لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية.. تطور الدساتير السورية 4

تقرير/ لطفي توفيق 

احتضنت الحضارة السورية الضاربة في القدم أولى الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية، حيث اكتشف علماء الآثار الكثير من القوانين المكتوبة في منطقة سوريا التاريخية، تعود إلى مراحل وحضارات تاريخية مختلفة، ويعود أقدمها إلى تاريخ 2360 قبل الميلاد، في مملكة ماري، التي أُسست في الألف الثالث قبل الميلاد على ضفاف نهر الفرات في الجزيرة السورية.

ومع التطور الاجتماعي، عبر التاريخ المعاصر، بقيت مركز التشريع والتقنين، في محيطها الجغرافي، رغم التقلبات السياسية والاجتماعية، والانقلابات العسكرية التي عصفت بها.

تنوعت التشريعات في التاريخ السوري منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى الستينيات القرن العشرين، حسب أنظمة الحكم الملكية والبرلمانية والرئاسية المتعاقبة، وفرضت كل مرحلة دساتيرها وقوانينها الخاصة، حسب طبيعة الحكم في كل مرحلة، وتوجهاتها وظروفها السياسية والاجتماعية.

الجمهورية العربية المتحدة

بتاريخ 18 تشرين الاول 1957، عقد مجلس النواب السوري جلسة مشتركة مع مجلس النواب المصري، وصدر عن الاجتماع بيان دعا حكومتي البلدين إلى تقرير الاتحاد بين الدولتين.

وبناء على هذا الاجتماع، اجتمع رئيسا البلدين وأركان الحكومتين في 22 شباط عام 1958، واعلنوا توحيد القطرين في دولة واحدة، أطلق عليها اسم الجمهورية العربية المتحدة، وتقرر أن يكون نظامها رئاسياً ديموقراطياً.

وجرى استفتاء شعبي وافق على الوحدة مع مصر، كما تم انتخاب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية.

وفي الخامس من شهر آذار من نفس العام، تم وضع دستور جديد للجمهورية العربية المتحدة، وأناط هذا الدستور الموقت السلطة التنفيذية برئيس الجمهورية، بمعاونة نواب الرئيس الوزراء الذين يعينهم ويقيلهم بنفسه، وهم مسؤولون أمامه فقط.

وبمقتضى هذا الدستور تم تشكيل مجلس أمة مشتركة من المصريين والسوريين، كما تم صدور مراسيم أول تشكيل أول حكومة للجمهورية المتحدة.

والى جانب الحكومة المركزية، تم تشكيل مجلس تنفيذي في مصر، وآخر في سوريا يرأس كل منهما وزير مركزي.

وتولى السلطة التشريعية مجلس الأمة المكون من نواب يعين نصفهم رئيس الجمهورية، ويختار النصف الآخر من بين أعضاء مجلس النواب السابقين في سوريا ومصر.

ومنح مجلس الأمة حق طرح الثقة بالوزراء بشكل إفرادي، وبقيت المسؤولية الوزارية الجماعية من صلاحيات رئيس الجمهورية فقط.

وبذلك تبلور النظام بطبيعته الرئاسية المتشددة، وتراجع الإرث الديمقراطي السوري، وتحولت سوريا، خلال مرحلة الوحدة إلى النظام الاشتراكي في بلد كانت تزدهر فيه الصناعة والتجارة بشكل كبير جداً.

كما أُطلقت يد الأجهزة الأمنية في الحياة العامة، وأُلغيت الأحزاب السياسية المتعددة، وتم تقييد حرية الإعلام والصحافة التي كانت تعيش عصرها الذهبي في سوريا.

وشكل الدستور الذي وضعه عبد الناصر لدولة الوحدة مرجعاً للدساتير اللاحقة في سوريا، حيث ألغى الحكم النيابي البرلماني، وأقام نظاماً رئاسياً يعطي صلاحية كبيرة لرئيس الجمهورية، منها تعيين الوزراء وإعفائهم من مناصبهم، كما استبعد دستور الوحدة تعدد الأحزاب، وحرية الإعلام. وتعيين النواب السلطة التشريعية والحق بحلها.