لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية ’’4’’

تعتبر التجربة البرلمانية في سوريا من أولى التجارب في المنطقة، حيث تم انتخاب أول مجلس نيابي في بلام الشام، التي كانت تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، في السابع من حزيران عام 1919، تحت اسم المؤتمر السوري، وعقد أول اجتماع له في دمشق بمشاركة 85 نائباً، ومثّل أول صيغة برلمانية فريدة من نوعها في الوطن العربي.

وتتالت التجارب البرلمانية في سوريا تحت تسميات مختلفة.

وقبل ذلك، بدأت محاولات أولى للتجربة البرلمانية، ولكنها كانت تتهمش أو تتعطل أو تلغى، بسبب فرمانات الإمبراطورية العثمانية، أو قرارات الانتداب الفرنسي، أو عدم الاستقرار السياسي وتتالي الانقلابات العسكرية في مرحلة الاستقلال وما بعدها.

ورغم قصر هذه التجارب، وتعثرها غالباً، لكنها ساهمت في بلورة العمل البرلماني، وتراكم الخبرات خلال هذه التجارب، قبل أن تصل إلى مرحلة النضج في بعض مراحلها.

التجربة البرلمانية في ظل الاستعمار الفرنسي 2

منذ دخوله إلى سوريا، حل الاضطهاد الفرنسي محل الاضطهاد التركي، وتعامل الفرنسيون بقسوة مفرطة مع سكانها.

وسرعان ما قاوم السوريون بمختلف مناطقهم وانتماءاتهم، الاستعمار الفرنسي.

واندلعت انتفاضات شعبية في معظم المدن سورية وأريافها، وترافقت باشتباكات دموية مع القوات الاستعمارية.

ففي آب 1920 ابتدأت ثورة جبل العرب بقيادة سلطان باشا الأطرش، وسبقتها ثورة جبال الساحل بقيادة الشيخ صالح العلي عام 1919، ومن ثم ثورة سكان جبل الزاوية بقيادة إبراهيم هنانو، وثورة حسن الخراط ومحمد الأشمر في غوطة دمشق، وثورة أحمد مريود.

وتحولت انتفاضات السوريين المتفرقة ضد المحتلين الفرنسيين إلى حرب تحرير وطنية حقيقية عام 1925، عندما انطقت الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، تحت شعار الدين لله، والوطن للجميع، وشملت جميع الأراضي السورية، وتبلورت أهدافها بإجلاء القوات الأجنبية من أراضي سورية، واستعادة وحدة أراضي البلاد، والاعتراف باستقلالها الوطني، وإجراء انتخاب حرة للجمعية التأسيسية لوضع وإقرار دستور للبلاد بصورة مستقلة، وتشكيل حكومة وطنية مسؤولة أمام البرلمان وتكوين جيش وطني.

وفي نقس العام  توجه وجهاء دمشق ومشايخها إلى الحاكم الفرنسي ببرنامج ينص على وحدة سورية في حدودها ما قبل الحرب واستقلالها وإجراء انتخابات إلى الجمعية التأسيسية ووضع الدستور وتطبيق النظام البرلماني وتقييد سلطة المستشارين الفرنسيين وتعيين شخصيات وطنية في المناصب الحكومية القيادية وإجراء المرافعات القضائية باللغة العربية وتطبيق الحريات الديمقراطية ونظام الحماية الجمركية وإلغاء المشاريع والمؤسسات الفرنسية بصورة جزئية ووضعها تحت إشراف الحكومة الوطنية وإعادة المعادل الذهبي للعملة السورية وإعادة وضع الأوقاف تحت إشراف رجال الدين.

وكانت مطالب حزب الشعب الذي كان يمثل البرجوازيين والإقطاعيين، مماثلة لمطالب وجهاء دمشق ومشايخها، كما ورد في برنامجه السياسي الذي سعى لتنفيذه.

كما كانت الثورة السورية الكبرى ضد المستعمرين الفرنسيين قد أكدت ضمن أهدافها، على “الانتخاب الحر للجمعية التأسيسية لتضع دستور سورية بصورة مستقلة وتشكيل حكومة وطنية مسؤولة أمام البرلمان”.

وأجبرت صلابة المقاومين السوريين الانتداب الفرنسي على الاستجابة لمطالب الشعب وإجراء انتخابات برلمانية عامة عام 1928، واعتبرت هذه الانتخابات أول انتخابات تشريعية في تاريخ سورية الحديث.

وتوجت بإعلان المجلس التأسيسي، وانتخاب هاشم الأتاسي رئيساً له ووضع أول دستور سوري دائم للبلاد.

وفي 15 حزيران 1928، عقد المجلس التأسيسي في دورته الأولى وشرع بوضع الدستور،  وتم تشكيل لجنة دستورية دخل في قوامها ساسة بارزون بينهم فوزي الغزي وسعد الله الجابري وعبد الرحمن الكيالي ولطفي الحفار وإحسان الشريف ومظهر أرسلان وفارس الخوري ونوري الأصفري وإسماعيل الحريري ومجهم بن مهيد وغيرهم.