لكل السوريين

المرأة في الساحل السوري معاناة ومسؤولية مضاعفة

تقرير/ أ ـ ن

دفعت الحرب النساء في الساحل السوري إلى العمل، حيث أصبحن المصدر الأساسي للدخل، وتواجدن في مجالات عمل كانت محظورة من قبل، ومن المهن التي باتت متاحة للنساء، العمل كسائقات لسيارات الأجرة، أو حتى صيد الأسماك أو العمل ضمن مقالع الحجر أو في منطقة المرفأ بتحميل وتنزيل البضائع القادمة من البحر، إضافة إلى أعمال البناء والنقل في أسواق الخضار والمناطق الصناعية، كما انخرطن في العمل العسكري والجيش.

كل ذلك يتم مع غياب كامل للحقوق من ضمان صحي أو تأمين لإصابات العمل في حال تعرضت النساء لأي حادث خلال العمل، إضافة إلى الاستغلال المادي وعدم تناسب المدخول مع الحاجات أو مع العمل المقدم، كذلك لا يوجد أي ضمان اجتماعي كالتقاعد أو الاستمرار في الحصول على الراتب في حال حصول أي حادث أو طارئ، وأغلب الأعمال تتم وفق عقود مؤقتة لا استمرارية ولا ضمانة فيها للرواتب.

لكن المشكلة في وضع النساء في الساحل السوري تكمن في غياب الشريك، أو حتى أفراد الأسرة الذين من شأنهم تقديم الدعم على مختلف الأصعدة، السيدة نبال تعمل براتب يومي لا يزيد عن عشرة آلاف ليرة سورية، وتوضح أن دخلها لا يكفي لسد بعض الاحتياجات البسيطة لها ولأسرتها، لكنها مجبرة أن ترضى فلا خيار آخر أمامها، إذ تحتاج الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد إلى خمسين ألف ليرة سورية يوميا كحد وسطي للعيش بكرامة، وذلك بشرط أن يكون المنزل ملكا لها دون الحاجة لدفع أجار شهري، لأن المبلغ هنا يزداد.

لقد تضاعفت المشكلة بالنسبة إلى النساء كونهن يعملن بأعمال شاقة خارج المنزل ويعدن للاهتمام بأطفالهن ومنازلهن، في الوقت الذي يغيب فيه الرجل مختفيا قسريا أو ميتا او جريحا معاقا أو مهاجرا، وليس هناك حل لمعاناة هذه السيدات إلا بوجود قوانين تضمن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، وتوعية المجتمع على أهمية التغيير في ضوء التطورات والظروف الراهنة.

الدكتورة تمارا طبية علم نفس باللاذقية : اشارت الى أن تغير أدوار وعمل النساء في الساحل السوري، وانتقالها من الأعمال المنزلية واليدوية البسيطة إلى الأعمال الخارجية وانخراطها في أعمال البناء والبلديات أو حتى إدارة الورشات وغيرها جراء غياب دور الرجل، يحمل وجها إيجابيا وآخر سلبيا، ولا يمكن قياس أثره بشكل كامل حاليا، لكن يمكن أن يظهر على المدى البعيد في المجتمع ، وفي حين تكمن الإيجابيات الحالية في كسر التنميط لأدوار النساء وفعاليتها وقبول المجتمع لهذا التغيير بسبب الحاجة الاقتصادية والواقع، إلا أن الأثر سوف يمتد لاحقا على واقع الأعمال، وبالتالي يصبح نتيجة احتياجات السوق دون تمييز بين الرجال والنساء.

ونشير الى الوجه السلبي الذي يتجلى من خلال ظروف العمل السيئة والاستغلال نتيجة الحاجة المادية، وبالتالي تخفيض الأجور والتهديد بالطرد وغياب الضمانات نتيجة عدم وجود عقود تضمن للعاملات حقهن، مثل التثبيت في العمل ونظام العقود لمدة ثلاثة أشهر فقط.

وتؤكد الدكتورة صباح باللاذقية: الى أن غياب الرجل عن الأسرة وتحمل المرأة المهام بمفردها يترك أثرا نفسيا كبيرا يبدأ منها ومن حال أسرتها وينعكس على المجتمع، فهو يسبب العزلة للكثير من النساء، إضافة إلى الاكتئاب النفسي والعصبية الشديدة، فضلا عن الفقدان العاطفي والجسدي الذي تعيشه المرأة، وان استغلال جهد النساء في العمل تعلق بالنظرة النمطية في المجتمع السوري للمرأة والتقليل من قدراتها.

لجأت السيدة منى من احياء اللاذقية،  إلى عمل العتالة نتيجة ظروف صعبة، فهي زوجة معتقل، وأولادها الكبار تركوا المدينة وهربوا منذ سنوات نحو المناطق الخارجة عن سيطرة النظام خوفا من مصير يشبه مصير والدهم، بينما بقيت هي مسؤولة عن ثلاثة أطفال، موضوع العتالة كان أمرا مستهجنا وغير محبذ، لكن الغياب الواضح للشباب أتاح الكثير من الشواغر، فهم باتوا إما مهجرين أو قتلى أو جرحى أو معتقلين، ليس لدى منى أي مشكلة مع عملها في حال لو كانت قد اختارته بإرادتها أو كان جهدها المبذول في هذا العمل يتناسب مع الدخل الذي تحصل عليه، حال منى يشبه حال النساء العاملات في المهن الشاقة ، وتحديدا في اللاذقية وطرطوس، حيث يخرجن للعمل ما يقارب 9 ساعات في البرد والحر الشديدين، يرافق ذلك أزمة مواصلات خانقة جراء غياب المحروقات وارتفاع أسعارها بشكل كبير إن وجدت، أما عن تأمين احتياجات المنزل ففي مدن الساحل السوري.