لكل السوريين

ماذا فعلت العملية التركية دون أن تبدأ؟

شهران تقريباً، والتهديدات التركية بشن عملية عسكرية جديدة في شمالي سورية لم تتوقف لحظة واحدة، تهديدات شغلت العالم، وبسببها عُقدت لقاءات واجتماعات واتفاقات كثيرة، أدت إلى بلّورة ما يشبه تحالفات واصطفافات جديدة بشأن الأزمة السورية، جرى كل ذلك، دون أن تبدأ تركيا بعمليتها العسكرية، فيما يقول وزير حربها خلوصي أكار إن بلاده مصممة عليها ولن تؤجلها، وهو ما يُشرّع السؤال، لماذا لم تطلق تركيا العنان لدباباتها وطائراتها ومرتزقتها إلى الآن رغم مرور كل هذا الوقت؟.

وعلى ماذا تراهن لجعل عمليتها العسكرية واقعاً في الأيام المقبلة؟ يعرف المتابع للسياسة التركية تجاه الأزمة السورية، أنّ تركيا لن تطلق أي عملية عسكرية دون الحصول على ضوء أخضر، سواءً من موسكو أو من واشنطن، إذ من دونه فإن العملية التي تنشدها الحكومة التركية قد تجلب لها تداعيات مدمّرة في الداخل قبل الخارج.

الطريق إلى العملية العسكرية التركية أخذ حتى الآن شكل التصعيد السياسي والدبلوماسي، وقد تجلّى هذا الأمر بشكلٍ واضح في اجتماع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مدريد، والتوقيع على الاتفاق الثلاثي بين تركيا والسويد وفنلندا من أجل موافقة تركيا على ضمّ الأخيرتين إلى عضوية الناتو، وإذا كان البعض يرى في هذه الاتفاقية نصراً سياسياً لتركيا؛ إلا أن كثيرون يعتقدون أنها شرّعت لبداية مواجهة روسيّة – تركية في سوريا، لطالما أن الموافقة التركية على ضمّ السويد وفنلندا إلى عضوية الحلف جرت في إطار الحشد الأميركي – الأطلسي ضد روسيا في حربها مع أوكرانيا، ومن خلف الأخيرة الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، إذ بهذه الموافقة اصطفّت تركيا رسمياً إلى جانب الأطلسي في الأزمة الأوكرانية، وهو ما يطلق يد روسيا في لعب أوراقها ضد التركي في سوريا، خاصة أن منطقة منبج – تل رفعت التي حددتها تركيا للعملية العسكرية واقعة تحت نفوذ روسيا، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن واشنطن قد تدفع تركيا إلى القيام بعملية عسكرية في هذه المنطقة، لتعميق الشروخ بين موسكو وأنقرة وصولاً إلى الصِدام بينهما إزاء الأزمتين الأوكرانية والسورية، لطالما أن واشنطن تقول إنه لا موافقة على عملية عسكرية تركية في شرق الفرات، كون المنطقة واقعة تحت نفوذها، وأي عملية هناك ستؤثر على وتيرة الحرب ضد تنظيم “داعش” وتُسهّل لعودته، وانطلاقاً من هذا السياق ينبغي النظر إلى مسألتين مُهمّتين جرتا على خلفية التحولات والتطورات السابقة: الأولى: تُمثّل في التقارب الجاري بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية، والحديث عن إنشاء غرف عمليات مشتركة بينهما، وإرسال الجيش السوري لجنود ومُعدّات عسكرية ثقيلة إلى مناطق عِدّة في شمالي سوريا.

والثانية: تُمثّلُ في تغيّر الموقف الإيراني من العملية العسكرية التركية، فبعد حديث طهران عن تفهّم الموقف التركي، باتت تُبدي موقفاً حاسماً لجهة رفض هذه العملية، والتأكيد على الحلّ السياسي للأزمة، ولعل هذا ما دفع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى زيارة طهران في التاسع عشر من الشهر الجاري، وهو موعد يُضاف إلى موعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، كاستحقاقين لتأجيل العملية العسكرية التركية، وربما فتح الطريق أمام جهود الحلّ السياسي، وهنا تتجه الأنظار إلى ما يمكن تسميته بالمبادرة التي حملها السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، خلال زيارته إلى المنطقة، رغم هلامية هذه المبادرة، وافتقارها إلى خطة عمل واقعية كونها تصبُّ في صالح السياسة التركية بالدرجة الأولى.

في انتظار تطورات تسمح بوضوح مسار العملية العسكرية التركية وموعدها من عدمه، ثمّة اعتقاد بأن أردوغان يصعب عليه النزول من قمة الشجرة التي صعد عليها، خاصة أنه يراهن على هذه العملية لزيادة شعبيته التي تتهاوى مع موعد اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في صيف العام المقبل. مؤشرٌ يوحي بأن العملية العسكرية التركية إن جرت ستكون محدودة وسريعة في منطقة منبج – تل رفعت، مع أنها قد تكون شرارة لحرب تُشعل كل الجبهات التي لها علاقة بمناطق الاحتلال التركي في شمال شرقي سوريا، بعد أن أفضت التهديدات التركية بعملية عسكرية جديدة إلى حشد الاصطفافات والجبهات ووضع اليد على الزناد، ومن دون ذلك، فإن التهديد التركي بعملية عسكرية جديدة، قد دخل عملية فقدان أهدافه السياسية والدبلوماسية.

نورث برس/ خورشيد دلّي