لكل السوريين

تطور الدساتير السورية

احتضنت الحضارة السورية الضاربة في القدم أولى الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية، حيث اكتشف علماء الآثار الكثير من القوانين المكتوبة في منطقة سوريا التاريخية، تعود إلى مراحل وحضارات تاريخية مختلفة، ويعود أقدمها إلى تاريخ 2360 قبل الميلاد، في مملكة ماري التي تأسست في الألف الثالث قبل الميلاد على ضفاف نهر الفرات في الجزيرة السورية.

ومع التطور الاجتماعي، عبر التاريخ المعاصر بقيت مركز التشريع والتقنين في محيطها الجغرافي رغم التقلبات السياسية والاجتماعية والانقلابات العسكرية التي عصفت بها.

ولعبت الأحزاب والقوى السياسية المستقلة دوراً بارزاً في تطور الدساتير السورية، وخاصة الكتلة الوطنية التي انقسمت فيما بعد إلى حزبين، حزب الشعب والحزب الوطني الذي استمر بالعمل إلى أن تم حل الأحزاب خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر، وعاد الحزب إلى العمل بعد الانفصال، وفاز بالأغلبية في انتخابات العام 1961.

حزب البعث العربي الاشتراكي

اندمج حزب البعث العربي بقيادة عفلق والبيطار مع الحزب العربي الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني عام 1949، وكان أحد أهم أسباب هذا الاندماج هو الضغط الداخلي داخل كل حزب، فقد رأت قيادة حزب البعث أنه تيار فكري دون جمهور، بينما الحزب الاشتراكي تيار سياسي يرتكز على جماهير الفلاحين، ويمكن أن يكمّل كل حرب منهما الآخر، إضافة إلى أن بعض الضباط البعثيين والاشتراكيين وراودتهم فكرة تحضير انقلاب عسكري مضاد لانقلاب أديب الشيشكلي، ولدعم عملهم بتنظيم سياسي شعبي مارس هؤلاء الضباط ضغطاً كبيراً باتجاه دمج الحزبين معاً.

ورغم الخلاف على مفهوم الاشتراكية والموقع الذي تحتله على دستور كل من الحزبين، إلا أن الاندماج تم على أساس أن دستور حزب البعث هو دستور الحزب الجديد، وينضم الحزب العربي الاشتراكي إليه، ويسمى الحزب الجديد حزب البعث العربي الاشتراكي، وينضم أكرم الحوراني إلى قيادة الحزب.

وكان دستور الحزب الجديد مؤقتاً على أن يجتمع الطرفان لوضع دستور جديد يتبنى أفكار الأكثرية، لكن ذلك لم يحدث، وبقي صلاح الدين البيطار يعارض إضافة كلمة اشتراكي للحزب.

إلا أن المشكلة الأكبر كانت في التنافس بين الشخصية القوية لأكرم الحوراني وتعارضها مع شخصية ميشيل عفلق الذي تردد كثيراً بقبول الحوراني، ثم قبل به لاحقاً على مضض.

وفيما بعد كلما دخل الحزب الجديد في أزمة ما، تلقى المسؤولية على هذا الاندماج، وتنسب إليه أسباب الضعف، ودخول البذور الانتهازية إلى “الأخوية البعثية الصافية”.

لكن البعث تحول مع هذا الاندماج من أخوية نخبوية كانت تضم حين تأسيسها نحو مئتي عضو، إلى حزب جماهيري دعمه الحوراني الذي دخل البرلمان منذ عام 1950، وأصبح عام 1958 السياسي الأول في الحزب، وبفضل نفوذه في صفوف الطلاب وشعبيته بين الفلاحين استطاع أن يؤمن للحزب قوة متنامية حتى قيام الوحدة بين سوريا ومصر، في حين استمر عفلق كموجه أول للحزب، وكانت كتاباته مرجعية فكرية له.