لكل السوريين

النزوح وفقدان المعيل.. قصة لامرأة سورية

ذكراه انطبعت في رأسي فلا أنساه. ودعته بدموعي وأحزاني. ذهب دون عودة بقلبه البريء المليء بالحياة والحب” تتحدث الشابة السورية حنان (23 عاماً) عن زوجها الذي فقدته بعد حياة دامت لبعض السنوات.

بدأت الحكاية من الحولة بريف حمص الشمالي وحطت بهم الرحال -بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا- في حماة؛ هربا من القصف والحصار الذي دمر المنازل وحطم أحلام الصغار والكبار. فقدت حنان زوجها بطريقة بشعة، لكنها لم تفقد الأمل.

حنان هي إحدى النساء اللواتي ذهبت بهن رياح الحرب يميناً ويساراً، كل محطة تأخذ منهم جزءاً من روحهم. بدأت قصتها في الحولة عندما تزوجت من شاب يدعى “أحمد” وعاشت معه في ظل أعنف الحملات العسكرية التي شُنت على المدينة منذ اندلاع الأزمة السورية وبقيت حتى خسروا كل ما يملكون واضطروا للخروج إلى عدة محطات، قبل أن يستقروا بحماة بعد أن أغلقت بوجههم جميع الابواب في الداخل.

تقول حنان وعلامات الحزن لا تفارق وجهها: عند وصولنا إلى حماة شعرت بأنني سأصبح جزءاً مؤثراً في المجتمع، وأني قادرة على بناء أسرة وأعلم أطفالي ما كنت أحلم به في صغري.. تنقلنا ثلاث مرات في رحلة نزوحنا. حتى استطعنا الوصول إلى مكان مناسب.

“بعد خروجنا بفترة قليلة تهجر جميع أهالينا وبقيت ذكرى نستحضرها في أمسياتنا ونستحضرها في الفعاليات النسائية التي كنت لطالما أتواجد فيها بهدف تطوير نفسي. أسجل في الدورات التعليمية التي تقدم معلومات هامة حول قيادة الحاسب واللغة الإنجليزية ومختلف المجالات التي تجعل من المرأة فاعلة في المجتمع وكان بجواري أهلي وزوجي سنداً لي في ذلك الوقت”.

تقول حنان: “في أحد الأيام خرج زوجي صباحاً إلى عمله كعادته، لكن في هذه المرة لم يعد في المساء، وتأخر حتى زاد القلق وبدأ التفكير، وبدأنا البحث واتصلنا بالأصدقاء وأخبرنا الشرطة والمشافي والمخافر ولم نحصل على نتيجة.. عروقي تفجرت وأفكاري تضاربت هل سأراه من جديد؟!

“مع الأسف لا لقاء جديد، فأيدي الظلم لحقت بنا إلى هنا ولم تدعنا وشأننا بل كانت أشد ظلماً بي وبزوجي وأطفالي.. للأسف في اليوم الثاني وجدت الشرطة زوجي أحمد مقتولاً ذبحاً وملقياً بأحد الطرقات في مكان بعيد عن منزلنا، قتلوه دون رحمه لا بأطفاله ولا بعائلته”، دون أن يتحدد سبب القتل ما إن كان بغرض السرقة أو لأسباب أخرى.

حنان لم تجد متسعاً للحزن على زوجها ولا لوداعه، فتم حجز معظم أقربائه وأصدقائه بمن فيهم هي زوجته لمدة خمسة أيام على ذمة التحقيق. وتقول: “لم يكترثون لمشاعر امرأة فقدت زوجها ولديها طفله صغيرة وأخرى في بطنها”.

“مضت الأيام على وفاة زوجي وأصبحت وحيدة مع أطفالي، ذهبت لأستقر مع أهلي الذين هم أيضا تهجروا، وكانوا يعيشون في منزل صغير بالقرب من المنطقة التي أعيش بها أنا.. لكن أحزان أهلي كانت كبيرة ودخلت أنا لتزداد الآلام ونشارك بعضنا البعض بما قسمت لنا الحياة وفرضت علينا الحرب على مر السنوات الماضية وكسر بها خواطر ومشاعر الصغار والكبار”.

وتستطرد: “عائلتي مؤلفة من والداي وأخواتي البنات الثلاثة، الكبيرة مطلقة لديها طفلان، والثانية مات زوجها في حمص بقصف بصواريخ الحقد، لدي أخت صغيرة. نعمل الآن في محلات الألبسة وأدوات التجمل لنستطيع العيش وتأمين قوت يومنا ونعلم أبنائنا ليتمكنوا من الحصول على حياة سعيدة”.

“صحيح أن الحزن كبير، وكبير جداً لفراق الأحبّة، لكن العزيمة والقوة والرغبة في تأمين “لقمة العيش” تحول دون أن نغرق أنفسنا في ذلك الحزن، العمل والكفاح هو وسيلتنا نحو ذلك”. لم تستسلم حنان، فهي الآن الوالد والوالدة لطفلين، عليها تربيتهم وتعليمهم، إضافة للمساهمة مع أسرتها في المصروفات، حالها حال الكثيرات من السوريات اللاتي يعلن أسرهن بعد أن فقدن العائل.