لكل السوريين

جاك.. أرمني يعشق حلب ويحتفظ بأسرار خياطة الأحذية

حلب/ خالد الحسين 

محلٌ عتيق عمره يتجاوز الـ90  عاماً بنكهة خواجة أرمني ديكوراته بسيطة وبلمسات تحكي تاريخ مدينة حلب العريق، وعلى طريقة أفيشات الأفلام السينمائية القديمة تُعلق لافتة بإضاءة صفراء هادئة مكتوباً عليها

(جاك طرجيك خارسيان..خياط).

وعلى بابه الزجاجى شعار (G.G) وفاترينة قديمة لعرض منتجاته الجلدية وعلى بابه الصغير ستارة ناصعة البياض تضيف للمحل الهدوء والجاذبية بصورة أنيقة.

وعلى الطريقة التلقيدية ورائحة الزمن الجميل يقف رجل مسن مبتسم على طاولة خشبية وراء ستارته الحمراء السحرية داخل ورشتة العتيقة والمزينة بديكورات خشبية قديمة تصف جمال تراثها، ليصنع بيديه الأحذية والمنتجات الجلدية على طريقته الحرفية ومهارات صناعة وحرفة الزمن الأصيل من الجلد الطبيعى وبجودة فائقه.

لم يغيريه الزمن وظل بحياكة المنتجات الجلدية من قلب محافظة حلب الذي وقع بعشق تراثها الراقي والحضاري، جالساً بمحله الصغير والتراثي ليعرض المنتجات الجلدية المصنوعة يدوياً والمعروضة بريحة زمن الخير.

عم جاك، الذي يقترب عمره الثمانين وهو صاحب الورشة، يروي قصته ورحلته مع ورشته التي سماها على اسمه “جاك طرجيك خارسيان  ” والتي تعتبر مصدر سعادته، قائلاً: أنا أرمني الأصل وأتى أبي مهاجراً من أرمينيا، وفر هارباً منذ 100 عام وهو بعمر الـ14 عاماً لجأ أولاً إلى لبنان ومنها إلى دمشق ثم إلى مدينة حلب”.

وبعد 10 سنوات من استقراره بحلب اشترى هذا المحل الصغير وحوله إلى ورشه بمنطقة الأعظمية لعمل المنتجات الجلدية، بحسب العم جاك.

ومنذ ذلك الوقت وأصبح الأب ترزيا لمنتجات جلدية؛ حيث يقول جاك: “توارثنا هذه الحرفة من بعده، وبدأت الخياطة مع ترزية وصنايعية قدماء تشبعت وتعلمت منهم أسرار الحرفة ومازلت حتى الآن أعمل بالطريقة التقليدية وأعيش مع ذكرياتي بالورشة وكأنها الهواء الذي أتنفسه، وبعد مرض والدي توليت المهنة وتركت الدراسة فكان حلمي أن أصبح مهندساً ولكن الظروف لم تُسعفني واستكملت طريق أبي بالمهنة الترزي للمنتجات الجلدية”.

ويمضي في حديثه: “وقعت بعشق حلب الشهباء ولم أستطع تركها ولم أفكر بالعودة إلى أرمينيا، ولقبوني بالخواجة.. التاريخ لا ينسى ما لحق بالأرمن، ولكن سوريا أحتضنتنا وأصبحت موطنا”.

ويحكي كذلك: “تزوجت وأنجبت بحلب ولدي ولدان ولكنهم هاجرا وأسافر أحياناً لزيارتهما ولم أفكر بترك سوريا، وقمت بتعليم أحفادي الذين ولدوا بألمانيا اللغة العربية وتعليمهم القيم وأن الدين لله وأن كلا منا له علاقه بربه، ولم يسمع يوما ولا يسمح لأحد أن يفرق بين علاقاته مع المسلمين”.

ويعتز “عم جاك” وهو يتحدث ويذكر زبائنه الذين هاجوا إلى أرمينيا ومازالوا يحتفظوا بمصنوعاته الجلدية، مشيدين بجمالها وصناعيتها بحرفية دقيقة ويبعثوا له رسائل تشجيعية وحب لذكرياتهم بزيارة الورشة وشراء أجمل القطع الجلدية.