لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية..تطور الدساتير السورية 2

احتضنت الحضارة السورية الضاربة في القدم أولى الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية، حيث اكتشف علماء الآثار الكثير من القوانين المكتوبة في منطقة سوريا التاريخية، تعود إلى مراحل وحضارات تاريخية مختلفة، ويعود أقدمها إلى تاريخ 2360 قبل الميلاد، في مملكة ماري، التي تأُسست في الألف الثالث قبل الميلاد على ضفاف نهر الفرات في الجزيرة السورية.

ومع التطور عبر التاريخ المعاصر، بقيت مركز التشريع والتقنين في محيطها الجغرافي، رغم التقلبات السياسية والاجتماعية، والانقلابات العسكرية التي عصفت بها.

وتنوعت التشريعات في التاريخ السوري منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى ستينيات القرن العشرين، حسب أنظمة الحكم الملكية والبرلمانية والرئاسية المتعاقبة، وفرضت كل مرحلة دساتيرها وقوانينها الخاصة، حسب طبيعة الحكم في كل مرحلة، وتوجهاتها وظروفها السياسية والاجتماعية.

دساتير سورية في ظل الانتداب

لم يستمر دستور المملكة السورية طويلاً، حيث أُلغى الفرنسيون دستور الملك فيصل، لصالح “صك الانتداب” الصادر في العام 1924، الذي قسم الأراضي السورية لثمانية أقاليم منفصلة، وأحدث دولة مستقلة للعلويين وأخرى للدروز.

ومع الضغط الشعبي الذي وفّرته الثورة السورية الكبرى عام 1925، اضطر المندوب السامي الفرنسي، هنري بونسو إلى إجراء انتخابات عامة في العام 1928، وتأسيس أول لجنة دستورية مؤلفة من 27 نائباً، وبدأت بوضع دستور جديد عن طريق لجنة ترأسها فوزي الغزي، الذي كان واحداً من كبار فقهاء القانون الدستوري في ذلك الوقت.

وأنجزت اللجنة التأسيسية صياغة دستور مكوّن من 115 مادة، نصت على استقلال سوريا ضمن نظام نيابي وطني جمهوري، وحددت علاقاتها كدولة مستقلة مع فرنسا بالنصوص التعاهدية التي يمكن أن تعقدها الدولتان في المستقبل.

كما أعطى هذا الدستور صلاحيات واسعة لمجلس النواب، وضَمن الحريات العامة والدينية.

إلا أن فرنسا فرضت المادة 116 على هذا الدستور، وأعطت من خلالها صلاحيات واسعة لسلطة الانتداب، ونصت على أن “ما من حكم من أحكام هذا الدستور يعارض، ولا يجوز أن يعارض، التعهدات التي قطعتها فرنسا على نفسها فيما يختص بسوريا”.

ورغم ذلك، اعتمد هذا الدستور بعد أن وقعت عليه فرنسا في العام 1930، ونظمت انتخابات نيابية، وتم تأسيس الجمهورية السورية، لتكون ثالث دولة في الشرق الأوسط تتبنى النظام الجمهوري بعد تركيا ولبنان.

ومهّد مناخ الحريات المدنية الذي وفّره الدستور لإنهاء الانتداب الفرنسي، عبر فتح المجال أمام ظهور المؤسسات الدستورية الوطنية للدولة السورية، والأحزاب والشخصيات الوطنية التي شكّلت أولى بذور المقاومة ضد الفرنسيين.

في العام 1943، وخلال حكم الجنرال ديغول، جرت في سوريا انتخابات نيابية، وأقر المجلس المنتخب الجديد تعديلات على دستور 1930، وألغى المادة 116، وأعاد منطقة جبال العلويين وجبل الدروز إلى الدولة السورية.

كما أقر النظام الجمهوري النيابي، ونصّ على تولي مجلس النواب سلطة التشريع، وانتخاب رئيس الجمهورية، وكفل الحقوق التقليدية للسوريين.