لكل السوريين

الصراع العسكري في السودان.. يعرض البلاد لخطر الانهيار أو التقسيم ولا مؤشرات على وقف قريب القتال

تحقيق/ لطفي توفيق

أدى الصراع المسلح بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، إلى تعريض البلاد لخطر الانهيار أو التقسيم.

وقوّضت الحرب في السودان خطط استعادة الحكم المدني، ودفعت البلاد إلى شفا كارثة إنسانية.

ولا توجد حتى الآن أي مؤشرات جدية على أن أحد الطرفين مستعد للتراجع عن القتال، حيث دفع الجيش بتعزيزات عسكرية من عدة مدن إلى العاصمة، لتشارك في الأعمال العسكرية ضد قوات الدعم السريع وفقا لمتطلبات الميدان، وقابلتها تعزيزات لقوات الدعم السريع جاءت من المناطق الغربية والجنوبية الغربية.

ومع أن اشتباك الرجلين كان متوقعاً، إلّا ان عنف الانفجار بينهما وحجمه وسرعة انتشاره في جميع أنحاء البلاد، فاق كل توقع، وأدى القتال إلى مقتل مئات الأشخاص وترك الملايين محاصرين وسط الاشتباكات والانفجارات وعمليات النهب.

ويبدو أن قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع، يعتبران معركتهما مسألة حياة أو موت، حيث  من المرجح أن يكون المنتصر فيه الرئيس المقبل للسودان، بينما سيواجه الخاسر المنفى أو الاعتقال أو الموت.

وفاقم التدخل الخارجي بالشأن السوداني أزمة البلاد، حيث يتمتع الطرفان بدعم قوى ودول أجنبية، بما يرجّح أن يتحول الصراع بين الجنرالين المتعطشين للسلطة، إلى جولة أولى من حرب أهلية طويلة، ويعطي الفرصة للجهات الإقليمية والدولية الفاعلة في الشأن السوداني لتحقيق مصالحها.

جيش ثالث

رغم هدوء حدة الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع نسبياً خلال الأيام الأخيرة، وجد السودانيون أنفسهم أمام عصابات نهب في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد وغياب أي دور الشرطة السودانية في مواجهة هذه العصابات.

وتحدثت مصادر محلية عن عصابات مجهولة تهاجم السجون وتخرج المساجين وتسلحهم، للقيام بعمليات النهب والسرقة.

وذكرت المصادر أن المواطنين لا يستطيعون الخروج من بيوتهم، بسبب وجود “جيش ثالث” في مواجهة المدنيين العزل الذين لا يستطيعون مقاومته.

وأكدت تقارير صحفية نهب أعداد كبيرة من المحلات، وخاصة متاجر الهواتف النقالة والمواد الغذائية، إضافة إلى اقتحام بعض البنوك والصرّافات الآلية ونهبها.

وأقر والي الخرطوم بأن “الظروف الحرجة التي تعيشها بلادنا وولاية الخرطوم بصفة خاصة والتي ترتبت عليها مشاكل عديدة، حالت دون تمكن أجهزة ولاية الخرطوم من القيام بمهامها على الوجه الأكمل”.

وناشد “المواطنين في كل أنحاء ولاية الخرطوم ولجانهم وتكويناتهم المختلفة برفع حسهم الأمني والمساهمة في تأمين أحيائهم وتفويت الفرصة على من يستغلون الأوضاع الحالية لتنفيذ عمليات نهب وسلب”.

وظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي مناشدات من المواطنين لإعادة تفعيل “لجان الأحياء” و”لجان المقاومة” التي تم تشكيلها خلال أيام الثورة ضد نظام البشير، للحفاظ على ممتلكات المواطنين، وبدأت بعض الأحياء بتشكيل هذه اللجان لحفظ الأمن في مناطقهم.

جبهة مدنية لإيقاف الحرب

أعلنت مجموعة من الأحزاب السياسية والقوى المهنية ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات أكاديمية وإعلامية في السودان عن تشكيل “جبهة مدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية”.

وأكد المشاركون في تأسيس الجبهة أن أهدافها الرئيسية تتمثل “بالعمل على إيقاف الحرب، وإسكات صوت البنادق، والسعي لتوفير الاحتياجات الإنسانية والصحية والخدمية والبيئية العاجلة للمواطنين والمناطق المتأثرة”.

وجاء في البيان التأسيسي للجبهة “سيتم العمل على استعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي الشامل، والإخراج الكامل للمؤسسة العسكرية من الحياة السياسية والاقتصادية، ومواصلة الإصلاح الأمني والعسكري، بما يقود إلى جيش مهني موحد عبر خطوات سلمية وتحت مظلة مشروع انتقالي مدني وطني ديمقراطي”.

وأكد المؤسسون على التصدي لما وصفوه بـ “مخططات النظام البائد لاستعادة سلطته بالثأر من ثورة ديسمبر التي أسقطته”.

ومن أبرز الموقعين على البيان المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، وتجمع المهنيين السودانيين، وحركة جيش تحرير السودان وتجمع المهنيين السودانيين، ونقابة الصحفيين السودانيين، وحزب البعث العربي الاشتراكي الأصل.

وقال رئيس حركة جيش تحرير السودان “إن قيادات الحركات المسلحة قررت تحريك قوة عسكرية مشتركة للفصل بين المتحاربين منعاً لتوسع دائرة الانفلات بعد تصاعد المواجهات المسلحة في الخرطوم وامتدادها إلى عدد من المناطق، خاصة دارفور”.

تحذيرات بالجملة

حذر الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة من كارثة إنسانية تهدد السودان مع تواصل القتال، وأضاف غوتيريش أن الصراع على السلطة بين الطرفين المتحاربين في السودان يعرّض مستقبل هذا البلد للخطر، وقد تمتد إعمال العنف إلى كامل المنطقة وأبعد منها.

وأكد أن “التقارير الواردة من الخرطوم ترسم صورة قاتمة عن الأوضاع هناك”.

وحذّرت المنظمة من وجود نقص في الماء والغذاء والدواء في السودان جراء الاشتباكات.

وفي السياق ذاته، قال رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس “إن المنازل والمتاجر والمدارس ومنشآت المياه والكهرباء والمساجد والمستشفيات تضررت أو دمرت بالكامل”.

وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في السودان يبدو صامداً في بعض المناطق حتى الآن، ولكن “لا يوجد ما يشير إلى استعداد الطرفين المتحاربين للتفاوض بجدية، وهو ما يوحي أن كلاً منهما يعتقد أن بإمكانه تحقيق نصر عسكري على الآخر”.

كما أعلنت منظمة الصحة العالمية ونقابة أطباء السودان ارتفاع أعداد ضحايا الاشتباكات.

وقالت المنظمة “في ظل التدهور الكبير للخدمات الطبية وغيرها وشلل الحركة التجارية والخشية من تجدد المعارك، يتواصل نزوح المدنيين من الخرطوم نحو مدن أكثر أمناً”.

هروب رموز نظام البشير

ذكرت تقارير صحفية أن قادة من نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير خرجوا من سجن كوبر.

ونقلت التقارير عن مصدر في أسرة البشير قوله “الرئيس السابق يتلقى الرعاية الطبية في مستشفى عسكري بالخرطوم”.

وكان أحمد هارون المسؤول السوداني السابق في نظام عمر البشير قد قال إنه غادر سجن كوبر مع مسؤولين آخرين، منهم علي عثمان طه وعوض الجاز، وإنهم سيوفرون الحماية لأنفسهم.

واتهم المستشار السياسي لقوات الدعم السريع الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني بأنها وراء إطلاق سراح رموز النظام السابق بالتنسيق مع الإسلاميين.

واعتبر أن إخراجهم من السجن “جزء من مخطط إعادة الإسلاميين إلى السلطة”.

وقال المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير في السودان “إن النظام المعزول يهدف من خلال الحرب إلى إعادة الطغمة المستبدة إلى الحكم”.

واعتبر ذلك دليلاً على أن عبد الفتاح البرهان يقف خلف الحرب في السودان، وقال إن خروج قادة نظام البشير سيزيد من حدة اشتعال الحرب وإطالة أمدها.

بينما نفى الجيش الذي يقوده البرهان علاقته بفرار رموز نظام البشير من السجن، وأكد أنه لا علاقة له بالبيانات الصادرة عن رموز نظام البشير الذين فروا من سجن كوبر، بما فيها بيان أحمد هارون المحتجز على خلفية بلاغات سياسية.

دعم خارجي لطرفي النزاع

كشفت تقارير صحفية أن خليفة حفتر أرسل طائرة لنقل الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع، وفي الوقت نفسه أرسلت مصر طائرات حربية وطيارين لدعم الجيش السوداني.

واعتبرت التقارير دعم الأطراف الخارجية للجنرالين المتنافسين دليلاً على استقطاب القتال بينهما للقوى الإقليمية.

ونفت قوات خليفة حفتر تقديم الدعم لطرف ضد الآخر من طرفي الصراع الدائر في السودان.

وقال المتحدث باسمها في بيان: “تنفي القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية نفياً قاطعاً  تقديم الدعم لطرف ضد الطرف الآخر في السودان”.

كما نفت مصر دعم أحد الأطراف المتقاتلة بالسودان، وأكدت على نجاح الجهود التي قامت بها بالتنسيق بالتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة لتأمين سلامة الجنود المصريين المتواجدين في جمهورية السودان، وتسليمهم إلى سفارة جمهورية مصر العربية في الخرطوم.

وذكرت وزارة الخارجية المصرية والخارجية الإماراتية أن هذه الخطوة تأتي في إطار موقف الدولتين الداعم للتهدئة عبر التواصل المستمر مع الأطراف السودانية لضمان ضبط النفس ووقف التصعيد.

وأكدت الدولتان التزامهما بمواصلة الجهود لوقف الاقتتال وحماية المدنيين والمنشآت المدنية، وشددتا على أهمية تكثيف الجهود الهادفة للعودة للإطار السياسي والحوار لحل جميع الخلافات، واستئناف المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الاستقرار السياسي والأمني المنشود في السودان.

محطات في الصراع السوداني

انطلقت في الشهر الأخير من عام 2018، الاحتجاجات من مدينة عطبرة الشمالية بسبب ارتفاع أسعار الخبز، وانتشرت المظاهرات المنددة بالأزمة الاقتصادية في الخرطوم ومدن أخرى، وردت قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع وإطلاق النار لتفريق المظاهرات.

وفي شهر نيسان عام 2019، اعتصم مئات الآلاف من المتظاهرين أمام مقر الجيش في الخرطوم، وبعد أيام أطاح الجيش بالرئيس عمر البشير الذي دام حكمه لثلاثة عقود، وواصل المتظاهرون اعتصامهم لمطالبة الجيش بتسليم السلطة للمدنيين، فهاجمتهم قوات الأمن وقتلت أكثر من مئة شخص منهم.

وفي شهر آب من نفس العام، وقّعت قوى مدنية مؤيدة للانتفاضة اتفاق تقاسم السلطة مع الجيش خلال فترة انتقالية تفضي إلى انتخابات رئاسية، وتم تعيين عبد الله حمدوك على رأس الحكومة.

وفي شهر تشرين الأول من عام 2021 اعتقلت قوات الأمن حمدوك وقيادات مدنية أخرى، وأعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حل الحكومة المدنية وغيرها من الهيئات الانتقالية.

وفي الشهر التالي، خرجت مسيرات حاشدة احتجاجاً على الانقلاب، فأعلن القادة العسكريون وحمدوك عن اتفاق لإعادة تعيينه رئيساً للوزراء.

وقال حمدوك آنذاك إنه عاد لمنع مزيد من إراقة الدماء وحماية الإصلاحات الاقتصادية، ثم استقال بعد أقل من شهرين واستمرت الاحتجاجات.

وفي شهر تشرين الأول من العام الماضي، خرجت حشود ضخمة إلى شوارع السودان بمناسبة الذكرى الأولى للانقلاب، في واحدة من أكبر المسيرات المناهضة للجيش، ورد الجيش على المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت.

وفي الشهر الأخير منه، وقّعت قوى مدنية على اتفاق إطاري مع الجيش لبدء عملية جديدة للانتقال السياسي مدتها عامان وتعيين حكومة مدنية.

وفي الخامس من شهر نيسان الماضي، تم تأجيل توقيع الاتفاق النهائي للمرحلة الانتقالية للمرة الثانية وسط خلافات حول ما إذا كان الجيش سيخضع لإشراف مدني، وحول خطط دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة.

ثم اندلع الصراع المسلح الحالي بين عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو، مما أدى إلى تعريض البلاد لخطر الانهيار ومازال هذا الخطر قائماً مع استمرار الصراع المسلح وتفاقمه.