لكل السوريين

باحث وسياسي سوري: المصالحات بين أنقرة ودمشق بعيدة عن الجدية، واردوغان يستخدم اللاجئين كورقة ضغط مرة اخرة

حاوره/مجد محمد

تستمر اللقاءات السرية بين مخابرات حكومة دمشق ودولة الاحتلال التركي، والتي جاء بعدها لقاء علني بين وزيري الخارجية التركي والسوري في موسكو، واستمرت من بعدها اللقاءات الاستخباراتية السرية والتي من المفروض ان تجتمع سوريا مع تركيا بلقاء علني من خلال وزارات الخارجية في الاسبوع المنصرم، لكن تظهر ردة الفعل السورية المتأنية، والشروط الصعبة التي وضعها الأسد امام تركيا، في اول تعليق رسمي منه على اللقاءات التي تجري مع أنقرة، بوساطة روسية، والذي قال فيه بأنه يجب أن تكون المباحثات مبنية على إنهاء الاحتلال، ووقف دعم الإرهاب، تظهر ردة الفعل هذه ما يؤشر إلى تمسك دمشق بمطلبها الأساسي، والمتمثل في خروج الجيش التركي من الأراضي السورية، ووقف دعم الفصائل المسلحة، وهذه الشروط يستحيل على تركيا تطبيقها، وخاصة قبل الانتخابات التركية، لأن أي انسحاب قبل الانتخابات سيكون بمثابة إعلان اردوغان فشل سياساته في سوريا، فهل تجري الامور نحو التطبيع مع الاسد، وللنقاش في هذا الشأن عقدت صحيفتنا لقاءاً مطولاً مع الاستاذ والباحث السياسي خلدون الحربي، ودار بينهم الحوار التالي:

*استاذ خلدون مرحبا بك، عن دمشق وانقرة، هل اجري الامور نحو التطبيع؟

بالتأكيد العلاقات لم تنقطع اساسا بين البلدين، فكما ذكرت في مقدمتك، توجد لقاءات استخباراتية دورية بين دمشق وانقرة وكذلك لقاءات علنية على مستوى وزراء الخارجية، وإن روسيا تحاول منذ نحو سنتين تقريب وجهات النظر بين تركيا وسوريا، وتلعب دورا مهما وخاصة الرئيس الروسي بوتين في إقناع نظيره التركي بالتواصل مع نظيره السوري من أجل مسألتين في غاية الأهمية، وهما مسألة اللاجئين السوريين، وأيضا قضية ما تسميه تركيا بالإرهاب الكردي، وانا لا استبعد انعقاد لقاء بين الرئيسين التركي والسوري في الأسابيع القادمة قبل الانتخابات التركية، لأن الرئيس التركي يعاني من ضغوط داخلية خطيرة بسبب الزلزال الذي ضرب بلاده، وبالنسبة لأرد وغان فإن الاجتماع مع الأسد يعتبر ورقة مهمة له قبل الانتخابات، ولكن لا أعتقد أن التطبيع التركي السوري سوف يمثل انفراجه لإنهاء حالة الحرب التي دمرت سوريا.

*روسيا وايران هم كما نعلم جميعا حلفاء الاسد، وهم السائرين من اجل اعادة التطبيع بين انقرة ودمشق، وكما نرى ان انقرة تريد هذا ايضاً، ما هي مصالحهم من هذا؟

الانتخابات التركية من الامور المفصلية والحساسة، وخاصة ان الرئيس التركي يريد توجيه رسائل للشعب التركي بأن اللاجئين السوريين في طريق عودتهم الى سوريا، لأن قضية اللاجئين السوريين في سوريا تلعب دورا مهما في السياقات الداخلية التركية، اما روسيا وإيران فلديهما مصالح في التطبيع بين الحكومة السورية وتركيا وهما يدفعان من اجل ذلك، لأن إيران منهكة اقتصاديا ولا تستطيع مساعدة سوريا، كما أن العقوبات أنهكتها، أما روسيا فهي بحاجة إلى اثبات وجودها على الساحة السورية وتريد أن تقول للعالم وخاصة الولايات المتحدة انها تمسك بملفات اقليمية مهمة مثل سوريا وليبيا، وايضا روسيا المأزومة في معارك أوكرانيا، تبحث عن تحقيق نصر وهمي على أمريكا في مناطق نفوذها.

*وامريكا، هل ستترك الباب مفتوحا امام ايران وروسيا، وما هو رأيها بالتطبيع؟

امريكا كانت سابقاً اكثر دبلوماسيا وخجلا في رفضها للتطبيع، اما الآن جاء اعتراض واشنطن بلغة صريحة وقطعية، فالكونغرس الامريكي قال: إن واشنطن لا تدعم الدول التي تسعى لتعزيز علاقاتها او تعرب عن دعمها للنظام السوري، ورئيسه بشار الأسد، الذي وصفه بـ(الديكتاتور الوحشي) وهذا الوصف الأمريكي للأسد هو بمثابة رسالة إنذار إلى أردوغان، لتنبيهه من أن تطبيعه مع الأسد سيضعه في نفس خانة الأسد لدى أمريكا، وبالتالي ستفتح أمريكا كافة ملفات جرائم وانتهاكات أردوغان وحكومته، والتي لا تقل عن ديكتاتورية ووحشية الأسد، فتركيا بعد تصريحات الكونغرس سارعت إلى الحوار مع امريكا لمناقشة امور التطبيع مع الاسد رغم ان بين احد اهدافها من التوجه نحو التطبيع الضغط على أمريكا لإنهاء دعمها لقسد، لكن لا تجرؤ على الذهاب في التطبيع بعيداً عن المشورة الأمريكية، لخشيتها من العواقب العكسية، فتحاول دائما ترك طريق المفاوضات مع أمريكا مفتوحا.

*تركيا هي الحليف الرسمي للمعارضة، ما رأي المعارضة بالتطبيع، وهل ما زالوا يؤمنون بأن تركيا حليف نزيه لهم؟

إن تركيا تطمئن المعارضة بأنها لن تتجاوز مصلحتها وحقوق الشعب السوري، وان تقربها من الأسد ليس إلا من اجل حماية مصالح المعارضة، وحماية المدنيين في مناطق الشمال، لكن المعارضة السورية تعتبر وصرحت رسمياً عبر مسؤوليها ان التقارب التركي الروسي خنجرا في خاصرتها وسوف يؤدي إلى تغيرات جذرية في تعامل الحكومة مع المعارضة، فالخاسر الأول والأخير هي المعارضة، وسوف تفقد أهم أوراقها، وهو تماما ما يريده الأسد، أن ينتزع الأوراق من المعارضة واحدة تلو الأخرى وخاصة من المعارضة الوطنية، وإيمان المعارضة بنزاهة تركيا مشكوك بأمره لأنه رغم سعي تركيا لتطبيع علاقاتها مع الحكومة السورية إلا أن المعارضة لا تزال تراهن على وعود تركيا بعدم التخلي عنها، وان اهدافها من التقارب ستكون تلبية لمصلحة المعارضة، مؤكدة بأن تركيا كانت ولا زالت ضامنا ووسيطا نزيها لحل الأزمة، فهم مجبرين ان يؤمنون بتركيا كوسيط نزيه لأن مصالحهم متقاطعة، ولن تستطيع تركيا أن تؤمن على حدودها بوجود الأسد في السلطة، وطالما أن النظام تجمعه علاقة بقوات سوريا الديمقراطية، وهي علاقة استراتيجية وعميقة مستمرة منذ زمن الرئيس السابق حافظ الأسد، لذلك حتى لو توصلت تركيا وسوريا إلى اتفاقيات بمساعدة إيران وروسيا، فإن هذا التقارب سيكون قائما على مصالح إيران وروسيا وليس العكس.

*مواقف المعارضة تأتي متخبطة ومتعاكسة غالباً، من يمثلهم الآن؟

لطالما وصفت المعارضة السورية بتفكك صفوفها في ظل العجز عن تشكيل مرجعية سياسية واحدة لقوى المعارضة بعد دخول الثورة عامها الثاني عشر، ودوماً  ما نسمع بأن المعارضة متفرقة أو غير متفقة، وذلك على الرغم من تأسيسها المجلس الوطني لتوحيد المعارضة والائتلاف السوري المعارض وهيئة المفاوضات العليا وعقد اجتماعين في الرياض، فهم يعتقدون أنه يكفي أن تكون المعارضة متفقة على الهدف والغاية وهي رحيل الأسد لكونه متورط بجرائم حرب، وليس من الضروري أن تكون المعارضة في جسم واحد، وهذا خطأ جسيم يحسب ضدهم وهو سبب تشتتهم وتفرقتهم.

*والإدارة الذاتية، ماذا بشأن التطبيع هل سيلحق الضرر بها؟

المحور الأساسي الذي يجمع بين الأطراف التي تجري التطبيع هو محاربة الإدارة الذاتية، إلا أن هذا المسار سيكون نتائجه سلبية بالنسبة لكل من تركيا ودمشق، وإيجابية اكثر على الإدارة الذاتية، باعتبار أن كل من روسيا وتركيا ودمشق وإيران هي بلدان وقوى غارقة في الأزمات الداخلية والخارجية، ولا يمكن لأحد منهم تقديم ما ينقذ الآخر من أزمته، وكل تحركاتهم في هذا المسار يدخل في إطار ابتزاز أمريكا والغرب، بالإضافة إلى ابتزاز الإدارة الذاتية، ودفعها لتقديم تنازلات للنظام السوري، ولكن الوقائع تشير إلى أنه في حال جرى التطبيع بين تركيا ودمشق بوساطة روسيا، فإن أمريكا والغرب سيتخذون إجراءات عقابية ضد تركيا، وسيزيدون من دعم الإدارة الذاتية وقسد, وفي حال فشل التطبيع، فإن روسيا ودمشق لن تسمحان لتركيا بشن أي هجمات جديدة على شمال شرق سوريا، وستفتحان الحوار مع الإدارة الذاتية، وبالتالي فإن خيارات الإدارة الذاتية ستكون في الحالتين أفضل.

*ختاماً، ما هو رأيك الشخصي بنتيجة التطبيع؟ وايضا المجال مفتوح لك

مصير مسار التطبيع هو في الغالب الفشل، لأن المصالحة الكاملة بين تركيا ودمشق ستكون عملية معقدة وطويلة، نظراً لعمق التصدعات في العلاقات التركية السورية، بما في ذلك دعم أنقرة للميليشيات الاسلامية المسلحة، واستحالة ان تنسحب تركيا من سوريا قبل الانتخابات، لذا فإن تركيا تهدف من خلال التظاهر بأنها ترغب في التطبيع، كسب الوقت حتى الوصول للانتخابات، بينما النظام السوري يدرك عدم جدية أردوغان، وسيتمسك بشرط الانسحاب الكامل من الأراضي السورية لقبول التطبيع، في وقت لا يغير اعتراف أنقرة بوحدة التراب السوري، وادعاء أردوغان بأن تركيا ليست لديها أطماع في الأراضي السورية، الكثير من المعادلات على أرض الواقع، فتركيا تقول الشيء نفسه عن احترام سيادة العراق على أراضيه، ولكنها تنتهك هذه السيادة كل يوم تقريباً، ولا تعتزم سحب قواتها من القواعد التي أقامتها داخل الأراضي العراقية، وهو ما ينطبق على سوريا أيضاً، فلئن عجزت أنقرة عن إقامة منطقة أمنية واسعة، تخضع لسيطرتها على الشريط الحدودي بينها وبين سوريا، فإنه لا شيء يوحي بأنها يمكن أن تتخلى عن قواعدها داخل الأراضي السورية.