لكل السوريين

من بيروت.. إلى لويزيانا

على بعد نحو تسع سنوات من الآن، أي في الأول من شهر أكتوبر ــ تشرين الثاني لعام 2013، بعد انتظار استمر لأكثر من ساعتين في مطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة بيروت، حان أخيراً موعد إقلاع طيران الشرق الأوسط ــ ميدل إيست، المتجهة إلى مطار “ديغول” الدولي في باريس، ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ــ ولاية لويزيانا ــ المحطّة الرئيسة، وبعد أقل من خمس ساعات، حطّت أخيراً طائرة الايرباص مع حمولتها، وركابها الذي تجاوز عددهم المائتي راكباً الأراضي الفرنسية.

في مطار ديغول الدولي، كانت فترة الانتظار مملة، والتي ألّبت مخاوف المسافرين إلى وجهات سفرهم المختلفة، سواء إلى فرنسا، البلد الأم، أو إلى أوربا وإلى الأمريكيتين، وغيرها.

كان المطار يضجّ بكل شيء، وتميّز في كل اتجاه أينما توجهت في داخله، وأكثر ما يُلفت نظرك الزجاج الذي تشتهر به فرنسا والذي يغطي قسماً كبيراً من خدماته، وبصورةٍ خاصة، الحمامات، وهو على طراز نادر ومعمول بدقة فيها الكثير من الإبداع والحرفية والتفّرد، فضلاً عن التقسيمات الأخرى، ومقاعد الجلوس وتوزعها بشكلٍ متقن ومدروس، ناهيك بالمقاهي الصغيرة الحجم، والمطاعم التي تتوزع داخل البوابات التي تزخر بالمسافرين حيث محطاّت الإقلاع، وأماكن تواجدهم، ما يلفت نظر المسافر أياً كانت ثقافته وخبرته.

وبعد أن قضينا حوالي ثلاث ساعات في أرض المطار بانتظار موعد الإقلاع الثاني، على متن الطائرة الفرنسية والمتجهة إلى ولاية جورجيا الأمريكية، وبالتحديد إلى مدينة أتلانتا، والتي تعد من المراكز الرئيسة لتوجه المسافر من أوربا إلى أمريكا، غالب المسافرين الكثير من الشكوك، لجهة تأجيل موعد الرحلة المقرّر إلى اليوم التالي بسبب عطل فنّي طارئ أصاب الطائرة وهو في طريقه إلى الإصلاح، حسب ما علمنا من الطاقم المساعد للطائرة، وبالفعل انتهت الإجراءات الفنيّة، وبسرعة مذهلة، وتمكن الفريق الفنّي من التغلّب على العطل، بعد أن كنا متخوّفين من تأجيل موعد الرحلة، أو إلغائها.

في هذه الطائرة الايرباص العملاقة، اختلف الموقف تماماً، من حيث أعداد الركاب، والخدمات داخل الطائرة، وباتساعها، وسعة مقاعد الجلوس، وخدمات الضيافة، والحاجات الضرورية التي وضعت خصيصاً لخدمة المسافر لجهة تحكّمه بأجهزة الكمبيوتر المخصصة لكل راكب على حدة، وهو بنفسه يُمكنه متابعة ما وفّرته الشركة للمسافر من خدمات ترفيه عالية الجودة، والتي يمكنه استعمالها مجاناً طوال فترة الرحلة الممتدة من فرنسا، وحتى جورجيا ـ أتلنتا، والتي امتدت إلى أكثر من عشر ساعات متواصلة.

في هذا الجو المتحضّر، وتوافر الخدمات، ووجبات الطعام التي لم يبخل مضيفو الطائرة الذين يرتدون الألبسة الفاخرة، من الإسراع في تقديمها للمسافرين، وهذا ما جعلهم ينسون الفترة الطويلة للرحلة والمتجهة إلى الأراضي الأمريكية، قاطعين بذلك آلاف الأميال، وعابرين من فوق المحيط الأطلسي، وعلى ارتفاع شاهق تجاوز الـ ثلاث وثلاثين ألف قدم، أيّ ما يقارب من إحدى عشرة كيلو متراً.

وصلنا بلاد العمّ سام، بعد مرور أكثر من عشرة ساعات من السفر المتواصل، وهناك دخلنا إلى قاعة كبيرة، وهي القاعة المخصّصة لاستقبال المسافرين من كل أنحاء المعمورة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، العالم الجديد، المتجهين صوب هذه الولاية، والى الأماكن الأخرى، بصفة ترانزيت، ووجهات غير محدّدة وجهات سفرها.

في هذه القاعة، ما عليك إلاّ أن تقف بالصف، وبحسب الرتل الذي يحددونه لك، وهنا ستواجه موظف الهجرة، الذي لا مفرّ من أن يُواجهك بوابل من الأسئلة، وما أكثرها.. عن سبب الزيارة؟ وإلى من؟ وكيف تقضيها؟ وما هو المبلغ الذي تحمله بحوزتك؟، وهل يكفي فترة زيارتك؟ والى أين وجهتك بعد ذلك؟ والكثير من الأسئلة الموجهة، وبصورة محدّدة، لحملة التأشيرات السياحية، وهؤلاء لهم وضعهم الخاص، أضف إلى أنّه سيتم تحويلك من الوقوف في الرتل الأساس إلى موظف آخر، ومهمته، أن يقوم بإيصالك إلى الموظف المخصص لمثل هذه الحالة. هناك، يمطرونك بالكثير من الأسئلة، وقد تستمر ساعات الانتظار إلى ثلاث ساعات، وأكثر، بحسب الدور، والأشخاص الذين ينتظرون دورهم في أخذ الموافقة على الدخول إلى أراضي الولايات المتحدة، وقد يلجأ موظف الهجرة إلى أن يُحرمك من دخول الأراضي الأمريكية إذا لم يعجبه الرد على الأسئلة المطروحة، وفي هذه القاعة المخصصة للكثير من الجاليات العربية، والأسيوية، والأفريقية، وحتى المسافرين من دول أخرى، كروسيا وأوربا، يتعرضون للأسئلة، والأسئلة المملة.. وهذا من حقّهم!.

وأنت في القاعة بانتظار أخذ دورك، قد يفوتك موعد الطائرة المخصّصة للسفر بها إلى حيث وجهة سفرك التالية داخل الولايات الامريكية، ونتيجة الفترة الطويلة التي قضيتها مع موظف الهجرة، إلاّ أنه ستضطر إلى تغيير وجهة سفرك إلى شركة طيران أخرى، وإن كان هذا لا يكلفك شيئاً، وإنما يؤخّرك كثيراً عن موعد الوصول المحدّد الذي سبق أن تم تحديده مسبقاً مع الأصدقاء الذين ينتظرون وصولك في المطار، في بلد الجهة التي تنوي الذهاب إليها.

وفي الإقلاع الثالث، والأخير، حيث وجهتنا إلى ولاية لويزيانا الأمريكية، والتي تقع في أقصى الجنوب الغربي، على حدود المكسيك، وبعد أن قطعنا أكثر من ساعة من ركوب الطائرة، وحلقت على ارتفاع ما يقارب من ثلاثين ألف قدم، وهناك وصلنا إلى مطار نيو أورلينز، وهي المدينة الرئيسية في لويزيانا، حيث مكان إقامتنا، وبمجرد مغادرتك للمحطة الأولى، في أراضي الولايات المتحدة، وهي كما ذكرنا، الانتهاء من إجراءات السفر، وتحديد الفترة التي ينوي المسافر إقامته في أمريكا، ما عليك إلاّ أن تتجول في جميع أنحاء الولايات، سواء في الباص، أو القطار، أو المترو، أو في الطائرة، وفي السيارة وغيرها من وسائط النقل المتوافرة هناك.

وتظل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تصل مساحتها إلى نحو عشرة ملايين كيلو متر مربعة، والتي قامت على الهجرة، على الوافدين، فلا يكادُ يوجد شعبٌ في العالم القديم إلاّ وله جالية في هذا العالم الجديد، في مساحة تبدو وكأنها لا آخر لها، في بيئات جغرافية متفاوتة، من المدن الكبرى، إلى القرى الصغيرة، إلى الجبال المغطاة بالثلوج، إلى المساحات الشاسعة .. من السهول الزراعية، إلى الصحراوات الحارّة الكبرى التي تُضارع صحارى آسيا وأفريقيا، تظل غنية بأراضيها، ووفرة في كل شيء، ولها مكانتها، وهيبتها، وأهم ما يلفت نظرك الانضباط التام، وطبيعة الأعمال، واحترام ساعات العمل التي يقومون بها، وهناك الكثير من الفروقات عما نلحظه في وطننا العربي الكبير، وهو الفارق الوحيد، حيث لا يوجد هناك أي عوامل ضبط للعلاقات الجنسية القائمة، ونتائجها الباهتة وأكثر ما تتحمل مسؤليتها الأم، وهذا ما يؤسف له، وما يهمنا نحن العرب، هو الحفاظ على النسل.. وهذا وجه التميّز الذي ما زلنا نحافظ عليه، ونحترم أصوله.

 

عبد الكريم البليخ