لكل السوريين

الرغيف الخيّال!!

لطفي توفيق

في الماضي البعيد..

غضبت جارتنا على ابنها..

فقالت له..

“روح.. تبقى ماشي والرغيف خيّال”.

في البداية..

أخذتني الدهشة بهذه الصورة الغريبة.

رغيف يمتطي الحصان..

وينطلق مسرعاً كخيّال متمرس..

وابن جارتنا يسير خلفه على أمل اللحاق به..

والحصول على الرغيف.

وتخيّلت المشهد المدهش والجميل..

أليس جميلاً..

أن ترى رغيفاً يمتطي حصاناً..

وينطلق مسرعاً كخيّال متمرّس؟!.

وبعد زوال الدهشة..

تخيّلت المشهد المدهش والمرعب..

أليس مرعباً..

أن نرى ابن جارتنا يركض خلف الرغيف..

ولا يدركه؟!.

ومع أنني كنت أحب الخيول كثيراً..

حمدت الله أننا لا نملك أيّ واحد منها..

خفت أن تهرب الأرغفة من تنور أمي..

وتمتطي ظهور الخيول..

وتطير إلى حيث لا أعرف.

خفت أن أفقد خبز أمي..

ورائحة خبز أمي..

عندما تضع العجين على صاج تنورها لينضج.

وبسمة أمي عندما تناولني أول رغيف ناضج.

وخفّ رعبي عندما سمعت جارتنا تقول لابنها..

“كول يمي.. جيب رغيف ثاني”.

إذاً.. لم يهرب الرغيف من بيت جيراننا كخيال متمرّس.

ولم يركض ابن جارتنا خلف الرغيف..

 

كان ذلك في الماضي البعيد زمنياً..

والقريب ذهنياً.. وعاطفياً.

وفي الحاضر المريب..

ذهنياً.. وعاطفياً

صار ابن جارتنا.. الماشي.

وصار الرغيف خيّالاً بامتياز.

في الحاضر المريب والغريب بكل ما فيه..

صار أبناء جيراننا..

وأبناء قريتنا..

ومعظم أبناء وطننا.. الماشين.

وصارت الأرغفة خيّالة بامتياز.

وجاء من ركّب لها أجنحة لتطير.

وجهّز لها أمكنة لتحطّ فيها..

وتتكدّس فيها.

وفي الحاضر المريب..

جاء من علّب الأرغفة وتوابعها..

ببطاقات ذكية.. وغبية.

وعلى ذمة الراوي..

في المستقبل الغامض كأحزان طاغية.

سيقام سباق ماراثوني..

بين أولاد وطننا.. الماشين..

وبين الأرغفة الخيّالة.

برعاية من ركّب أجنحة للأرغفة.

وستقوم البطاقات الذكية.. والغبية..

بدور الحكم في هذا السباق.

رحم الله جارتنا..

فقد كانت تدعو على ابنها.. “من روس شفافا”.

وسرعان ما تندم.. وتستغفر ربها..

وتقدّم لابنها أول رغيف ينضج على صاجها.

كما قالت لي أمي..

من الجميل أن جارتنا لم تكن تعرف البطاقات الذكية والغبية.

ولا تفهم معنى التقنين والاحتكار والتهريب.

ولم تسمع بالحرب الكونية على قريتنا.