لكل السوريين

“الأرامل والمطلقات” بين نظرة المجتمع وتأثير الحرب

تبدأ معاناة النساء السوريات “المطلقات والأرامل” من نظرة المجتمع -التي لا ترحم- إليهن، لتنتهي بمواجهة مشاق الحياة المعيشية الصعبة وحدهن، بخاصة إذا لم يكن لديهن معيل أو مصدر رزق يؤمن احتياجاتهن اليومية وتربية أبنائهن.

اتخذت بعض النساء الأرامل والمطلقات في سوريا -في ظل تلك الظروف القاهرة- قرارات غير مألوفة في مجتمعاتنا سابقاً، كالزواج من رجل متزوج ليحمل عنها عبء التكاليف المعيشية، أو الزواج من رجل مسن، أو كاضطرار بعضهن العمل بمهن شاقة ومتعبة، ومنهن من اضطررن أيضاً للعمل في تنظيف المنازل.

لم تكن مشقة السنوات العشرة من الحرب في سورية كافية لتلقي بظلالها على فئة مضطهدة داخل البلاد وخارجها، لتبدأ تلك الفئة مسيرة طويلة من العذاب سببها الأول والأخير فقدان رجل واستغلال آخر.. المطلقات والأرامل في سوريا وأزمة المفاهيم والمصطلحات وما بين متفهم ومستغل تترنح هذه الفئة بين أنياب المجتمعات المفترقة التي وصلت إليها هذه الحالات بسبب التهجير.

رولا البالغة من العمر 25 عاماً، وهي من مدينة حمص وتقيم في أحد أحيائها، هي أم لثلاثة أطفال، تروي قصتها بقلب مغلف بالحزن والدموع تغمر مقلتيها وفي مخيلتها ذكريات قديمة تعيش على ما فيها من صور، شاكية بثها وحزنها إلى الله، كما تقول.

تقول رولا إنها فقدت زوجها في العام 2014جراء اشتباكات حدثت ما بين المسلحين والجيش السوري في مدينة الخالدية، كان هو المعيل الوحيد لها ولأولادها.. هي لم تكمل تحصيلها الدراسي، فقد توقفت عند المرحلة “الابتدائية” فقط، إضافة إلى أنها لا تجيد أية مهنة، وقد كانت حتى العام 2016 لم تعمل، فقط مكرسة حياتها للاهتمام بأطفالها داخل المنزل، وعلى رغم مساعيها للعمل بعد ذلك إلا أنها لم تجد عملاً مناسباً.

رولا تعيش بأحد الأحياء الفقيرة، التي لا تتواجد فيها أية فرص عمل ولا أي مكان تجاري لتعمل به لتؤمن لقمة العيش لأطفالها، كما تقول.

وتردف: مصاريف الحياة ترهقني جداً، وأغلب الرجال لا يقدرون على تحمل مصاريف أسرهم في هذه الأوضاع فما بالك بالنساء؟ أنا الآن أعيش على المبالغ التي ترسل لها شهرياً من أقاربي في الإمارات وفي مناطق أخرى.

باتت تواجه “رولا” قسوة ومتاعب الحياة بمفردها، أخذت على عاتقها دور المُعيل “الزوج” ودور الأم في آن واحد، فعندما كان زوجها يقوم بكل الأمور المنزلية أصبحت هي من تقوم بتدابير المنزلية، تضطر للسعي لتأمين مستلزمات المنزل، وتقول رولا إن هناك أموراً صعبة جداً عليها لتأمينها، فيما كان يقوم بكل هذه الأمور سابقا زوجها “المتوفي”.

وبحسب الجمعية الإسلامية الخيرية العاملة في حمص، خلال الورشة التي عقدها صندوق الأمم المتحدة مع القائمين على المنظمات الاجتماعية والإنسانية بعنوان تمكين المرأة؛ أن 60% من النساء في ريف حمص يعشن دون معيل، إما فقدن أزواجهن بالحرب، أو غادروا البلاد.

شهدت سوريا ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الأرامل والمطلقات مع ارتفاع وتيرة الحرب، فبحسب دراسة حديثة لمركز مساواة السوري حملت عنواناً “ما لم تقله الحرب لكم” فإن المعدل الرسمي للترمل لا يتجاوز 2 بالألف قبل الحرب، أما حاليا فإنه من بين كل ست نساء هناك أرملة واحدة على الأقل، يضاف لهن اللواتي ينخرط أزواجهن في القتال الدائر في البلاد، فينتظرن أسوأ توقعات بأن لا يعودوا بسبب الموت في المعارك أو مغادرة البلاد أو فقدان الأثر. ويتجاوز عددهن المليون أرملة يعشن بين المخيمات أو اللجوء الداخلي.

لم يرحم المجتمع النساء الأرامل والمطلقات منهن، إذ يجلُب لهن الشائعات والكلمات المسمومة وبعض التحرشات التي قد تنال من سمعتها وشرفها وكرامتها، لن يدعهن أن يستمرون بمداواة جراحهن بعد تجربة الزواج الفاشلة التي انتهت بالطلاق أو بعد كسر قلوبهن بفقدان أزواجهن. وبحسب وصف “منظمة الأمم المتحدة” إنهن من أشد نساء العرب قهراً لما يعانينه جراء الضوابط الاجتماعية المفروضة عليهن من قبل الأهل والمجتمع.

يتعرضن بعض النساء “المطلقات والارامل” اللواتي ليس لهن من يحميهن “للاستغلال الجنسي” بسبب الفقر والحاجة التي يعانون منها بسبب الحرب في سوريا، ولا يقتصر الوضع في مناطق الداخل السوري، إذ “يتعرضن بعض النساء للتحرشات والابتزاز، مقابل استلام أسطوانة غاز وغيره، بل يتعدى الوضع للوصول لمناطق عموم سوريا حيث يتم أيضا استغلالهن من قبل مسؤولين محليين مقابل استلام حصصهن من المساعدات الإغاثية التي تقدمها منظمات دولية في سوريا”.

تقول ريم وهي مهتمة بالجانب الاجتماعي عادة بالحروب المشابهة تفقد الأرامل والمطلقات المُعيل ولكن يبقوا في بلادهن وفي منزلهن ومحيطهن ومجتمعهن الضيق بحيث يؤمن لهن الحماية، لكن الوضع في سوريا سيئاً للغاية.. لقد فقدن كل ما يمتلكن من المال ومن منزل آمن، واضطررن للنزوح لمناطق أخرى، بالتالي عانين من الغربة والفقر الشديد والعوز مع فقدان المُعيل.

وتضيف “هناك فجوة حقيقة ما بين منظمات المجتمع المدني وما بين المستفيدين بشكل عام، سبب الفجوة أولا أنه يوجد تشويش في وسائل التواصل الاجتماعي وشائعات دائمة موجودة تبث هنا وهناك وبالتالي تُفقد الثقة بالمنظمات، إضافة إلى الأخطاء التي ارتكبتها بعض المنظمات أثناء عملها، وهي الأخطاء التي أسهمت أيضا في تعزيز هذه المشكلة”.

وترى ريم “أن هيكلية المجتمع السوري تأثرت بشكل طال وحدة الأسرة وأهم مكوناتها، وظهرت إلى الواقع شريحة اجتماعية كبيرة من المطلقات والأرامل يحملن أعباءً اقتصادية واجتماعية وإنسانية لم تكن بالحسبان، ناهيك عن عدم إعدادهن المسبق لمثل هذه الأدوار التي شكلت ثقلاً نفسيا مؤلماً لغالبيتهن”.

وتابعت: “إن الحديث عن أشكال المعاناة التي تواجهها المرأة المطلقة أو الأرملة في ظل الحرب الدائرة في سوريا، يمكن تصنيفه باختصار في إطار المعاناة الصحية والنفسية، وكذا المعاناة الاقتصادية، والمعاناة التربوية، وأيضاً المعاناة الاجتماعية والمهنية”، علماً بأن هناك الكثير منهن تجاوزن الأزمة وأدركن مفاهيم الحياة الجديدة وحصنَّ أنفسهن وعائلاتهن نفسياً وتربوياً، ومارسن أدوارهن أفضل مما كان يقوم به أزواجهن.

وتختلف نظرة المجتمع للمرأة المطلقة أو الأرملة من بيئة الى أخرى، حسب البيئة وما تحمله من منظومة أخلاقية اجتماعية ثقافية دينية، إلا أن الغالب على الشعب السوري هو النظرة السلبية للمطلقة والأرملة ويضع لها حدودا قاسية في الحركة والعمل والتعلم وممارسة الدور الطبيعي لها في الحياة، إلا أنه مما يلاحظ أن المرأة السورية المطلقة والأرملة استطاعت نوعاً ما كسر تلك الحواجز ومتابعة حياتها والقيام بمسؤولياتها التربوية والاجتماعية الاقتصادية، وإن كان ذلك مختلفاً من مكان إلى آخر وبنسب قليلة، كما نلاحظ أن المطلقات والأرامل يعانين من أفراد أسرهن ومن أقاربهن ومن المجتمع ومؤسساته المختلفة، نتيجة بنية ثقافية تربوية منغلقة منذ فترة طويلة من الزمن بفعل التركيز على الرجل في توفير متطلبات حياة الأسرة.