 15 دولارا، وهو ما يساوي قيمة راتب ونصف للموظف الحكومي.

خلال الشهر الحالي، ارتفعت أسعار اللحوم تلقائيا بنسبة 15 بالمئة، حتى أصبحت حكرا على الأغنياء في سوريا. واليوم، عاد سوق اللحوم للارتفاع مرة أخرى، حتى وصل لحد مستوى قيمة أجور ورواتب الموظفينَ، مما يؤكد عدم قدرة الجهات الحكومية على التحكم والضبط في الأسعار أو تقديم دعم للمنتجين للسماح لهم بخفض أسعار منتجاتهم.

نحو ذلك، قال أحد تجار اللحوم الحمراء في حلب، أن عمليات بيع الخراف بدأت مرتفعة زيادة على سعرها في الشهر الفائت بما يقارب 9 آلاف ليرة للكيلوغرام القائم حين سُجّل انخفاض وصل بسعر الكيلوغرام إلى سعر 31 ألف ليرة، حسبما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية.

التاجر أوضح أن إجمالي عدد الذبائح خلال الشهر الماضي في حلب بلغ 6 آلاف ذبيحة من الخراف بمعدل وسطي قدره 200 ذبيحة يوميا.

كما أشار المسؤول الحكومي إلى أن عدد العجول التي استهلكتها العاصمة خلال شهر بلغ 500 عجلا وبمعدل وسطي بين 15 إلى 20 رأسا يوميا، مبينا أن سعر كيلوغرام العجل القائم اليوم يتراوح بين 70 و 80 ألف ليرة وذلك حسب العجل فلكل عجل سعره وأن سعر الكيلوغرام من الهبرة يصل في السوق اليوم إلى 120 ألف ليرة على حين أن سعر الكيلوغرام منه بعظمه نحو 75 ألفا اليوم.

بالعودة لأسعار لحوم الخراف وفقا للتاجر فإن واقع السعر اليوم للكيلوغرام من دون دهن وصل لسعر 180 ألف ليرة وبلغ سعر الكيلوغرام المجروم 150 ألف، ووصل سعر الكيلوغرام بعظمه من لحمة الفخذ 120 ألفا وللكتف والرقبة والمتلة 100 ألف بينما بلغ سعر الكيلوغرام من الإلية 90 ألفا، وسعر سودة الخروف وصل 88 ألفا والرأس 50 ألفا واللسانات عند 44 ألفا والنخاعات 20 ألف ليرة.

مما لا شك فيه أن هذه الأرقام المذكورة تفوق قدرة النسبة الأكبر من السوريين في الداخل، وهم من الطبقة الفقيرة التي تشكل أكثر من 85 بالمئة من المواطنين اليوم، بالنظر إلى تدني الرواتب والأجور التي لا يتجاوز معدّلها 165 ألف ليرة سورية، أي نحو 13 دولارا، وهذه الرواتب لا تكفي لأيام معدودة، وبشرط أن يكتفي المواطن بشراء المستلزمات الضرورية فقط، وعدم شراء اللحوم وكافة احتياجات الخضار والفواكه.

حول أسباب ارتفاع أسعار اللحوم، فإن مبررات الحكومة كما هي العادة، إذ إما تتمحور حول قلة المراعي وعمليات تهريب المواشي أو استغلال وجشع التجار. حيث أعاد أحد تجار الأغنام ” أبو عبدو ” أسباب عودة ارتفاع أسعار الخراف القائمة لتوافر المراعي بكثرة في فصل الربيع نتيجة الأمطار وهذا ما دعا المربّينَ للإحجام عن بيع الخراف، إذ يستغلون وقت الربيع في تسمين الخراف بالمراعي المجانية، متخلصين من تكاليف الأعلاف.

كما أكد أبو عبدو أن التهريب مازال مستمرا وأنه يساهم بالحفاظ على ارتفاع الأسعار، إضافة لعدم قيام تجار الأعلاف على الرغم من توافر المراعي المجانية بتخفيض أسعارها، فهم يخزنونها لوقت قادم.

على الرغم من أن البيع ضعيف جدا، إلا أن الأسعار لم تنخفض أبدا، كون المربّين سيتوجهون نحو الرعي وبالتالي ستقل الذبائح ما ينعكس على رفع الأسعار وقلة البيع، وهذا ما حصل اليوم بالفعل.

العديد من المراقبين والمعنيين يقولون إن سبب ارتفاع أسعار اللحوم يعود أولا إلى قرار الحكومة السماح بالتصدير، حيث تم تصدير ما يقارب 200 ألف رأس، بالإضافة إلى التهريب وارتفاع كلف الأعلاف والنقل وقلة المراعي الخضراء.

إلا أن السبب الرئيسي وراء هذا الغلاء وفق الخبراء، يعود لتراجع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار والعملات الرئيسية إلى أدنى مستوى على الإطلاق، منذ عام 2011، حيث سجل الدولار بأسواق دمشق اليوم نحو 1300 ليرة سورية ليتأثر السوق بحسب مراقبين، ويتراجع سعر الصرف بنحو 200 ليرة مقابل الدولار خلال يوم واحد ونحو 500 ليرة خلال أسبوع.

في سياق متّصل، فإن هذا الغلاء الفاحش، وتحديدا في أسعار اللحوم بشقّيه الأحمر والأبيض، جعل كل هذه المنتجات بعيدة عن موائد المواطنين السوريين، فتكلفة “الطبخة” الواحدة مكونة من لحمة باتت تتجاوز قدرة معظمهم. فالمواطن بات كل همه الالتفات إلى الأعباء المعيشية اليومية الأخرى والتي تعتبر الأهم بالنسبة لهم، بما في ذلك تأمين الكهرباء والمحروقات والغاز، إلى جانب تأمين الخبز وباقي السلع والمواد الغذائية الضرورية.

بالتزامن مع أسوأ واقع معيشي يواجهه السوريون منذ نحو 11 عاما، خرجت العديد من السلع الغذائية من قائمة مشتريات الأسرة السورية واحدة تلو الأخرى، فبعد أن وصل سعر كيلو اللحم لنحو 180 ألف ليرة، استبعد الكثيرون اللحوم الحمراء بسبب ارتفاع سعرها عن موائدهم ومن ثم صار المواطن يبحث عن بدائل أخرى تُغنيه عن تناول وجبات “الرفاهية”، وفق ما يصفونه.

تقارير محلية عدة كشفت أن الأهالي يبحثون عن بدائل تُغنيهم عن شراء اللحوم، وأصبح المنتج الجديد “كفتة بديل اللحمة” الذي اكتسح أسواق دمشق مؤخرا، وهو منتج نباتي مصنوع من دقيق بروتين الصويا، أحد هذه البدائل. كما توجه نسبة كبيرة من العائلات إلى استخدام الدجاج عوضا عن اللحمة فمثلا “شاكرية بالدجاج أو حشو الكوسا بالقليل من الدجاج”، فيما هناك عائلات استغنت كلّيا عن اللحم والدجاج منذ أشهر وعن طبخات باتت كلفتها كبيرة.

بالاستناد إلى تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار بشكل مهول، ظهرت “عادات أكل” جديدة لدى السوريين عموما، إذ بات الجزارون يبيعون العظام بالكيلوغرام، وبأسعار تصل للآلاف الليرات السورية، ذلك لأن نسبة كبيرة من السوريين باتوا يشترون هذه العظام كبديل للحوم.

الخبراء يرجعون لجوء الأهالي إلى هذه العادات لكون اللحوم بأنواعها خارجة عن قدرتهم الشرائية، فكل يوم تزداد الفجوة بين قيمة الرواتب والمداخيل وأسعار اللحوم الرائجة في الأسواق، وتراجع نسبة شراء اللحوم الحمراء دليل على ذلك، حيث قال اللّحامون مرارا إن الناس باتوا يشترون كميات قليلة من اللحوم بحيث تتناسب مع المبلغ الذي يمكن أن يدفعوه.

الأوضاع المعيشية الخانقة التي يعيشها غالبية السوريين، بسبب الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، واستمرار فقدان الأجور والرواتب، جزء كبير من قيمتها المستحقة بسبب الانهيار القياسي لسعر صرف الليرة السورية مقابل العملة الأجنبية، أصبح الراتب الشهري لا يكفي سوى ليوم أو يومين فقط، وهو ما دفع السوريين إلى البحث عن تأمين احتياجاتهم ومصادر دخل جديدة لهم، والتي تتمثل في العمل بوظيفة ثانية أو الاعتماد على الحوالات المالية الخارجية، وبعض الأعمال الأخرى التي أنتجتها الحرب على مدار السنوات الماضية.