لكل السوريين

الزواج دون إنجاب.. الحرب تدخل بأشكال زواج السوريات

تقرير/ جمانة الخالد

تبرز ظواهر جديدة تُلقي بظلالها على الحياة والعلاقات الاجتماعية. ومن بين هذه الظواهر الغريبة والمثيرة للجدل التي تلفت الأنظار، ظاهرة زواج بشروط غريبة تجتاح المجتمع السوري، مثيرة جدلا واسعا وتساؤلات حول تأثيرها وأبعادها المجتمعية.

وتبرز هذه الظاهرة أمام السوريين كواحدة من الاستجابات للتحديات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، حيث يروّج البعض لفكرة عدم تحميل الأجيال الجديدة أعباء تلك المشكلات، وتمثّل تحولا ملموسا في نمط الزواج والأسرة، حيث يختار بعض الأزواج عدم إنجاب الأطفال بشكل متعمّد، وذلك بسبب مختلف الأسباب التي يبرّرونها بدورهم.

وانتشار الزواج بدون إنجاب في سوريا هو أحد الشروط الذي بات يتداول حين يتقدم الشباب إلى الفتيات في سوريا، وهي ظاهرة جديدة انتشرت ولاقت إعجاب بعض السوريين بدعوى عدم إنجاب أطفال يشقون مثل شقاء الآباء.

على الرغم من مزاعم بعض الأفراد بأنهم يتجنبون إنجاب الأطفال لأسباب مجتمعة وليس أنانية، إلا أن البعض يرى هذه الظاهرة تعكس عدم الرغبة في تحمّل تكاليف ومسؤوليات تربية وتنشئة الأطفال في عالم يتّسم بالتعقيدات الاقتصادية والاجتماعية.

وراء هذا القرار تكمن مخاوف من عدم القدرة على تقديم الرعاية اللازمة وتوفير الاستقرار للأبناء في ظل تحديات معاصرة قد تؤثر على مستقبلهم، حيث لا تشجع الظروف الاقتصادية في سوريا على تكوين أسرة، ليس عدم الإنجاب هو الشرط الذي بات متداولا لدى المقبِلين على الزواج، بل برزت ظاهرة جديدة لدى العائلات داخل سوريا وحتى الفتيات المقبلات على الزواج.

مع تجاوز تكاليف الزواج في سوريا أكثر من 100 مليون ليرة سورية، بينما لا يزيد متوسط الدخل الشهري عن ٤٠٠ ألف ليرة سورية، إلا أن نسبة العنوسة في البلاد التي تقترب من 70 بالمئة، بحسب بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية، لم تكن عائقا لدى بعض الفتيات في رفض شبّان داخل سوريا، مفضلات الارتباط بأجنبي أو سوري يعيش خارج البلاد.

ففي ظل الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي تعاني منها سوريا منذ 13 سنة، اختلفت مفاهيم وشروط الزواج لدى الفتيات السوريات، فبعضهن يبحثن عن زوج يكون أجنبي أو يعيش خارج سوريا، في حين تفضل بعضهنّ البقاء عزباء أو تأجيل الزواج إلى أجل غير مسمى.

وعلى وقع رحى المعارك، زادت موجات هجرة ملايين الشبان من سوريا، في حين يواجه من تبقى في البلاد صعوبة تحمّل تكاليف الزواج، جراء انهيار الوضع الاقتصادي وتحول تأمين المنزل إلى حلم صعب المنال، فضلاً عن تكاليف المهر والزفاف.

ومع عزوف الشبان عن الارتباط، ارتفعت نسبة العنوسة في البلاد لتقترب من 70%، حسب آخر بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة، وذلك لأسباب عدة، من أهمها الحرب والهجرة والفقر.

هناك عدة أسباب تدفع الفتيات السوريات إلى طلب زوج أجنبي أو خارجي، ومن أهم تلك الأسباب هو الهروب من الظروف المعيشية الصعبة، إذ تعاني سوريا من انهيار اقتصادي وانخفاض قيمة العملة وارتفاع مستوى التضخم والفقر والبطالة، مما يؤثر سلبا على قدرة الشباب على تأمين حياة كريمة لأسرهم.

يعزز هذا الخيار يعزز من حصولهنّ على الحقوق والحريات، حيث تعاني النساء في سوريا من قمع وتمييز وعنف، بالإضافة إلى التقاليد والعادات التي تحدّ من حرية اختيارهنّ وحركتهنّ وتطورهنّ. لذلك، ترغب بعض الفتيات في الزواج من شخص يحترم حقوقهنّ وحرياتهنّ ويرى فيهنّ شركاء متساوين، ولا يقبل بأية تدخلات من قبل الأُسرة أو المجتمع.

علاوة على ذلك، ليس كل زواج من أجنبي يناسب اختيار الفتيات السوريات، فهناك بعض الشروط التي يجب أن تتوفر في الزوج المرغوب، منها الدين والثقافة والتعليم والشخصية والسلوك، في حين أن بعضهنّ لا يرين أن هذه الشروط مهمة طالما كان يعيش خارج سوريا.

وأسباب الزواج بشروط جديدة وغير متعارف عليها في المجتمع السوري، يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات أولها، الأسباب الفلسفية التي تستند إلى مبادئ أو معتقدات أو رؤى محلية ترفض الإنجاب كقيمة أو هدف من أهداف الحياة، مثل فلسفة اللا إنجابية التي تعتبر الإنجاب جريمة ضد الإنسانية، لأنها تعرّض الأطفال للمعاناة والظلم والموت، أو فلسفة المستقبلية التي تروج للحدّ من التكاثر لصالح التطور التكنولوجي والعلمي.

أما الأسباب الاقتصادية، هي تلك التي ترتبط بالظروف المادية أو المهنية للزوجين، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة والتعليم والصحة، أو قلة فرص العمل والدخل، أو رغبة الزوجين في التركيز على حياتهما العملية والمهنية والشخصية دون قيود أو مسؤوليات.

في حين أن الأسباب الصحية وهي مستبعدة في الظاهرة الأخيرة، تتعلق بالحالة الصحية لأحد أو كلا الزوجين، مثل وجود مشاكل في الخصوبة أو في التكاثر، أو وجود أمراض وراثية أو مزمنة أو خطيرة، أو خشية من المضاعفات والمخاطر التي قد تصاحب الحمل أو الولادة.

وتعكس الأرقام التي توثقها المحاكم الشرعية السورية حجم تعاظم ظاهرة “الزواج عن بعد” أو ما يسمى “الزواج عبر الإنترنت”، الذي يؤكد الشرع صحته وفق شروط محددة يُبنى عليها عقد الزواج ويُسجّل في المحكمة.

أيضا أشكال الزواج بشرط بدون إنجاب أو الزواج بأجنبي أو سوري يعيش خارج البلاد تختلف حسب طبيعة وشروط كل علاقة زوجية، ولكن بشكل عام، هو إما زواج المؤقت ينتهي بمجرد وصول الزوجة إلى خارج البلد للحصول على تأشيرة أو جنسية.