لكل السوريين

الحد من التمييز العنصري، ضرورة ملحة وجهود مضنية

حاوره/مجد محمد

يشير مفهوم التمييز العنصري إلى معاملة شخص أو مجموعة من الأشخاص بطريقة غير متساوية مع الآخرين بحجة أنهم أفضل منهم وأنهم متفوقون عليهم، اعتماداً على عدة أمور منها العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي، وقد يكون التمييز العنصري مباشراً أو غير مباشر، مباشراً عندما يتم التعامل مع شخص ما بفوقية لأي سبب كان وإخباره بذلك بشكل صريح، كأن يرفض صاحب العمل توظيف شخص ما بسبب خلفيته العرقية أو لونه أو غير ذلك، أما غير المباشر يتجلى عند تطبيق قرار أو قاعدة تنطبق على الجميع بشكل متساوي باستثناء بعض الأشخاص من أصل أو لون مختلف.

وبهذا الخصوص، وفي هذا الشأن عقدت صحيفتنا حواراً مطولاً مع المرشد النفسي بديع أوسيب، ودار الحوار التالي:

*أستاذ بديع مرحباً بك بداية، التمييز العنصري بلمحة عامة من وجهة نظرك؟

التمييز يصيب الجوهر الإنساني في الصميم، وهو يضر بحقوق الشخص بسبب ما هو عليه وما يؤمن به، والتمييز يلحق الضرر ويسبب ديمومة انعدام المساواة، لأن لنا جميعاً الحق في أن نعامل على نحو متساوي بغض النظر عن العنصر أو العرق أو الجنسية أو الطبقة أو الطائفة أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو النوع الاجتماعي أو اللغة أو الميول الجنسية أو هوية النوع الاجتماعي أو الخصائص الجنسية أو السن أو الصحة أو غيرها، ومع ذلك فإننا كثيراً ما نسمع قصصاً محزنة حول أشخاص يتعرضون للقسوة لا لشيء سوى لأنهم ينتمون إلى فئة مختلفة عن تلك التي تتبوأ مواقع الامتيازات أو السلطة، ويحدث التمييز عندما لا يستطيع الشخص التمتع بحقوقه/ها الإنسانية أو غيرها من الحقوق القانونية على أساس المساواة مع الآخرين بسبب التمييز غير المبرر، سواء في السياسة أو القانون أو المعاملة.

* إذاً ما هي أشكال التمييز العنصري؟

أشكال كثيرة للتمييز العنصري ولكن الأكثر شيوعاً هو التمييز على أساس العمر، والذي يعرف بأنه تمييز ضد أشخاص ينتمون لعمر معين أو لفئة عمرية معينة، فمثلاً قد يرفض صاحب العمل قيام شخص ما بإعطاء دورة تدريبية لأن عمره كبير، إذ يفضل الأشخاص ذوي العمر الأقل للقيام بهذه المهمة، والتمييز على أساس الإعاقة أو العجز وهو التمييز ضد الأشخاص الذين يعانون من الإعاقات، كإعاقة جسدية أو عقلية تؤثر في قدرتهم على القيام بالأنشطة اليومية العادية، على سبيل المثال، قد يرفض شخص في وظيفة معينة بالرغم من أفضليته بسبب إعاقة أو عجز يعاني منه، والتمييز على أساس النوع الاجتماعي وهو التمييز القائم على النوع الاجتماعي أو الجنس (ذكر أو أنثى)، حيث إنه من الممكن أن يحرم الأشخاص من حقوق أو فرص معينة بسبب نوعهم الاجتماعي، فمثلاً قد تحرم بعض الإناث من العمل في وظائف معينة لأن طبيعة العمل لا تناسب كونها أنثى، كساعات الدوام الطويلة والمهمات الشاقة التي يتضمنها العمل، وكذلك التمييز على أساس الدين وهو التمييز ضد الأشخاص الذين يتبعون ديناً معيناً أو لديهم معتقدات دينية معينة، والتمييز على أساس العرق أو التمييز العرقي فهو التمييز القائم على اللون أو الجنسية أو الأصل العرقي أو القومي، وأيضاً التمييز على أساس الحالة الاجتماعية فقد يكون التمييز مبنياً على حالة الشخص الاجتماعية إذ كان أعزباً أو متزوجاً، على سبيل المثال قد تفصل امرأة من عملها بعد أن تتزوج، وذلك لأن صاحب العمل يعتقد أن المرأة العزباء ذات مسؤوليات أقل، وختاماً التمييز على أساس الحمل والأمومة يحدث هذا الشكل من أشكال التمييز عندما تتم معاملة امرأة ما بطريقة مختلفة لأنها حامل أو ولدت مؤخراً، فمثلاً قد تكون امرأة مناسبة لمنصب وظيفي معين ولديها قدرات عالية ولكن يرفض صاحب العمل توظيفها بمجرد معرفته بأنها حامل.

* ما الدوافع لهذا الشيء، بمعنى ما أسباب التمييز العنصري؟

العديد من الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى حدوثه، أو تحفز حدوثه بلا وعي، ومنها المصلحة الشخصية ومثال ذلك تطبيق سياسة العبودية على الكثير من الأشخاص حول العالم، وإجبارهم على العمل دون مقابل أو بمقابل يسير، إذ كانت وجهة نظرهم أن هؤلاء الأشخاص أقل مستوى من بقية البشر، والخوف والكراهية فقد يشعر بعض الأشخاص بالتهديد من قبل أشخاص آخرين قد يعتبرونهم مختلفين عنهم، فيخشون على أنفسهم من فقدان شيء ما، وللتصدي لهذا الخوف فهم يسعون إلى الحصول على دعم من أشخاص آخرين لديهم المخاوف ذاتها ضد هؤلاء الأشخاص، الأمر الذي يؤدي إلى تفشي العنصرية، والتفاعل مع أشخاص عنصريين فعادة ما يكتسب مجموعة من الأشخاص نفس المعتقدات لعيشهم وتعاملهم مع أفراد أسرتهم وأصدقائهم العنصريين فقط، وكذلك تعميم الحكم على الآخرين فتظهر العنصرية عندما يتم الحكم على الآخرين بسرعة اعتماداً على مظهرهم وملابسهم وطريقة حديثهم وسماتهم الجسدية، وأيضاً وسائل الإعلام تدعم المعتقدات العنصرية بشكل كبير، وذلك لكون الإعلام انعكاساً لثقافات مختلفة وأن بعض الإعلانات أو العنصرية التي تصل إلى العقول خفية، وقد لا يكون وراءها أي نوايا سيئة، ولكنها تؤثر في المجتمع وتسبب آثاراً سلبية على الجميع.

*بماذا يؤثر التمييز العنصري على الفرد، وكذلك على المجتمع؟

أن تعرض الشباب للعنصرية يرتبط بضعف صحتهم العقلية، كما أنه يتسبب في ضعف صحتهم البدنية، وهناك بعض الأبحاث التي تشير إلى أن التوتر الناتج عن العنصرية يمكن أن يكون له تأثيرات جسدية في المستقبل، ويمكن أن يرفع الإجهاد ضغط الدم، ويضعف جهاز المناعة، مما يؤدي بدوره إلى زيادة خطر الإصابة بحالات صحية طويلة الأمد، ويؤدي أيضاً تعرض الإنسان للتمييز العنصري إلى زيادة درجات التوتر لديه، مما يزيد من خطر إصابة الشخص الذي تعرض للتمييز بارتفاع ضغط الدم، وقد تؤدي بالشخص إلى ارتكاب ممارسات ضارة مثل تعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم، أما على المجتمع، تؤثر العنصرية سلباً على المضطهدين في المجتمع، وتظهر آثارها في الحرمان النفسي، والاجتماعي، لهؤلاء الأشخاص، كما يشمل ذلك عدم توفر السكن الملائم، وانعدام الرعاية الطبية لهذه الفئة، مما يؤثر على المجتمع ككل، وكذلك تساهم هذه العنصرية والضغوطات في تقليل إنتاجية الأفراد ومساهمتهم الفاعلة في المجتمع، وهو ما يؤدي إلى إضعاف الدولة، والتأثير على تماسك الأفراد، وزيادة نسبة الجريمة في المجتمع، وانتشار السلع الضارة والمخالفة.

*كيف نسعى لنبذ التمييز العنصري؟

بوسائل كثيرة وأهمها، القضاء على الممارسات، والسياسات، والمعتقدات العنصرية في جميع طبقات المجتمع ومؤسساته، وتحديد طرق الاستفادة من الأنظمة والمؤسسات في المجتمع لنشر ثقافة نبذ التمييز العنصري، وكذلك زيادة الوعي بكيفية تأثير العنصرية على الأفراد والمجتمعات، وأيضاً تفكيك الأنظمة والمؤسسات العنصرية.

*ختاماً كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح لك..

التمييز العنصري موجود في جميع أنحاء العالم وفي كل المجتمعات، ولا يوجد مجتمع فاضل ينعدم به التمييز، فيجب أولاً الاعتراف بالتمييز العنصري بكافة أشكاله كخطوة أولى للقضاء عليه، والقدرة على التعامل معه، كما أنه من المهم فهم تاريخه ومعتقداته وأسبابه والأسس التي يقوم عليها، كما يجب تحديد طبيعته بدقة، ليكن القضاء عليه ممكنا، وإلا فسيستمر بالنمو.