لكل السوريين

اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، والواقع الأليم -2-

يحل اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة على النساء السوريات هذا العام (2020)، في ظل ظروف صعبة من وجوه عدة، فعلاوة على ممارسة العنف ضد المرأة منذ اللحظة الأولى للولادة، مقترنا بالأعراف والتقاليد والثقافة السائدة التي تسمح برؤية تمييزية ودونية للمرأة، مرورا بالنظرة النمطية تجاهها في المناهج التعليمية، حتى القوانين الناظمة في البلاد، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية والفقر والبطالة، إلا أن تلك العوامل تتزايد قساوة مع الحروب الدموية الكارثية، التي نعيشها في سوريا منذ عام 2011 والتي عصفت بمجمل منظومة حقوق الانسان، ما أدى إلى السقوط المتزايد للضحايا ومع تزايد حجم التدمير والخراب، وتزايد أعداد اللاجئين والفارين والنازحين والمنكوبين، وتزايد الاعتداءات وتنوعها وارتكاب مختلف الفظاعات والانتهاكات الجسيمة بحق حياة وحريات المواطنين السوريين.

والمرأة السورية كانت ومازالت أولى ضحايا هذا المناخ المؤلم والأليم، وعلى نطاق واسع، فقد ارتكبت بحقها جميع الانتهاكات من القتل والخطف والاختفاء القسري والتعذيب والاغتصاب والتهجير القسري والاعتقال التعسفي، وتحملت المرأة العبء الأكبر في الأزمة السورية، فقد تم زجها في خضم حروب دموية ومعارك لم تعرف البشرية مثيلا لها بأنواع وصنوف القتل التدمير، وامست المرأة السورية حاضنة الضحايا: القتلى- الجرحى-المخطوفين-المعتقلين-المهجرين-النازحين، فهي أم وأخت وأرملة الضحية، ومربية أطفال الضحية.

وأصبحت هدفاً للقتل بكل أشكاله، والتهجير والفقر والعوز، والتعرض للاعتداء والعنف الجسدي والمعنوي وانتهاك كرامتها وأنوثتها، بل وضعتها ظروف اللجوء في أجواء من الابتزاز والاستغلال البشع, علاوة على ذلك، فإن وضع المرأة السورية ازداد سوءا وترديا في المناطق، “التي سميت بالمحررة بحسب التوصيف السياسي والإعلامي”، تحت ظل فتاوى رجال دين وتشريعاتهم التي طالت المرأة ولباسها وسلوكها وحياتها، حيث تعرضت لأشكال جديدة من العنف إضافة إلى الاكراهات التي مارستها الجماعات المسلحة التكفيرية وما يسمى بـ ” قضاءها ومحاكمها الشرعية”، والتي سعت إلى فرض بعض الأنساق الثقافية المتخلفة والهمجية بحق المرأة، وأنزلت المرأة إلى مراتب دون مستوى البشر، مقيدة حريتها بشكل كامل، وموجهة الأجيال الصاعدة نحو ثقافة تضع المرأة في مكانة دونية قد تصل حدّ جعلها سلعة تباع وتشرى ويرسم مصيرها من دون الاكتراث بكيانها الإنساني.

يذكر أن مصطلح العنف ضد المرأة يندرج تحته مختلف ألوان التمييز وجميع الانتهاكات التي تطال شخص المرأة. والتّمييز والعنف مصطلحان يسمّيان القمع والاضطهاد بحق المرأة في الصّكوك الدّوليّة وفي الاتفاقيات والتشريعات والبروتوكولات الملحقة الدولية المتعددة المتعلقة بحقوق المرأة التي صدّقت عليها غالبية الدول في العالم، وفي جميع أدبيّات حقوق الإنسان.

ومع تصاعد التمييز والاضطهاد والعنف وتعدد أشكاله الواقعة على النساء في سوريا، فإننا نذكر بضرورة استمرار النضال من أجل ايقاف جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة سواء كان قانونيا أم مجتمعيا أم اقتصاديا، وبضرورة العمل المتواصل من أجل تغيير جميع القوانين التمييزية ضد المرأة في قانون الأحوال الشخصية والجنسية والعقوبات، وسنّ التشريعات والأنظمة العصرية التي تحد من اضطهاد ومنع المرأة من القيام بمهماتها ووظائفها، بما في ذلك نيل وممارسة حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كافة، جنباً إلى جنب مع الرجل، وبما يتفق مع إمكانياتها وخصائصها الإنسانية، التي أكدت عليها التعاليم والمثل الدينية والمبادئ والمفاهيم الأخلاقية، والقيم والمعايير الكونية، والقوانين والتشريعات العالمية الانسانية.

انعام إبراهيم نيوف                                                  يتبع…