لكل السوريين

كاتب ومسرحي من الرقة: “المسرح الرقي شاهد على تاريخ وثقافة المنطقة”

حاوره/ أحمد سلامة 

أوضح الكاتب والمسرحي بشير حمدان؛ أن المسرح السوري من أنجح المسارح وأشهرها على الإطلاق، وتعتبر بدايات المسرح في مدينة الرقة مع “نادي الفن” الذي أقام دعائمه كلا من أسعد الجابر ومنير الحافظ وابراهيم عوض”، وتعتبر مدينة الرقة من المدن الرائدة بها الفن.

الأزمة السورية الأخيرة والحرب التي دارت رحاها في مدينة الرقة، أدت إلى دمار اكثير من المعالم الثقافية في المدينة، ولعل أهمها “المركز الثقافي” الذي يعتبر من أهم الصروح الثقافي في سوريا، والمكتبة التي كانت تضم أكثر من 100ألف كتاب، والمسرح الرقي وتطوره ومراحل ازدهاره.

وللحديث بشكل أكثر حول المسرح الرقي ومعانتاه وتأسيسه كان لصحيفتنا حواراً مطول مع ابن مدينة الرقة بشير الحمدان الكاتب والمسرحي، وجاء الحوار على الشكل التالي:

– كيف كانت بدايتك مع المسرح؟

بدأت أعمالي منذ سن مبكرة في المرحلة الابتدائية عن طريق عمل مسرح بعنوان “قطرة المطر” وهو من تأليف سليمان العيسى، وتابعت اعمالي في المراحل الاعدادية والثانوية، واتبعت دورات للمعهد العالي للفنون المسرحية ثلاث دورات للعام 91و92 و93 تواليا.

ومن ثم شاركت بمجموعة من الاعمال المسرحية والمهرجانات سواء عن طريق الشبيبة أو المسرح العمالي، وقدمنا عدد من الأعمال بمعسكر الطلائع أذكر منها “فيروزة والمزمار السحري”، وهو من تأليف منير الحافظ وإخراج الاستاذ عبد الرزاق أبو هيف، ومسرحية “المحاصرون” تأليف موسى الخضر واخراج نجم العليان اخر عمل هو الاغبش في عام 2008 وقد لاقى استحسان الجمهور.

-ما هو تعريف المسرح؟

المسرح حالة اجتماعية وحالة فكرية وحالة انسانية، تطرح قضايا المجتمع الاخلاقية والفلسفية والمشاكل الموجودة في المجتمع، وهو الوسيلة لكشف الحقائق والوسيلة للتقرب للجمهور لولا الجمهور لما كان هناك مسرح، وهو البوابة الثقافية لطرح جميع الحلول بطريقة درامية ومسرحية لتخفيف المعاناة وإيجاد الحلول لجميع تلك المشاكل.

ـ ما هي المشاكل التي يعاني منها المسرح الرقي؟

لا شك ان من اهم المشاكل والصعوبات التي تقف في وجه المسرح الرقي هو عدم وجود مسارح؛ واقصد هنا البنية التحتية، كان لدينا مركزين ثقافيين كبيرين ومسرح ثانوية الرشيد ومسرح مدرسة خديجة، لكن كل هذه الصالات دمرت وكلنا نعرف ان المركز الثقافي كان صرح عملاق وهو أكبر مركز ثقافي في سوريا انشاته وزارة الثقافة ولكن دمر فقد كنت الصالة تتسع لـ 600 متفرج وكان من المراكز المتميزة حتى ان مكتبته كان تضم 200 ألف كتاب وقد نهب وسرقت ودمرت بالكامل.

ـ كيف كان يتم اكتشاف المواهب المسرحية؟

المرحلة الابتدائية هي أهم المراحل التي تتبلور بها الموهبة المسرحية أو نسميها الفنية، وذلك عن طريق معلم الصف الذي هو بدوره يكتشف قدرات تلاميذه، فكانت تقام المسرحيات في المدارس ويتم انتقاء واكتشاف المواهب، فقد كانت بداية كما اسلفت مع مسرحية “قطرة المطر” وانا في الصف الخامس في العام 1974، ومن هنا تم صقل الموهبة بالشكل الصحيح وعن طريق التدريب المستمر حتى أصبحنا على ما نحن عليه فيتم اكتشاف المواهب في المراحل الأولى.

ـ الشخصيات التي تأثر بها بشير حمدان؟

الرقة كانت عاصمة الثقافة “عاصمة القصة القصيرة”، فيها الكثير من الادباء والفنانين من نجاتين ورسامين والروائيين من امثال الأستاذ منير الحافظ والاستاذ سامي حمزة والدكتور عبد السلام العجيلي، والكثير من الاسماء العملاقة التي طرحت نفسها على الساحة الادبية في الرقة، والاستاذ نجم عليان هو أكثر من عمل في المسرح له اكثر من 40 عمل مسرحي والأستاذ محمد الشيخ  الذي كان ينفق من دخله على المسرح وغيرهم الكثيرين من القامات الأدبية والعمالقة الذين رحلوا من امثال الأستاذ حمود الصطاف ومصطفى الحاج والكثير ممن تركوا بصمات في المسرح الرقي.

ـ ما هو الفرق بين المسرح الجاد أو كوميديا الموقف عن التهريج؟

طبعا هناك فرق كبير عما هو موجود من الأعمال المسرحية التجارية التي هدفها الربح المادي فقط لا غير، أما كوميديا الموقف كما طرحها محمد الماغوط في أعماله “كاسك يا وطن وغربة وضيعة تشرين” كل هذه الاعمال كانت هادفة تعالج قضية سياسية، كوميديا الموقف تجذب الانسان لمعالجتها لقضايا، فالممثل عندما يستنبط موقف معين في مسرحية ما فإنه يخرج جملة تضحك الجمهور، لكن هذا الجملة لها وقع كبير هذه هي الكوميديا الهادفة أو كوميديا الموقف، أما الأعمال التهريجة فهيا أعمال تجارية هدفها مادي فقط.

-هل يتوجب على المسرحي أن يكون صاحب توجه سياسي يدعو له أو إنسان مستقل ينقد موقع الخطأ؟

الفنان هو عين المجتمع هو ناقد يسعى للوصول للحقيقة وليس التزلف إلى جهة ما، وهو يسعى لإيجاد الحقيقة وتكوين فكر خلاق ضمن ثقافة مجتمعية ترتقي بالمجتمع إلى السمو الأخلاقي، لبناء الإنسان الذي بدوره يبني الحضارة والتاريخ، أنا أتحدث عن رسالة يقوم هذا الفنان أو الأديب أو الكاتب بإيصاله لكافة أطياف المجتمع، والرقة هي ام الحضارة فهيا تاسع أقدم مدينة بالعالم وسادس أقدم مدينة في سوريا، كما صنفتها اليونسكو، لم يأتي هذا التصنيف عن عبث بل عن طريق ارثها الحضاري وعراقتها بأبنائها من أمثال الدكتور عبد السلام العجيلي.

-المسرح الغنائي والاستعراضي لماذا اختفى خاصة بعد بدايته الجيدة في سبعينيات القرن الماضي؟

الرقة أسست فيها فرقة الرقة للفنون الشعبية، الأستاذ اسماعيل العجيلي هو والأستاذ زهير العاني عندما أسسوا هذه الفرقة كانوا أعضاء في فرقة أمية في سبعينيات القرن الماضي، وبعدها أسسوا فرقة الرقة للفنون الشعبية التي اشتهرت بشكل كبير، وجميع دول أوروبا ودول الوطن العربي آسيا وإفريقيا لاقت رواجا كبيرا، كانت أعمالها مميزة قدمت أعمال مسرحية راقصة “برج عليا وعرس الغيوم”.

لكن هذه الأعمال اختفت وبدأت بالذبول لأنها تحتاج إلى إمكانيات كبيرة من راقصين وممثلين وتحتاج أيضا لعنصر نسائي، فإذا كان عدد الفرقة 20 فيجب على الأقل أن يكون النصف من النساء، ولكن تكاليف اللباس والديكور وعمليات الإخراج وتسجيل الأغاني، هذا كله أدى إلى إختفاء هذا النوع من العمل المسرحي.

-هل يجب أن يكون النص المسرحي معبر عن الواقع أو أن يرسم الصورة المثالية التي يجب أن يكون عليها الواقع؟

العمل المسرحي إذا لم بكن يعالج الواقع ويطرح مشكلات الإنسان وماذا يعاني وماذا يفكر وماذا يريد الإنسان البسيط، فهو ليس عمل مسرحيا، لأن المسرح هو معالجة للواقع وللمشاكل التي تواجه المجتمع، والنص المسرحي هو القادر للوصول لأعماق النفس البشري، يحاكي الإنسان بأخلاقه وانسانيته وفكره إلى أين ستؤدي بنا هذه الأعمال المسرحية، هنا النقطة الفارقة ما بين المسرح الهادف ومسرح التهريج، وهناك عمالقة مثال على هذا من أمثال سعد الله ونوس وممدوح عدوان ومحمد الماغوط، هؤلاء العمالقة عندما كتبوا الأعمال المسرحية كانت تعالج قضايا الإنسان.

– في ظل التطور التكنلوجي “الإلكتروني” هل يمكن للفن المسرحي أن يحافظ على نفسه؟

ثقافة العولمة وثقافة الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي هذه ليست ثقافة، هذه قشور الثقافة، المسرح له حضوره دائما وأبدا منذ نشأته في العصور القديمة في اليونان سنة 200 قبل الميلاد، المسرح الحقيقي قائم وموجود بكتابه ولأيمكن أن يختفي مادام هو فكر إنساني يعالج قضايا ومشاكل اجتماعية سياسية تهم الانسان، فالتكنلوجية هي في واد والمسرج الحقيقي في واد آخر يسمو ويرتقي بكتابه وداعميه.

-أخيرا أستاذ بشير كيف تقيم المسرح في الرقة وما السبيل للنهوض بالواقع المسرحي في المدينة؟

هناك مواهب كثيرة وحقيقية لديهم الرغبة في العمل المسرحي، ولكن كبتت في الفترة الظلامية التي عانينا منها، الآن بدأت تنهض ولكن الموارد محدودة والاهتمام قليل جدا، لا يوجد أحد يرعى هذه المواهب أو ينميها، رغم أن الرقة انطلقت الآن بعجلة الثقافة من خلال الأديبات فوزة المرعي وماريا العجيلي.

والآن مجموعة من الشباب على رأسهم الأستاذ فراس رمضان للنهوض بالمسرح، وقدموا أعمال ولكن قلة الدعم يقف أمام تقدمهم، ولكن هناك مشروع لي وللأستاذ فراس رمضان والأستاذ عبد القادر عبود لعمل مسرحي جديد بعنوان “بذرة الإجاص” للدكتور حمدي موصلي يعالج قضايا الفاسد في المجتمع.