لكل السوريين

السطو على مركز تكامل.. حين يمجّد السوريين “السارق”

حماة/ جمانة خالد 

قام مجهولون بالسطو على تجهيزات مركز تكامل في مصياف، الأسبوع الماضي، ما أدى لخروج المركز من الخدمة.

وجاء ذلك بعد غضب مواطنون لاستبعادهم من الدعم عبر البطاقة الذكية، وكما هو الحال في أغلب الأمور لا بد للسوريين من تداول الحدث افتراضياً، حيث كتب أحدهم (بوست) ينقل فيه الحدث، ويتذيله عبارة “اول الرقص حنجلة شكلا ثورة الجياع بلشت”.

ومن بين مئات التعليقات على صفحة “الوطن” الموالية، تناول ملابسات “السطو” على مركز “تكامل” في مصياف، لا يجد المتابع أي تعليقٍ يُدين من قام بهذا الفعل. بل على العكس، تفاعل المعلقون مع الخبر عبر مديح “اللصوص”، وتأييد فعلتهم، وصولاً إلى تشبيههم بـ “روبن هود”، وتوصيف ما قاموا به بأنه “حق مشروع”.

وكان لحادثة “السطو” تلك، خصوصية استفزت السلطات بصورة واضحة، وذلك لثلاثة أسباب. الأول، ما أُشيع عن أنها وقعت بعد ساعات فقط من بدء تطبيق رفع الدعم عن نحو 600 ألف أسرة سورية، وهو ما دفع إلى الربط بين الحادثة وبين الاستياء الشعبي الجلّي جراء خطوة الحكومة التي اتسمت بالكثير من الفوضى والعشوائية، بدليل عدد الاعتراضات المقدّمة في يومين فقط، عبر نظام الشكاوى الذي وضعته وزارة الاتصالات لهذه الغاية. إذ وصل عدد الاعتراضات إلى 200 ألف. أي حوالي ثلث من تم إخراجهم من الدعم. منهم، بإقرار وزير الداخلية، 67 ألف اعتراضٍ مصنف تحت خانة “مستبعد (من الدعم) بسبب السفر”، فيما المواطن المقصود بذلك، متواجد في سوريا.

أما السبب الثاني، لخصوصية حادثة “السطو” المشار إليها، فيرجع إلى التركيبة الديمغرافية لمنطقة مصياف غربي محافظة حماة، وحساسية العلاقة بين سكانها. فالمدينة ذات غالبية من أبناء الطائفة الاسماعيلية، يشاركهم سكان علويون وسُنة ومسيحيون. ومحاطة بريفٍ من غالبية علويّة، يشاركهم سكان اسماعيليون وسُنة ومسيحيون.

أما السبب الثالث لخصوصية الحادثة، أنها استهدفت مركزاً لشركة “تكامل”، المسؤولة عن تنفيذ نظام “البطاقة الذكية”، المكروه بشدة من السوريين جراء ما يسببه لهم من إرباكات وإذلال ومعاناة، للحصول على المواد المدعومة.

ومن هنا، يمكن فهم سرّ تكرار مَثَل “السارق من السارق كالوارث من أبيه”، الذي ظهر في عشرات التعليقات على خبر حادثة “السطو”. فشركة “تكامل”، أصدرت حتى الآن 4 ملايين بطاقة “ذكية”، تعاقدت مع الحكومة، منذ عام 2016، على إصدارها وتنفيذ عملياتها، بكلفة 400 ليرة سورية للبطاقة الواحدة –حسب أرقام قديمة-. ناهيك عن الرسوم التي تحصّلها في كل عملية تسليم لمواد مدعومة.

تفاعلُ الجمهور مع الحادثة عبر وسائل التواصل، دفع محافظ حماة لإطلاق تصريحات ينفي فيها أية صلة بين “السطو” على مركز “تكامل”، وبين قرار رفع الدعم عن مئات آلاف الأُسر. واستند نفي المحافظ، إلى أن عملية “السطو” وقعت قبل صدور القرار المذكور.

فالترحيب الكثيف بحادثة “السطو” -عبر التعليقات في وسائل التواصل- يحمل دلالات عميقة. وهو ما انسحب إلى مستوى أعلى، إذ حذّر إعلاميون موالون من عواقب اقتصادية واجتماعية، وحتى سياسية، جراء طريقة تعامل الحكومة مع ملف الدعم. في إشارة واضحة إلى احتمال انفجار الشارع.

وسرعان ما دُعمت تلك التحذيرات بأفعال ميدانية، ما تزال محدودة. إذ شهدت محافظة السويداء، جنوب البلاد، احتجاجات متفرقة أمام أفران الخبز، حيث رفض المحتجون شراءه بالسعر الجديد غير المدعوم (1300 للكيلو، بدلاً من 250 ليرة سورية)، وسط دعوات إلى قطع الطرق، والعصيان المدني.

الحكومة حققت ما تريد من هذه الخطوة. فهي حصّلت 1 تريليون ليرة سورية كوفرة مالية جراء ذلك. مما يعني أنها ستتمكن من تغطية ما يقترب من ربع عجز الموازنة العامة للعام 2022. أما التبرير، فهو تجنب مخاطر التمويل بالعجز عن طريق طباعة أوراق نقدية جديدة، تؤدي إلى انهيار اقتصادي كبير وعلى كافة المستويات، وفق وصف وزير الاقتصاد. لكن، إن كان التمويل بالعجز سيؤدي لانخفاض سعر صرف الليرة السورية وبالتالي زيادة الأسعار.. فماذا عن الأثر الاقتصادي المباشر لخطوة رفع الدعم الأخيرة؟

أما النتائج الاجتماعية، فستتمثّل في حدودها الدنيا باستمرار ارتفاع معدلات سرقة الممتلكات العامة والخاصة. وهي معدلات تزداد بإضطراد، إذ وصلت إلى حدّ إغراق مدن كحمص وحماة والسلمية بالظلام، 22 ساعة يومياً، في الآونة الأخيرة، جراء السرقات المتكررة لكابلات الكهرباء النحاسية.