لكل السوريين

عبود السعيد .. من النجومية إلى الهجرة!

  • برغم التألق حمل بذرة الترّحال والسفر بعيداً عن أهله وموطنه
  • السعيد .. خامة مبرّزة لفتت إليه الأنظار منذ نعومة أظفاره!
  • ابتسامته العريضة.. وأخلاقه العالية.. وتحلية بالصدق.. عناوين عريضة أضافت إلى شخصه حبّ الناس واحترامهم له

 

 

عبد الكريم البليخ 

إذا ما حاولنا أن نعود بالذاكرة إلى أيام الزمن الجميل التي حملت في مضامينها الكثير من الرغبة والشوق حيال عشاق كرة اليد، والاقبال الجماهير المنقطع النظير عليها من قبل محبي اللعبة في الرّقة، فإن تلك اللعبة كانت تفيض بالعلاقات الوجدانية الصادقة، والحوارات المتبادلة بين اللاعب وجمهوره بعيداً عن الحقد الأعمى الذي عايشناه بكل مؤسياته في ما بعد، ومن هنا برز الى الواجهة الكثير من محبّي لعبة كرة اليد، الذين شقّوا طريقهم نحو النجومية والتألق بنجاح، برغم الظروف القاسية التي وقفت حجر عثرة في طريق تميّزهم، وأخذوا مكانتهم وتفوقوا بامتياز في هذا الميدان، واستطاعوا من ثم الوصول إلى الهدف.

وعلى رغم اﻻنتصارات المتواصلة التي كانت تحققها لعبة كرة اليد في مختلف الفئات العمرية، إﻻ أنّها كانت تعاني من فقر شديد لجهة عدم اثراء أنديتها بالمواهب العاشقة لكرة اليد بصورةٍ خاصة، وهذا الغياب لتلك المواهب أسبابه الفنية البحتة، إلا أن القائمين على هذه اللعبة استطاعوا وبجهود فردية بترغيب الجيل الناشئة باللعبة، ما يعني بروز أعداد كبيرة منهم تركت بصمات واضحة في نجاح اللعبة وتطورها، ومن هنا أخذت الرّقة مكانتها بقوّة بين أخواتها المدن السورية التي كانت تهتم باللعبة وترعاها، وتولي أهمية كبيرة بنجومها الصغار، ولا سيما في كل من مدينتي دمشق وحماه المتمثلتين بأنديتها المتميزة كالجيش والشرطة، والجماهير والطليعة.

وبالعودة إلى الزمن الجميل، إلى ما قبل عام 1990، كانت التحديات كبيرة، والإمكانات محدودة، والمواهب كثيرة، إلا أنّها كانت تحمل في مضمونها أشياء جد رائعة.

وفي حديث اليوم، نحاول قدر الإمكان إلقاء الضوء على صورة واقع الحياة العامة التي رافقت الكثير من الشباب المتعطش للغربة، والهم الدائم الذي كان يشغل تفكيره، ولاشيء سواه، وهو السفر، والعيش بعيداً عن الأهل والخلاّن، بهدف البحث عن العمل، وبالتالي تحسين صورة الحال التي يعاني منها جيل الشباب في حينه، و لازال يبحث عن هذا المنفذ للخلاص من رمادية الحياة التي يعيشها، وإن كانت لها ضريبتها، ومن هنا كانت الانطلاقة للعديد من الشباب الذي بادر إلى التغيير، وتحسين الدخل المعاشي، والتعرّف على أماكن جديدة، والتعلّم من ثقافات الآخرين، على الرغم من صعوبة الترّحال، والبعد عن الأهل والأصدقاء والأحبّة، وحتى الأماكن التي كان يرتادها يوماً، وكل صورة جديدة وجميلة مرسومة في ذاكرته.

السفر كان بالنسبة لغالبية الشباب في ذلك الوقت، فيه الكثير من المخاطرة، وإن كان في المقابل له ميزته وأهميته، كما أنه بحاجة إلى مبالغ غير محدودة لتأمين تأشيرة الخروج إلى الجهة المراد السفر إليها، سواء أكان ذلك إلى دول الخليج، وهي أكثر ما كان يرغب ويطمح إليه الشباب، أو السفر إلى الدول الأوربية، والأمريكتين في حال سنحت الفرصة بذلك.

ومن بين الشباب الذين هاجر الرّقة، إلى الدوحة، لاعب كرة اليد عبود السعيد المعيدي، الذي كان يحمل بذرة الترّحال والسفر، منذ نعومة أظفاره، برغم النجومية والتألق وحب الجماهير العريضة لأدائه، والتي كانت ترافقه في كل مكان، وتعلّقها بشخصيته المحبوبة، والتي كانت تراقب خطواته، وحتى نظراته، ومن هنا كانت ساعة الصفر.

بالطبع، قبل أن يهمّ بالسفر، كانت هناك الكثير من الصور تراود مخيلة ذاك الفتى الأسمر الذي كان عشقه لمحبوبته، لعبة كرة اليد لا يوازيه عشق آخر، والتي زاولها منذ اليفاع، في نادي الشباب الرياضي، وتدرّج في صفوفه من جيل الغد، فالصغار، فالأشبال، فالناشئين، فالشباب، إلى أن لعب في صفوف الفريق الأول.

وفي هذا الفريق، كانت مشاركاته لافتة، فحقّق مع فريق الرجال نتائج جيدة لا زال يذكرها كل من كان يتابع ويزاول كرة اليد ونشاطها.

ونادي الشباب، وبلا مبالغة، وإن كان نداً قويّاً لجاره الفرات، إلّا أنّه كان يَضمّ نخبة من النجوم الذين بذلوا الوقت والجهد، والمواظبة على التدريبات المتواصلة، حتى تمكنوا من الفوز على أعتى فرق الدرجة الأولى في هذه اللعبة التي لاقت تشجيعاً غير عادياً، وإقبالاً منقطع النظير من قبل عشاقها، وما أكثرهم في الرّقة. ومن بين نجوم النادي الذي كان يلعب في صفوفه المخضرم عبود السعيد برز إلى الوجهة أسماء لا زلنا نذكرها وإلى اليوم، ومنها عبدالله الجاسم الحاج، محمود عبد الكريم، علاء الدرويش، عبد الله الوحش، ياسر الحاج، المرحوم ياسين الحمزة، المرحوم خالد شويخ، عدنان رجب، والمغفور له بسام رجب، فهر الرحبي، إسماعيل الشيخ، المرحوم ياسين العبد العمر، راشد الراشد، عبدالفتاح الزين، وليد الحافظ، عبد الرحمن النجم، صلاح منّاع، مفرّح…، محمد المصطفى، مطر العلي، خلف الحسن، دحّام النجم، حمد الصالح الهندي، عبد الصالح الجاسم،  هشام شويخ، المقيم حالياً في النمسا، وهو أصغر لاعب عربي الذي سبق له أن احترف اللعبة في أندية قطرية، ولاعبين آخرين، أمثال: عبد الرزاق العاني، المقيم في النرويج، عبيدة العبد، خالد الموسى.

وكان عبود السعيد أحد الخامات المبرزة، التي لفتت أنظار الكثير من المهتمين، وكان يواظب على حضور التمارين الرياضية، ويشارك في جميع المباريات الودية والرسمية التي يقيمها النادي، بالإضافة إلى المشاركة في بطولات كأس الجمهورية، والدوري العام لأندية الدرجة الأولى، الذي كان يشارك فيه النخبة من أندية القطر، وبنجومها المبرّزين.

ومن أبرز الأندية التي كان لها شأنها في هذه اللعبة، بالإضافة لجاره الفرات، الاتحاد الحلبي، والكرامة الحمصي، والجماهير والطليعة من حماه، والشعلة من درعا، وحطين من اللاذقية، والفتوة واليقظة من دير الزور، ناهيك بأندية العاصمة، التي يمثلها الجيش والشرطة.

فكرة اليد، كانت لها أهميتها وحضورها، ومتابعة على مستوى عالٍ، وهذا أهم ما يميّزها، ما شجّع الكثيرون على ممارستها، وعشق أهل الرّقة، وبحب كبير لهذه اللعبة الشعبية، ما دفع بالأغلبية من متابعتها، والوقوف على أنشطتها، وعن قرب.

وإذا ما عدنا إلى النجم المحبوب عبود السعيد، فكان بحق شعلة من العطاء والتهذيب في الملعب وخارجه، ويمارس رياضته المحبوبة بحب لا يجاريه حب آخر، ما أكسبته جمهوراً عريضاً، كان يتابع جميع المباريات التي كان يخوضها، أضف إلى متابعة كافة تحركاته ونشاطاته.

فالدور الذي لعبه عبود السعيد كلاعب في ذلك الوقت، جعله قريباً جداً من عموم الناس، من الصغير قبل الكبير، حتى لفت نظر الناس السذّج البعيدين عن مزاولة أو متابعة الأنشطة الرياضية، لما يتمتّع به هذا اللاعب من تذوق غريب في الأداء، وفي تعاطيه مع الناس أينما حل.

ابتسامته العريضة، وتعامله المرن، وأخلاقه العالية، وتحلية بالصدق، عنوانه الأبرز، كل هذا قرّبه إلى الناس ومعاشرتهم، ولم يكن يحمل في يوم ما ضغينة تجاه أحد بل أحبّه كل من التقاه وعرفه.

وكانت تربط السعيد شبكة من العلاقات مع الكثير من الأصدقاء المخلصين، والتي كان لها طابعاً يختلف عن بقية أقرانه.. فكان ملتزماً بممارسة لعبته المحببة، التي تألق فيها، وجمع من خلالها حبّ الناس والشهرة التي وصلت إلى مرحلة كان يُحسد عليها من قبل الكثير من رفاقه، ورغم ذلك تراه بسيطاً ومتواضعاً في تعامله وحتى في ترحابه.

ورغم كل هذا الحب الذي تعلّق به جمهوره، وكل هذه الشهرة التي أكسبته علاقات متينة مع معارف كثر، وكما أكد لي في اتصال هاتفي مؤخراً إلى حيث مكان إقامته في الدوحة، بقوله: “يكفي أنَّ الناس لا زالت تذكر عبود السعيد، وهذا رأس مالي من هذه الدنيا”.

هذا هو كلامه لي شخصياً. فالتواضع الجمّ هو مبدأه الأساس.

وعلى الرغم من كل ذلك، كانت فكرة السفر إلى الدوحة تراود فكره، ومضى ذلك الشاب إلى حيث يُحب، وانضم إلى أحد الأندية القطرية، فكان له حضوره اللافت هناك، واستمر، وهاهو اليوم لا زال يعيش وأسرته، بعد أن أمضى ما ينوف عن الثلاثين عاماً قضاهاً بعيداً عن مدينته الرّقة التي احتضنته.. أحبته وأحبّها.. ولا زالت الجماهير العريضة، تذكر وإلى اليوم، نجمها ومحبوبها المفضل عبود السعيد، والانجازات التي حققها مع ناديه الشباب، ومع منتخب المحافظة، والتطلع إلى أدائه الرجولي الذي كان يلفت الأنظار، فضلاً عن التسديدات التي يصوّبها إلى الفريق الخصم، ويسجل منها الأهداف المتميزة.

ومنا إلى ذلك النجم المتألق، نقول: لا زال جمهورك يسأل عنك. عن ذلك اللاعب المخضرم، عبود السعيد، كما أن الرّقة، وحوارييها، تبحث عن نجمها الأنيق الذي غاب عنها طويلاً.

واﻷمل، هو العودة إلى الرّقة وإلى ناديها الشباب، وأهلها الذين يذكرون ﻻعبها السعيد في كل وقت وفي كل حين، ويستذكرون معه مجد كرة اليد، وأيامها الجميلة التي لا تزال تعيش في وجدان ابن الرّقة الذي يعشقها حتى الثمالة!