لكل السوريين

الحرب على أوكرانيا..خطوة باتجاه نظام عالمي جديد

يرى متابعون للحرب على أوكرانيا، أن الصين ودول أخرى، لن تدعم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا، بل ستعمل على زيادة التعاون مع روسيا.

فالصين تدرك أنها المستهدف الرئيسي من قبل الولايات المتحدة، ولذلك ستحاول منع عزل روسيا التي ترى فيها الحليف القوي لها في تطلعاتها إلى نظام اقتصادي عالمي جديد لا تكون واشنطن مهيمنة عليه، ولا يبقى الدولار وحدة التعاملات العالمية الوحيدة فيه.

ومنذ سنوات تخطط موسكو وبكين لإقامة هذا النظام عبر توقيع اتفاقيات اقتصادية ثنائيه بينهما،

وجهود الصين المستمرة لتأسيس أرضية مناسبة لإنهاء دور الدولار كوحدة وحيدة في التعاملات الدولية، واستبداله بالعملات المحلية فيما بين دول هذا النظام، وبالذهب على الصعيد العالمي. وهذا ما يفسر سعي بكين لامتلاك أكبر كمية ممكنة من المعدن الأصفر.

ومع أن الضجة الإعلامية التي ترافق الغزو الروسي لأوكرانيا تصور أن العالم بأسره يقف بمواجهة روسيا، يؤكد الواقع أن الولايات المتحدة وأوروبا فقط تقف بمواجهة روسيا اقتصادياً. ولعله من  المبكر أن يعلن موقف التكتلات الاقتصادية مثل منظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والدول الأخرى في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

تعاون استراتيجي

وقعت روسيا والصين منتصف العام 2019، اتفاقية تقضي باستخدام البلدين عملتيهما في التبادل التجاري بدلاً من الدولار.

وحدد نائب وزير المالية الروسي هدف الاتفاقية بتسوية مدفوعات المبادلات التجارية مع شركاء روسيا الاقتصاديين بالعملات المحلية، وتعزيز الأمن الاقتصادي لروسيا.

واعتبر مراقبون اقتصاديون هذه الاتفاقية بمثابة توجيه ضربة قاسية للدولار الأميركي باعتباره وحدة التعاملات العالمية الوحيدة.

كما اعتبرت الاتفاقية أكبر مؤشر على عزم روسيا والصين العمل على بناء نظام دولي جديد يقوم على أساس رؤيتهما الخاصة لحقوق الإنسان والديمقراطية.

وأعلن الرئيس الروسي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الصيني في موسكو أن الطرفين الروسي والصيني وقعا حزمة واسعة من الاتفاقات، وفي مقدمتها الإعلان المشترك عن تطوير علاقات الشراكة الكاملة والتعاون الاستراتيجي.

ودعا الرئيسان إلى “حقبة جديدة” في العلاقات الدولية ووضع حد للهيمنة الأمريكية، واقتران الاتحاد الاقتصادي للمنطقة الأوروبية الآسيوية مع المبادرة الصينية “حزام واحد وطريق واحد”.

الاستغناء عن الدولار

كشفت وسائل إعلام روسية عام 2020عن مخطط صيني جديد لمحاولة الاستغناء النهائي عن الدولار الأمريكي في تعاملاتها التجارية والاقتصادية.

وأشارت التقارير إلى أن الصين تستعد لخطوة هامة من خلال تخزين الذهب لأغراض استراتيجية تمهيداً لخطوة وقف التعامل بالدولار.

كما أشارت إلى أن الشركات الصينية المتخصصة بالذهب تقوم بنشاطات كبيرة في مجال استخراجه، إضافة إلى عمليات شرائه المتواصلة.

كما تحاول شركة التعدين الصينية الاستحواذ على شركات أجنبية متخصصة بالذهب رغم ارتفاع أسعارها بسبب منافسة شركات أخرى.

وأصبحت الصين بعد تملكها لأصول هذه الشركات أكبر منتج للذهب في العالم، بما يشير إلى أن بكين تقوم بتخزينه لأغراض استراتيجية.

خاصة أنها لا تتوقف عن إرسال إشارات للعالم مفادها أن هيمنة الدولار يجب أن تنتهي، ويزداد هذا التوجه قوة كلما تصاعدت حدة مواجهتها مع ​الولايات المتحدة​، وتزايدت تهديدات واشنطن بفرض عقوبات عليها.

وذكرت تقارير إعلامية عديدة أن الصين فيما يبدو تخطط لتغيير النظام المالي العالمي القائم، إلى آخر يرتكز على معيار الذهب، مما يسمح لها بتنفيذ هدفها الرئيسي المتمثل في التخلص من منظومة تسوية التعاملات بالدولار.

ملامح نظام عالمي جديد

وبغض النظر عن النتائج العسكرية للحرب على أوكرانيا، فقد تتمكن الصين وبقية دول منظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بالتنسيق مع روسيا، من تأسيس نظام اقتصادي خاص بهم، والانتقال إلى الدفع بالعملات الوطنية فيما بينهم والتخلي عن الدولار، وتعويض روسيا إذا تم إقصاؤها عن نظام التحويلات المالية العالمي “سويفت”.

ومع أن الاتحاد الأوروبي وافق على استبعاد بنوك روسية رئيسية من سويفت لتوسيع نطاق العقوبات على موسكو، لم توافق كل الدول الأوروبية بعد على طرد روسيا من هذا النظام خشية ارتدادات هذا القرار عليها إذا تم قطع الغاز الروسي عنها، وهو يشكل بحدود أربعين بالمئة من احتياجاتها، ولا توجد بدائل كافية عنه في المدى المنظور.

كما أن الاتفاقيات بين موسكو وبكين لم تقتصر على المبادلات السلعية التقليدية فحسب، بل شملت النفط ومشتقاته.

وعلى اعتبار أن روسيا تشكل قوة عالمية كبرى في صناعة النفط والغاز، وتحتاج إلى أسواق جديدة لتسويقهما إذا تمكن الغرب من عزلها اقتصادياً.

والصين تحتاج إلى المزيد من الطاقة لتغذية نمو اقتصادها الذي تسعى إلى أن يقود النظام الاقتصادي العالمي الجديد خلال المرحلة المقبلة.

فكل المؤشرات تتجه إلى أن ملامح هذا النظام الجديد بدأت بالظهور، وستشكل الحرب على أوكرانيا خطوة مهمة بهذا الاتجاه بغض النظر عن نتائجها العسكرية.