لكل السوريين

جولة أستانا الأخيرة.. تكرار لسابقاتها ومحاولة جديدة لاستبدال جنيف بأستانا

تقرير/ لطفي توفيق

بينت اجتماعات أستانا الأخيرة والبيانات الصادرة عنها، أنها ليست أكثر من محاولة للمماطلة في حل الأزمة السياسية في سوريا، حيث جرى في هذه الاجتماعات بحث الأمور التي ترتبط بالعلاقات الثنائية بين الدول الضامنة أكثر من البحث عن سبل لتسوية سياسية لإنهاء الحرب في سوريا، والأزمة التي نتجت عنها.

ويبدو أن الدافع الرئيسي لعقد هذه الجولة هو حرص الضامنين على إبقاء مسار أستانا على قيد الحياة بما يسمح لهم بتفعيله كلما كان الأمر لصالحهم، ولاستمرار سعيهم إلى تهميش أو إلغاء دور الأمم المتحدة في إدارة التفاوض بين النظام السوري والمعارضة.

وجاء بيانها الختامي مكرراً في معظم بنوده، لما جاء في بيانات الجولات السابقة، مثل التأكيد على سلامة سوريا واستقلالها، ودعم العملية السياسية ومسار الإصلاح الدستوري، ومواصلة الإفراج عن المعتقلين، وتسهيل عودة اللاجئين والنازحين، وغيرها من البنود المكررة.

وجاءت فيه بعض التعديلات، منها الإشارة إلى حل مشكلة توقف مباحثات اللجنة الدستورية منذ ستة أشهر تقريباً، وقدّمت الوفود الضامنة وعوداً باستئناف أعمالها، دون تحديد موعد لذلك.

التزام وهمي بالسيادة

أكد البيان الختامي لاجتماع أستانا، في بنده الثاني على الالتزام الثابت بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية….”

وتزامن هذا “الالتزام” مع انتهاكات تركية وقحة لسلامتها وسيادتها، حيث شنت القوات التركية غارات جوية على مناطق واسعة في شمالي وشمال شرقي سوريا، مخلفة عشرات الضحايا والدمار الهائل في البنى التحتية، حيث طال القصف المشافي والمدارس ومحطات المحروقات والكهرباء، وصوامع الحبوب، وألحق بها أضراراً كبيرة.

وكانت الأجهزة الأمنية للنظام التركي قد افتعلت تفجير مدينة إسطنبول، ليتخذه النظام ذريعة لعدوانه على الشمال السوري، رغم أن التحضيرات لهذا العدوان تمت منذ فترة طويلة قبله.

واستمرت تهديدات رئيس النظام التركي بدخول دباباته إلى مناطق الشمال السوري والعراقي لضرب مواقع ما أسماها بـ “المنظمات الإرهابية”.

ويشير توقيت العدوان التركي إلى رغبة نظامها بتكريس عدوانه رغم قرارات هذه الجولة، والجولات التي سبقتها.

اللجنة الدستورية

أكد البيان الختامي على “المضي قدماً في العملية السياسية القابلة للحياة والدائمة التي يقودها السوريون ويملكها السوريون، والدور الهام الذي تضطلع به اللجنة الدستورية….”

ودعا إلى عقد جولة جديدة  لهذه اللجنة دون تحديد أي تاريخ لها لتبقى مهمشة ومعلقة إلى أجل غير معلوم.

ومع ذلك لا قيمة للاتفاق على تحديد موعد جولة جديدة لها لأن مباحثاتها لم تحرز أي تقدم يذكر.

ومع أن المبعوث الأممي بيدرسون حضر الجولة لطرح كيفية تفعيل مسار الدستور السوري، والتركيز على السبل الكفيلة بإحراز تقدم في هذا المجال، ولكن إحراز التقدم لا يتعلق بمجرد عقد جولة جديدة في ظل الطروف الإقليمية والدولية الراهنة.

ورغم أن أعمال هذه اللجنة كانت دون جدوى حتى الآن، فقد عطلت موسكو أعمالها عندما رفضت عقد اجتماعها في جنيف بحجة موقف سويسرا من الحرب على أوكرانيا، ومنعتها بذلك من استكمال محادثاتها حول الدستور السوري بسبب إصرارها على نقل المحادثات إلى مكان آخر.

استبدال جنيف بأستانا

تؤكد المؤشرات أن الدول الضامنة لمسار أستانا تسعى إلى سحب ملف الحل السياسي في سوريا من جنيف، وجعله ضمن مسار أستانا من أجل إيجاد حل يتوافق مع أطماعها بعيداً عن مطالب السوريين ومصالحهم، وعن ما جاء في قرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها القرار 2254.

ومع أنه يمكن عقد جولات عديدة للدول الضامنة في أستانا، لكن هذه الدول لن تتمكن من إيجاد صيغة حل يتماشى مع رغباتها ورؤيتها السياسية، وعلى الأرجح أن تراوح نقاشاتها حول الملفات الأمنية ومحاولات خفض التصعيد طالما كان ذلك يخدم مصالحها.

كما أن الدول الفاعلة في ملف الأزمة السورية كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، قد تتساهل مع محاولات جعل أستانا بديلاً لمسار جنيف، ولكن من غير المتوقع أن تقبل بحل خارج مظلة الأمم المتحدة، مما يؤكد ضرورة العودة إلى مسار جنيف، واستئناف أعمال اللجنة الدستورية بطريقة أكثر استقلالية وفاعلية.

والثابت في كل ما يجري من تغيير أولويات الدول الفاعلة في الأزمة السورية، وتمركز دول مسار أستانا حول مصالحهم، وعدم اهتمام المجتمع الدولي بهذه الأزمة كما ينبغي، هو استمرار معاناة السوريين، وخاصة في شمالي وشمال شرقي سوريا الذين يتعرضون لوحشية نظام أردوغان وأطماعه في التوسع على حساب الأراضي السورية وثرواتها.