لكل السوريين

رسامة شابة حرمتها الحرب من ممارسة شغفها.. بدأت بتدريس حلمها للأطفال

تقرير/ جمانة خالد 

“عندما استيقظت صباح اليوم رأيت الألوان انسكبت في أنحاء غرفتي والستائر مغلقة، يكسوها ضوء الشمس المبهج الذي اخترقها مضيئاً زوايا غرفتي الزرقاء.. فتحت النافذة لأتفقد الأجواء في الخارج وكانت أشجار الزيتون التي على وشك أن تنقل لي لوحة جديده تتهامس فيما بينهما وتتبسم لي خجلة أدركت حينها أنه العيد مرة أخرى”.

لوحة فنية من وحي الخيال ترسمها في مخيلتها وتلونها على الورق، تلامس من خلالها المشاعر والأحاسيس، تجعلك تعيش الحياة بألوان قوس قزح السبعة، حياتها جمال الطبيعة البشرية.. بقلمها ترسم العيون وتجعلها تنظر إليك، في اللحظات الأولى تعتقد بأنها لقطة مأخوذة من كاميرا بيد مصور عالمي.

لمى خضر فتاة من سلمية، تبلغ من العمر 18 عاماً، مصممة أزياء ورسامة ومصورة حائزة على الشهادة العلمية من المرحلة الثانوية، تحب الرسم منذ نعومة أظافرها، وعاشت طفولتها مع الأقلام والألوان واللوحات البسيطة. شاركت بدورات رسم عديدة، وقد عاشت في ظل الحياة القاسية في السنوات الأخيرة في سوريا بمدينة سلمية، لم تتراجع عن رغباتها وطموحاتها، بل وحققت المزيد من الإبداع بقلمها وألوانها، وباتت لوحاتها أجمل ما يزين منزلها وجدران المعارض في عفرين رغم الظروف الداخلية الخانقة.

وتحدثت لمى عن تجربتها كفتاة سورية تعيش الأمل والأمل. وتقول: “كنت أحب الرسم منذ صغري، وكنت أرسم في طفولتي أشياءً جميلة.. عائلتي وأحبابي شجعوني أكثر حتى أستمر؛ فبدأت أرسم منذ صغري.. ساعدوني كثيراً بعد ما كبرت وقالوا لي أنني جاهزة للرسم ووضع السطور والخطوط بمكانها.

وتتابع “فعلاً بدأ التطور يظهر على رسوماتي، وبدأت أصابعي تحب الألوان أكثر.. دخلت في مرسم الإبداع بناءً على رغبة عائلتي فحصلت على دورات أكثر، وكانت آنستي هي التي أعطتني حقنة الشجاعة وأعطتني والقدرة على وضع أحاسيسي ومشاعري في لوحاتي ورسوماتي.. كانت بجانبي دائماً، فبتشجيعها ودعم أهلي استطعت النجاح في مجتمع يرى أن فتاة ترسم ما هو إلا أمر غريب”.

إصرار

دائما ما كانت لمى تسمع من حولها عن غرابة وصعوبة الأمر “هل لفتاة في مطلع عمرها أن ترسم؟”، ولكنها –وكما تقول- لم تقف ولم تسمح لوقع تلك الكلمات أن يؤثر على شغفها، فتابعت طريقها بتشجيع من محبيها من أهلها وآنستها وأقربائها. مضت ثلاث سنوات في مراحل التطور والتغيير، وشاركت في المعارض الفنية. توقفت لفترة وأغلق المرسم الذي كانت تتدرب وترسم به بسبب تردي الأوضاع وخسرت لوحات رسمتها بأيديها ووضعت فيها أحاسيسها، وفارقت أصدقاء وتغيرت معالم الحياة وازدادت صعوبة.

تقول لمى: بعد نزوح لشهرين متتالين عدنا أنا وعائلتي لبيتنا، حاولت العودة بشكل مباشر لحياتي الطبيعية، لكن بينما أنا أمسك بقلمي لأرسم أشعر بألم بداخلي وأختنق وتذرف دموعي على لوحاتي ليسقط القلم من يدي في كثير من الأحيان.. استمرت حالتي لفترة ليست بقليلة وبدعم أهلي ومساندتهم لي وإصراري على متابعة طريقي ونجاحي وتحدي الأزمات من حولي، تجاوزت محنة فراق أحبتي وخروجي من بلدتي وعودتي إليها من جديد والكثير من الأصدقاء غير موجود.

“فكرت جيداً وقررت النهوض بحلة جديدة أقوى من الماضي، ورسمت أحلامي الجديدة من مبدأ الإبداع من الألم والوجع.. رسمت بمنزلي وبغرفتي الصغيرة دون مرسم خاص بعد أن طحنت الحرب المرسم في المدينة واوجعتني وجعلتني ابحث عن طريقي من جديد”.

صعوبات

وتقول: “أدواتي لم يتبق منها إلا القليل، عملت بها ورسمت.. بحثت عن أقلام وألوان جديدة لكن لم أجد.. أيضاً لم أستسلم رسمت بما أملك.. عام كامل بأدوات بسيطة.. وضعت في مكتبتي أجمل اللوحات وشاركت على صفحتي أجمل الفنون والألوان.

وتستطرد لمى “أجمل ما حدث معي أني تحولت لآنسة أستطيع أن أعطي معلوماتي وأهدافي وإبداعي للآخرين ليتمكنوا من النجاح في أهدافهم ويأخذوا حفنة من الأمل والنصائح للسير على الطريق الصحيح لأساليب الرسم والفن”.

لا تحاول البحث عن حلم خذلك، وحاول أن تجعل من حالة الانكسار بداية حلم جديد ولا تقف كثيراً على الأطلال.

بقرارة نفسي أقول دائما أنه: لا تحاول البحث عن حلم خذلك، وحاول أن تجعل من حالة الانكسار بداية حلم جديد ولا تقف كثيراً على الأطلال، بخاصة إذا كانت الخفافيش قد سكنتها والأشباح عرفت طريقها، وابحث عن صوت عصفور يتسلل وراء الأفق مع ضوء الصباح”.

أحبت لمى الرسم عن كل شيء يتعلق بالطبيعة والحزن والتفاؤل والأمل، وأحبت خصوصية لوحاتها وقدرتها على تحويل حزنها وفرحها إلى تفاؤل وأمل، صنعت رسوماتها عن الحرب لتخط بها طريقها إلى المستقبل.. رسمت ولخصت معاناة الأطفال بصور رأتها عيناها في الواقع الحقيقي الذي عاشت فيه.

وبحسب وصفها فإن كل ما حولها يعطيها القوة لرسم الطبيعة والمحبة والأهل والأصدقاء، وتمنت الشابة اليافعة التي وجدت نفسها في حقل مؤلف من نيران الحرب- أن تستمر بالرسم وتتمكن من استكمال دراستها وتصمم الأزياء وتحقق المزيد من الإبداع. بينما ختمت كلامها بعبارة طلبت أن يقرأها العالم بأسره فقالت: “سوف أحاول مرة، ومرتين إذا أحببت الشيء، وثلاثة مرات للتأكد منه، وسأستمر في الحياة حتى أحقق النجاح”.