لكل السوريين

ماذا نريد من الدستور؟

حسن مصطفى

من المعلوم أن القوانين تعد أكثر من ضرورية في حياتنا لأنها السبيل الذي ينظم حياتنا ويضبط شؤونها المختلفةً، كما أنها تعبر عن مستوى تقدم المجتمعات والأمم، إذ كلما تطورت القوانين وتقدمت كانت مؤشراً على مستوى تقدم المجتمعات وتطورها.

ونحن اليوم على أعتاب وضع دستور جديد سيكون بمثابة قانون جديد لحياتنا، وهذا الدستور يعني تحولاً جذرياً في البنية السياسية لمجتمعنا، وتنظيماً لقواعد حياتنا وللعلاقة بين الشعب والسلطة السياسية من أجل الرقي والنهوض بالمجتمع، وصولاً إلى إقامة دولة جديدة واضحة المرامي والأهداف وأساليب تحقيق تلك الأهداف.

واليوم بات من بديهيات القول بأن سورية الجديدة بنظامها السياسي الجديد ينبغي أن تكون مدافعاً عن حقوق كل السوريين من مختلف المكونات وضامناً لها، وأهم تلك الحقوق حق الحرية في التعبير عن الرأي وحق حرية العيش بكرامة والحق بتكافؤ الفرص وحق العيش بمستوى اقتصادي جيد، إضافةً إلى حق السوريين بالعيش في مجتمع تسوده المحبة والتعايش المشترك والتعاون كما كان طيلة العقود والأزمان السالفة.

ولما كان وضعنا اليوم في جانبه الاقتصادي والاجتماعي بات كارثياً دون شك، فإنه ينبغي أن يتضمن الدستور المزيد من الضمانات الدستورية, للحقوق الاقتصادية والاجتماعية العامة، من خلال توضيح وتحديد المواد الدستورية الكفيلة بإنجاز ذلك، عبر تحقيق أعلى معدل نمو اقتصادي بالتزامن مع تحقيق عدالة اجتماعية ينبغي أن تكون واقعاً ملموساً على الأرض وليس مجرد شعارات لا تلبث أن تفقد بريقها وقوتها، إضافةً إلى أهمية رفع الحد الأدنى للأجور وبشكل تلقائي، وبما يتناسب مع التغيرات التي قد تطرأ على الأسعار.

وأهم شيء ينبغي أن يتضمنه الدستور هو وضع آلية فاعلة وقوية لمحاربة الفساد والفاسدين من خلال التشدد في تطبيق القوانين وعدم التهاون في ذلك تحت أي من المبررات والمسوغات, وأن يكون الجميع وبلا استثناء تحت سقف القانون إضافة إلى أهمية الحد من التعديات والتجاوزات على الأملاك العامة، ووضع حد صارم للنهب العام.

كما ينبغي أن ينص الدستور على اعتماد مبدأ أساسياً في شغل المناصب والوظائف العامة يقوم على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيداً عن كل أشكال المحاصصات المناطقية والأسرية والقبلية والأثنية, إضافة إلى كل ذلك يجب أن يعتمد سياسة اقتصادية تشاركية تعتمد على الكفاءات وأصحاب الخبرات في إدارة مؤسسات المجتمع دون أن يكون للسلطات السياسية صلاحية التأثير عليها أو التحكم بها، بل ينبغي أن تكون قراراتها وسياساتها مستقلة كلياً ونابعة من قاعدة المصلحة العامة أولاً وقبل أي اعتبارٍ آخر.

والسلطة الوحيدة التي يجب أن تسود في المجتمع هي سلطة الشعب الصادقة النابعة من الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية بالتنمية والتطوير وبناء المجتمع على أساس صلب ومتين، يرتكز على مبادئ العدالة والكرامة وتكافؤ الفرص والمساواة بين سائر أفراد المجتمع ومن سائر المكونات.

وحتى يتحقق ذلك ينبغي أن يشارك السوريون من مختلف المناطق السورية وبلا استثناء لأيٍ منهم في صياغة دستورهم الذي نأمل أن يكون جديراً بهم وبتضحياتهم وبطولاتهم وبتاريخهم العريق وطموحاتهم المستقبلية المشروعة.