لكل السوريين

كلمة حول الاحتياجات المحلية السورية

إعداد أنعام نيوف

يمكن القول بالبداية، من الأهمية بمكان أن نتجنب الخوض في الأمور السياسية عند مناقشتنا للمسائل الإنسانية، للتمكن من التركيز على كيفية الوصول إلى أرواح الناس واحتياجاتها.

ما زالت احتياجات السوريين للمساعدات الإنسانية داخل وخارج البلاد هائلة، وأن الأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، حريصة على مواصلة تقديم المساعدة لجميع المحتاجين من الشعب السوري، سواء كانوا داخل سوريا أم خارجها، من خلال برامج توزيع المساعدات الغذائية والصحية والمأوي، مع التركيز على النازحين السوريين داخل البلاد في المناطق التي شهدت صراعات.

ونظرا لاتساع الفجوة بشدة بين احتياجات السوريين والموارد المتاحة لدعمهم، لكن ما تقدمه الأمم المتحدة من مساعدات يغطي المستوى الأدنى لتلك الاحتياجات، فقد تم اعطاء الأولوية في العمل الإنساني لبرامج إنقاذ الحياة، ولكن ما زالت الاحتياجات في سوريا كبيرة، حيث يعيش أكثر من 80% من الشعب السوري تحت خط الفقر، مع ارتفاع نسبة البطالة والدمار داخل سوريا.

اتسم المشهد الإنساني بحزمة من التحديات والتعقيدات الشائكة التي تتطلب حلولا مبتكرة لتحقيق التنمية المستدامة والارتقاء بالواقع المعيشي للسكان.

وفي هذا السياق، تبرز تعبئة الموارد المحلية كعامل شديد الأهمية والتأثير في تمكين أبناء المجتمع السوري، وتخفيف وطأة المعاناة عن الأهالي واللاجئين دون الاعتماد الكامل على التمويل الخارجي والمساعدات الدولية التي تستمر بالانحسار، ويجب التحول نحو تعبئة الموارد المحلية والاستفادة منها.

يجري الآن تحول جوهري في الاستراتيجيات العالمية للتعامل مع الشؤون الإنسانية، حيث يزداد التركيز على إيجاد الحلول المحلية، إذ غالبا ما تفشل الأساليب التقليدية التي تقودها المنظمات غير الحكومية الدولية والجهات المانحة في تلبية الاحتياجات الفريدة لكل مجتمع، بينما تمتلك المجتمعات المحلية القدرة والكفاءة والمعرفة التي تؤهلها لاستجابات إنسانية أكثر مرونة وفاعليّة، عند توجيهها بالشكل الصحيح.

يضم المجتمع السوري ثروة ضخمة من الموارد البشرية وأصحاب المهارات والخبرات الواسعة غير المستغلة التي يمكنها إحداث تغيير إيجابي عظيم، وإن الاستفادة من هذه الموارد أمر أساسي في معالجة التحديات المتعددة التي يواجهها السكان، إذ تدرك المنظمات غير الحكومية في سوريا أهمية استثمار إمكانات المجتمعات المحلية وتسخيرها لخلق استجابة إنسانية أكثر تأثيرا واستدامة؛ بعد أن شهدت العديد من التجارب والمشاريع المحليّة الناجحة.

لكن هناك عدة عقبات تعيق عملية تعبئة الموارد المحلية، وإن تحديد ومعالجة هذه التحديات أمر ضروري لبناء مجتمع سوري قائم بذاته وقادر على الصمود، وتتركز أهم العوائق في النقاط التالية:

عدم وجود استراتيجية: أحد التحديات الرئيسية في تعبئة الموارد المحلية هو غياب استراتيجية شاملة بين المنظمات المحلية، وبدون خريطة طريق واضحة، يمكن أن تتشتت الجهود وتفشل في تحقيق الأهداف المرجوة، لذا يعد تطوير الأطر الاستراتيجية التي تتماشى مع الاحتياجات الملحة لكل مجتمع أمرا ضروريا لنجاح عمليات تعبئة الموارد المحلية.

خبرات قليلة وتدريب محدود: يشكل الافتقار إلى برامج التدريب المصممة حسب السياقات المحلية عقبة كبيرة، إذ إنّ بناء قدرات الأفراد والمنظمات المشاركة في تعبئة الموارد أمر أساسي للتغلب على هذا التحدي، ويجب أن تركز مبادرات التدريب على تزويد المجتمعات المحلية بالمهارات اللازمة.

محدودية التنسيق والتواصل: تتطلب التعبئة الفعالة للموارد المحليّة التنسيق والتواصل بين مختلف الفاعلين على الأرض، فالتعاون المحدود بين المنظمات غير الحكومية والسلطات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني يعيق القدرة على تجميع الموارد والخبرات، وبالتالي يعد تعزيز آليات التنسيق والتواصل أمراً أساسيا لتحسين تأثير جهود تعبئة الموارد المحلية.

عدم تبادل الخبرات: هناك خلل كبير من ناحية تقاسم الخبرات والمعارف بين المنظمات السورية، إذ يمنع هذا القيد المنظمات والمجتمعات من التعلم من تجارب بعضهم البعض والاستفادة من نقاط القوة لدى بعضهم البعض، ويتطلب التغلب على هذا التحدي أساليب مبتكرة تسهل تبادل المهارات والموارد والخبرات بين مختلف الكيانات داخل المجتمع.

لكن لا بد من وجود مجموعة من الاستراتيجيات المدروسة لتعظيم تأثير جهود تعبئة الموارد المحلية، ومن أهم هذه الاستراتيجيات:

الاعتماد على القيادة المحلية: حينما يكون القادة من البيئة المحلية فإنهم يدركون الاحتياجات الدقيقة في مجتمعاتهم، مما يجعلهم فاعلين في توجيه جهود تعبئة الموارد، وينبغي للمنظمات غير الحكومية أن تستثمر في تحديد هؤلاء القادة ودعمهم لإحداث تغيير إيجابي.

التعاون وتعزيز الشراكات لتحقيق تأثير أوسع: يتعين على المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني أن تقيم شراكات قوية لتجميع الموارد، وتبادل الخبرات، وخلق أوجه التآزر. ومن خلال العمل معا، يمكن تضخيم الأثر ومعالجة التحديات بشكل أكثر شمولا.

الاستثمار في تعبئة الموارد المحلية: يمكن أن يكون بمثابة حافز للتنمية المستدامة، فإن تخصيص الأموال لبرامج التدريب، ومبادرات بناء القدرات، وتطوير البنية التحتية يضمن استمرارية وفعالية جهود تعبئة الموارد. ويعد هذا الاستثمار بمثابة حافز للتنمية المستدامة في سوريا.

ولتوسيع آفاق حركة الموارد المحلية، ينبغي للمبادرات أن تركز على عدة مجالات رئيسية:

المشاركة المجتمعية والتعليم: إن تمكين المجتمعات من خلال مبادرات التعليم والتوعية يعزز قدرتها على تحديد الموارد وتعبئتها وإدارتها بشكل فعال، في حين يصبح التعلم حافزا للابتكار والقدرة على التكيف.

بناء الشبكات والشراكات: ويتضمن توسيع الآفاق، بناء شبكات وشراكات واسعة، إن إقامة اتصالات مع المنظمات الإقليمية والدولية، والمجتمعات المجاورة، يخلق شبكة من الدعم تعزز مرونة جهود تعبئة الموارد المحلية.

تقاسم القدرات: يمكن للمجتمعات ذات نقاط القوة والضعف المختلفة أن تستفيد من الموارد والمهارات والمعرفة المشتركة، حيث يعد تنفيذ الآليات التي تسهل هذا التقاسم أمرا ضروريا لإنشاء مجتمع أكثر ترابطا وتمكينا.

تخصيص الاستراتيجيات لتلبية الاحتياجات المحلية.

إن النهج الواحد الذي يناسب الجميع غير مناسب مع المشهد المعقد في سوريا، لذلك فإن تخصيص أساليب تعبئة الموارد وفقا للاحتياجات المحلية والفروق الثقافية الدقيقة يضمن الملاءمة والفعالية الأكثر فائدة.

في الختام، فإن الطريق نحو تحسين الأوضاع الإنسانية في سوريا ينطوي على جهود متضافرة لتحديد الأولويات وتعزيز تعبئة الموارد المحلية، ومن خلال التغلب على التحديات من خلال التخطيط الاستراتيجي والتدريب والتنسيق وتقاسم القدرات، يستطيع المجتمع الإنساني تمكين المجتمع السوري من مواجهة تحدياته بمرونة واستدامة.

إن التحول نحو التمويل المحلي وتعبئة القدرات الداخلية، إلى جانب الرؤى والاستراتيجيات للتعبئة الفعالة للموارد، يفتح آفاقا جديدة لخلق تأثير إيجابي ودائم على المجتمعات المحتاجة، ومن خلال التعاون والاستثمار والالتزام بالتخصيص، فإن الطريق أمامنا يحمل وعدا بمجتمع سوري أكثر تمكينا واعتمادا على الذات.