لكل السوريين

حلب.. دفن الموتى فوق بعضهم البعض، وتكاليف باهظة يتحملها ذويهم

حلب/ خالد الحسين

وسط الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السوريون بشكل عام، طفت على السطح ظاهرة ارتفاع أسعار القبور، ففي مدينة حلب بعدما عجزت جوليا المحمد  ٥٥ عاماً وهي من سكان حي المعظمية بمدينة حلب، شمالي سوريا، عن تأمين ثمن شراء قبر لوالدها المتوفى، اضطرت إلى دفنه فوق قبر والدتهُ المتوفية منذ (32 عاماً).

وقالت “جوليا المحمد” إنهم لم يستطيعوا معرفة مكان القبر الذي اشتراه والدها لنفسه سابقاً، لذلك “أجبرنا على دفنه فوق جدتي ومع ذلك كلفنا الأمر ٦٠ ألف ليرة.”

وفي شباط الماضي، رفعت لجنة الدراسات في مجلس مدينة حلب سعر القبر الواحد إلى ٩٥ ألف ليرة سورية، ليتجاوز بذلك راتب الموظف الحكومي.

وفي 2016 ، كان سعر القبر في حلب يبلغ 7250 ليرة سورية متضمناً الرسوم ورسوم مكتب الدفن وفي 2019 ارتفع السعر إلى 53 ألف ليرة سورية.

وبحسب أحد المسؤولين في مكتب الدفن بحلب، فإن أسعار المقابر تختلف ما بين أن يكون الشخص متوفى ومُحتضر.

ويبلغ سعر شراء “قبر محتضر” مع رسوم الدفن والغسل والتكفين لحوالي 200 ألف ليرة سورية، عدا عن المقسم الأسري الذي ارتفع سعر شراء الأرض فقط إلى مليوني ليرة سورية.

وتقوم بعض العائلات في حلب  بشراء أرض من المجلس، بمساحة تتسع لعشرة قبور وهو ما يسمى “المقسم الأسري”، فيما يلجأ آخرون وقبل وفاتهم لشراء القبر وتجهيزه بأحجار السيراميك أو البلاط  ويعرف بـ ”قبر محتضر”.

ويُرجع سبب ارتفاع سعر “القبر المحتضر” عن العادي، إلى أن الشخص يختار مكانه في المقبرة، ويقوم بتجهيزه حسب رغبته.

وقال عبد السميع محمد (38 عاماً) وهو اسم مستعار لتُرَبي يعمل لدى متعهد في أحد المقابر في حلب، إن المتعهد لديه عدة أساليب لتحصيل “رشاوى من ذوي المتوفي كاختيار مكان في نهاية المقبرة وفي المنتصف للدفن.”

وأشار إلى أن “الرشوة” التي يتلقاها المتعهد من ذوي الميت تتراوح ما بين 50 إلى 150 ألف ليرة، بحسب بعده عن الباب الرئيسي للمقبرة وسهولة الوصول إليه.

ووفقاً لما ذكره “محمد” للسوري، فإن المتعهد يقدم مغريات أخرى لذوي المتوفي من التعهد بتنظيف القبر أسبوعياً والاهتمام به.

لكنه اعتبر أن تلك المغريات “لا أساس لها من الصحة لأنه بعد فترة يطلب من ذوي الميت شهرياً ما بين خمسة إلى عشرة آلاف ليرة لقاء استمراره بهذه المهمة.”

وتختلف تكاليف بناء القبور بحسب أنواع الحجارة المستخدمة في بنائها، إذا أن القبر الواحد يستهلك سبعة أمتار من الحجر، بحسب “محمد”.

ويبلغ المتر الواحد من حجر  المرمر 130 ألف ليرة سورية في المنشرة قبل بدء تحجيره وتسويته وجعله صالحاً للإعمار، كما هناك أحجار أخرى تجارية لا يكلّف سعر المتر الواحد 30 ألف ليرة سورية.

ونتيجة انقسام مدينة حلب سنة 2013، بين مناطق خاضعة لسيطرة القوات الحكومية وفصائل المعارضة المسلحة، وخروج منطقة نقارين عن سيطرة الحكومة، اضطر سكان مناطق سيطرة الأخيرة، إلى دفن موتاهم في الحدائق وساحات الجوامع ومنصفات الطرقات.

وكان رئيس لجنة مكتب الإعداد والثقافة والإعلام الفرعي محمد سالم شلحاوي، صرح لصحيفة محلية في 2018، بأن هناك 5424 قبراً في 38 نقطة لأشخاص تم دفنهم خلال سنوات الحرب بشكل اضطراري نتيجة ما مرت به حلب بحاجة إلى نقلهم إلى المقبرة الحديثة.

وبعد إعادة القوات الحكومية سيطرتها الكاملة على مدينة حلب أواخر 2016 بعامين، طالب مجلس المدينة، السكان ممن دفنوا موتاهم في الحدائق لنقلهم رفات قبور ذويهم في الحدائق إلى المقبرة الحديثة قرب نقارين شرق حلب.

ومنذ سيطرة القوات الحكومة على حلب، رفع المجلس أسعار القبور في المقبرة بنسبة 117%.

ومطلع 2018، خصصت لجنة نقل المقابر العشوائية المُشكلة بقرار صادر عن محافظ حلب، مبلغ 50 مليون ليرة سورية كدفعة أولى لنقل المقابر العشوائية إلى المقبرة الحديثة.

وحتى الآن تم الانتهاء من نقل رفات الموتى من خمس حدائق داخل المدينة وهي حي صلاح لدين، حي العرقوب، حي السكري، حي المعري وكلية العلوم في سيف الدولة، فيما بقيت حديقتين تضم رفات موتى ولم يتم نقلهم إلى الآن، بحسب مسؤول مكتب الدفن.

وبحسب مسؤول مكتب الدفن فإن عمليات نقل رفات الموتى من تلك الحدائق تمت على نفقة مجلس مدينة حلب، باستثناء الذين قاموا بنقل رفات ذويهم إلى غير المقبرة الحديثة.

ويحتاج هذا إلى أمر قضائي في النقل، حيث يتقدم صاحب الأمر بطلب إلى المحكمة ويتم منحه الموافقة من قبل مكتب الدفن لإجراء اللازم ويتكلف الشخص بأجور النقل على نفقته الخاصة في هذه الحالة.

وقال محسن محسن وهو اسم مستعار لأحد سكان حلب إن الحكومة “لم توفر حتى الموت لتستفيد منه مالياً.”

وأشار إلى أن الحكومة تتحجج بـ ”الحفاظ على الحدائق العامة ومنصف الشوارع وساحات المساجد من مناظر غير حضارية، لكن لو كان الأمر لا يضم مربحاً مالياً لما فعلت ذلك.”