لكل السوريين

معاناة مستمرة لتأمين أسطوانة الغاز باللاذقية وريفها

اللاذقية/ سلاف العلي

غياب العدالة الاجتماعية تهدد السلم الأهلي، ليس فقط بسبب آثاره الاقتصادية المباشرة، وبسبب تداعياته الاجتماعية والسياسية العميقة التي تضعف التماسك المجتمعي وتهدد استقراره، ففي غياب نظام عادل لتوزيع الثروة والفرص تتفاقم الفجوة الاجتماعية وتتعمق مشاعر الإقصاء والظلم بين الفئات المهمشة، مما يخلق بيئة قابلة للانفجار في أي لحظة، وفي اللاذقية وريفها، كان غياب العدالة الاجتماعية أحد الأسباب الرئيسية التي أفضت تفاقم الازمات والمشاكل.

وأدى تركز الثروة والسلطة في أيدي نخبة فاسدة من النظام السوري السابق، إلى تهميش الغالبية العظمى من المواطنين، مما ولد حالة من السخط الجماعي وعدم الرضا الاجتماعي.

وأحد أخطر جوانب غياب العدالة الاجتماعية هو انهيار منظومة الحماية الاجتماعية التي يجب ان توفرها الدولة، وعندما تتهمش العدالة الاجتماعية، تتراجع الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والإسكان، وتفقد الدولة قدرتها على توفير شبكة أمان اجتماعي تحمي المواطنين، وهذا بالضبط ما يمثل وقودا دائما، حيث يؤدي تدهور الخدمات العامة وانهيار الاقتصاد إلى حرمان ملايين الناس من أبسط حقوقهم في العيش الكريم.

وعندما تغيب الدولة عن أداء دورها في توفير الحماية الاجتماعية، يلجأ الأفراد بطبيعة الأحوال إلى البحث عن بدائل أخرى، غالباً ما تكون قائمة على الانتماءات الثانوية.

بعد تعرض محافظة اللاذقية لأزمة في الغاز المنزلي ومعظم أنواع المواد النفطية، بدأت المؤسسة العامة لنقل المواد البترولية، عمليات تطوير معمل غاز اللاذقية.

ويهدف ذلك الى تحسين الجودة وطرح خطط للتطوير، ما يساهم في رفع القدرة الإنتاجية والاستعداد لاستقبال الشحنات النفطية من خارج البلاد.

مازال سعر أسطوانة الغاز من سعة 10 كغ غاز يتجاوز 200 ألف ليرة في السوق خارج البطاقة، بينما سعرها لدى مراكز التوزيع التابعة لشركة محروقات يتذبذب ما بين 150 – 175 ألف ليرة حسب سعر الصرف وحسب “المعتمد”.

بينما تفيد كل التقديرات التي حصلت عليها الوطن أن كلفة أسطوانة الغاز المستورد مضافا إليها كلف النقل والشحن والتخليص الجمركي وغيره من الرسوم لا يتجاوز 100 ألف ليرة وهو ما يطرح تساؤلا عن ارتفاع هامش الربح الذي تتقاضاه شركة المحروقات والهامش الأكبر الذي يحصل عليه باعة الغاز المنزلي في السوق السوداء بسبب عدم قدرة شركة المحروقات على تلبية كل احتياجات العائلات السورية من هذه المادة للاستخدامات المنزلية.

علماً أن حاجة العائلات السورية يتجاوز وفق التقديرات 50 ألف جرة غاز يومياً وبحال ذهبنا أكثر في البناء على هذه التقديرات سنكون أمام هوامش أرباح كبيرة من مليارات ليرة يومياً من بيع الغاز المنزلي.

وهذه أحد صور المعاناة الاجتماعية والشعبية المعبرة عن كل أوجه الازمة، ونعتقد أنها ستعمل إلى الانزياح نحو منظومات الحماية البديلة أحد أخطر النتائج المترتبة عن غياب العدالة الاجتماعية.

فبدلاً من الاعتماد على الدولة كمظلة جامعة، يجد الأفراد أنفسهم مضطرين للانخراط في شبكات بديلة توفر لهم الحماية والخدمات التي فشلت الدولة في تقديمها. وهنا تكمن المشكلة، فمنظومات الحماية هذه تعمق الانقسامات الاجتماعية، حيث تصبح الولاءات الثانوية هي الأساس الذي تبنى عليه العلاقات بدلاً من المواطنة المشتركة للجميع. وهذا ما يؤدي إلى تفتيت المجتمع لجماعات متصارعة، كل منها يدافع عن مصالحه الضيقة على حساب المصلحة العامة.

ويمكن بسهولة ملاحظة كيف أن غياب العدالة الاجتماعية أدى إلى تفاقم التوترات الثانوية، حيث تحولت المظالم الاقتصادية التي تعرض لها المواطنون على اختلاف انتماءاتهم إلى صراعات زائفة تهدد السلم الأهلي ولا تعبر عن جوهر المشاكل الاجتماعية والحياتية.

باختصار، غياب العدالة الاجتماعية لا يعني فقط حرمان الفئات المهمشة من حقوقها الاقتصادية، بل يعني انهيار منظومة الحماية الاجتماعية، مما يدفع الناس إلى البحث عن بدائل يجدونها في كثير من الحالات في الطائفة والعشيرة والقومية… إلخ. وهذه البدائل، وإن كانت توفر حماية مؤقتة، إلا أنها تعمق الانقسامات وتضعف التماسك الاجتماعي، مما يجعل تحقيق السلم الأهلي أمراً بعيد المنال.

ذلك، فإن أي محاولة جادة لبناء سلم أهلي مستدام يجب أن تبدأ بإعادة بناء منظومة العدالة الاجتماعية، بما يضمن توزيعاً عادلاً للثروة والفرص، ويعيد للدولة دورها كضامن للحماية الاجتماعية لجميع مواطنيها دون تمييز.