لكل السوريين

حب “الأنتيكا” يدفع الحلبيين لحفظ التراث

حلب/ خالد الحسين 

صوانٍ نحاسية وخناجر مزخرفة تجاورها المسابح العاجية والتحف، مشهد في محلات ما إن تخطو إليها حتى تعود بك الذاكرة إلى عهد سابق، اجتمع فيه الفن والجمال مع البساطة والإتقان.

اشتهرت مدينة حلب بتحفها وفنونها المميزة، من الأرابيسك والبروكار والحرير والسيوف والآثار، وضمت كنوزًا، بعضها أحالته الحرب دمارًا وآخر سُرق وبيع في الخارج، أو ضاع دون تقدير واهتمام في زحمة الهموم المتلاحقة على السوريين.

في حلب، التي اجتمعت فيها المصاعب الاقتصادية، لم يتوقف حب التراث، وإنما اقتصر على قلة من الهواة، الذين لا يتصورون حياتهم بلا لمحة من الجمال.

بدأت مهنة “الشرقيات” من أسواق خاصة ضمتها كل مدن سورية، مثل سوق “النحاسين” في حلب، وضمت جمع الأواني المزخرفة القديمة التي امتازت بصناعتها اليدوية، وكانت تلقى رواجًا من السياح وهواة جمع التحف النادرة.

يجمع محبي الأنتيكة هؤلاء قطع نادرة لا تختص بمحافظة دون أخرى، من “المهابيج والسيوف الشامية والخناجر المجدلانية ودلات دير الزور النحاسية”.

لكن اقتناء التحف لم يعد كما كان، بالنسبة لمن يحبها.

لا تحمل التحف أسعارًا محددة، فحبها والرغبة باقتنائها، إضافة إلى ندرتها، هو ما يحدد الثمن، لكن ذلك لا يترك المهنة دون أخلاقيات للتعامل مع الزبائن، حسبما قال مالك متجر “الشرقيات” ‘محمد عبد الله’.

عمل محمد في مجال “الأنتيكا” منذ 18 عامًا، ويدفعه حب الندرة إلى التجول في أنحاء سوريا لجمع التحف، ولكن الحرب غيرت تلك الوجهة.

أهم ما يميز أعوام الحرب الطويلة هو المصاعب الإنسانية والضائقة المالية التي حولت جمع التحف إلى “كماليات”، لا يقربها سوى الهواة الذين يعتبرونها جزءًا لا يتجزأ من حياتهم.

وتقع التحف ضحية للعرض والطلب، الذي بات شحيحًا في السوق السورية، ولا يوجد تقييم واضح لأسعار التحف وقيمتها، حسبما قال محمد، ضاربًا مثالًا بسيف يقيّمه الآن بخمسة ملايبن، ولكنه خارج سوريا قد يباع بعشرة أمثال ذلك السعر ، في حين لا يقبل السوريون على شرائه ولو بمليون واحد.

وتحمل بعض القطع أختامًا لصناعها، تثبت أصالة القطعة وعمرها، حسبما قال زياد أبو عبد الملك ، مالك متجر “باب الحارة”، مضيفًا أن لون القطع النحاسية يساعد في تقدير عمرها، ما يمنعه من تلميع القطع التي يملكها، لأن الغبار الذي تحمله يصبح جزءًا من سحرها.

لكن التحف الزجاجية تلقى معاملة مختلفة في المتجر الصغير، الذي يعتني أبو عبد الملك بقطعه بـ”حب”، حسبما قال، واصفًا عمله بـ”حياته كلها”، واستمتاعه برؤية تحفه كل يوم بـ”نعمة مليئة بالمعاني”.

رغم متاعب العمل التي يعانيها محبو “الأنتيكا”، فإن تركها ليس خيارًا مطروحًا لديهم، والتراث السوري مدفون اليوم تحت أنقاض المنازل، بحال لا يصفها أبو عبد الملك سوى بـ”المؤلمة” لكل من يحب التراث وكل من يحب الماضي والجمال.