لكل السوريين

صناعة صابون الغار ما تزال جزءاً من التراث الحلبي

صناعة صابون الغار المميز برائحته الزكية ما تزال تشكل جزءا من التراث التقليدي الحلبي، ومن يزور محافظة حلب (شمال سوريا) في أي وقت يجب ان يصطحب معه قطع صابون الغار المصنوعة بعناية فائقة، كما أن صانعي هذا الصابون متمسكون بإحياء هذه الصناعة التقليدية لتبقى علامة مميزة في حلب.

والسوريون لحد هذه اللحظة مازالوا يفضلون استخدام صابون الغار المصنوع في محافظة حلب في الاستحمام وغسل اليدين لما يحتويه من مواد طبيعية وعطور مميزة، وكان السائحون الأجانب قبل نشوب الازمة يأخذون معهم كميات كبيرة من هذا الصابون إلى بلدانهم كهدايا.

وبالرغم من الظروف الصعبة التي مرت بحلب، والدمار الذي لحق بالمعامل والأسواق الاثرية المهمة، إلا أن صناعة الصابون مازالت حية، والإنتاج لم يتوقف، وبعد أن تحررت حلب في ديسمبر العام 2016، عادت هذه الصناعة مرة أخرى إلى دائرة الضوء، وراح يتفنن صانعوها في صفها وتغليفها لتبدو جاذبة للعين.

ولكن القصة قد تبدو مختلفة هذه المرة لأن الناس لم يبدأوا فقط في إصلاح مصانعهم والعمل مرة أخرى، بل أن صناع وتجار زيت الزيتون والصابون راحوا يعاونون بعضهم البعض على الوقوف على أقدامهم من جديد لتكون حلب نموذجا في التعاون واحياء التراث والصناعات التقليدية.

وقال هشام جبيلي رئيس لجنة تصنيع صابون الغار في حلب لإحدى الوسائل الإعلامية إن تصنيع صابون الغار بدأ يتعافى عاما بعد عام بفضل تضامن تجار الصابون مع بعضهم البعض.

وأضاف أنه خلال الحرب، خرجت معظم المعامل من الخدمة، واختار معظم المصنعين تصنيع كميات صغيرة من الصابون المصنوع يدوياً في منازلهم للحفاظ على عملهم على قيد الحياة.

وبعد تحرير الجزء السابق الذي يسيطر عليه المسلحون شرق حلب، وعندما أصبحت المدينة آمنة، قام صانعو الصابون بأنفسهم وبدأوا يقومون بأعمالهم في المصانع التي هربت من الحرب مع القليل من الأضرار.

في أحد المصانع في المنطقة الصناعية بحلب، يتشارك ما بين 7 إلى 8 من صانعي الصابون في مساحة واحدة لتصنيع منتجاتهم حتى يتم إصلاح مصانعهم، وقد نجح هذا النهج حتى الآن في جلب الخير لجميع صانعي الصابون الذين تضررت أعمالهم خلال الحرب.

في هذا المصنع يعمل العمال بشكل محموم، وبعضهم يقوم بخلط وطبخ زيت الزيتون وزيت الغار والصودا الكاوية في وعاء كبير قبل الإفراج عنه من خلال أنابيب إلى الطابق السفلي حتى يجف وبعد ذلك يأتي غيرهم من العمال ويقومون بتقطيع الصابون بشكل طولي ووضع ختم شعارات الشركات عليها يدويًا وتركها حتى تجف حتى تتمكن بعد ذلك من تخزينها في جزء آخر من المصنع.

وقال جبيلي، في تصريحه لإحدى الوسائل الإعلامية، “عام بعد عام، بدأ تصنيع صابون الغار يستعيد عافيته، وفي العام الماضي كمصنعين فقط، حاول جميع كل مصنعي الصابون الذين تم العثور عليهم بعدما تعطلت وتضررت معاملهم، وبدأوا يعملون في هذا المعلم ريثما يتم اصلاح معاملهم”.

وأشار إلى أن “هذا شيء إيجابي للغاية لأننا من جهة نساعد بعضنا البعض في تمكين صناعة صابون الغار”.

بالنسبة لأولئك الذين يصنعونها، فإن الصابون المصنوع يدويًا، ليس منتجًا فحسب، بل كائنًا حيًا لأنهم ينشئونه بأيديهم ويغذونه كطفل رضيع لأيام وأسابيع وأشهر.

ويستغرق صنع صابون الزيتون شهرين في الشتاء بعد حصاد زيت الزيتون وبعد ذلك يتم حفظ الصابون للصيف حتى يتحول لونه إلى اللون الأصفر ليتم تعبئته وتوزيعه.

إن الطقس البارد والجاف لحلب في فصل الشتاء والحارة والجافة في الصيف يجعلها المكان الأمثل لتصنيع الصابون ولهذا السبب تشتهر حلب بهذه الصناعة.

وبما أن صابون الغار المصنع من زيت الزيتون هو عنصر مهم جدا للتصدير، والحفاظ على جودته ما قبل الحرب أو حتى تتصدر الأداء من شأنه أن يساعد بالتأكيد التجار تصدير أكثر من هذه المواد لتعزيز الوضع الاقتصادي لإعادة بناء مصانعهم ومساعدة المدينة على العودة إلى قدمها بعد سنوات من حرب الطحن.

وأضاف جبيلي “إن إنتاجنا في الوقت الحاضر هو بنفس الجودة التي كانت عليه من قبل وحتى أفضل لأن أعمال صابون الغار تساعدنا على تمكين الاقتصاد وأعمالنا من خلال التصدير، لذلك نحن نعمل بجد لجعله أفضل جودة من قبل الحرب والجميع يحاول ويريد صنع صابون عالي الجودة ليتمكن من التصدير وجلب العملة الأجنبية وإعادة بناء مصانع المدينة”.

وقال إن دولا أوروبية وأخرى آسيوية لديها مطالب لهذا النوع من الصابون، مشيرا إلى أن الصادرات تأثرت خلال الحرب و “الآن نحن نعود بأيد ثابتة”.